اقتصاد » احصاءات

الخليج أقواها.. خيارات أمريكا وأوروبا لإنقاذ اقتصادها من كابوس النفط

في 2022/03/11

سلمى حداد - الخليج أونلاين-

لن يصمد العالم طويلاً أمام استمرار ارتفاع أسعار النفط الخام، فتجاوزها لعتبة الـ100 دولار قبل ثلاثة أسابيع بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا سيعني مزيداً من الارتفاع لاختراق حاجز الـ150 دولاراً ثم 200 دولار وربما أكثر في ظل تصاعد التوترات والمخاطر الدولية وزيادة الطلب على الزيت الأسود.

وارتفعت أسعار النفط أكثر من 30% منذ بدء غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، ووصلت ذروتها إلى 140 دولاراً للبرميل يوم الاثنين الماضي لأول مرة منذ 2008.

سيناريو الركود التضخمي

ليس ارتفاع أسعار النفط هو ما يقلق فحسب، بل تداعيات الارتفاع هي التي تثير رعب غالبية دول العالم؛ فالوصول إلى هذه الأسعار يعني تصاعداً جنونياً للتضخم؛ وهو ما يهدد بالوصول إلى الركود التضخمي، بمعنى ارتفاع الأسعار في ظل هبوط بالنشاط الاقتصادي، وهو ما سيخلق أقوى أزمة اقتصادية في العالم.

ويقول الخبير الاقتصادي المختص بشؤون الطاقة، عامر الشوبكي، إن "الخوف حالياً هو من الركود التضخمي وهو ما بدأنا نشهده بالفعل".

وأكد أن الأسعار المرتفعة تشكل أكبر خطر على معدلات التضخم، ففي الولايات المتحدة معدل التضخم وصل إلى أعلى نسبة منذ 4 عقود، وفي أوروبا كذلك وصل إلى أعلى معدل منذ 30 عاماً.

ومن المتوقع، حسب الشوبكي، أن تعلن واشنطن نسب تضخم جديدة قد تصل إلى 7.9%، وهي نسبة تاريخية.

وقال الباحث الاقتصادي: "معدلات التضخم أصبحت واقعاً في العالم يتأثر بها الجميع، خاصة من يستهلك أكثر من الوقود، وبالنسبة للدول المنتجة للنفط يتأثر بالتضخم من يستهلك أكثر من كمية صادراته".

وذات وجهة النظر يؤيدها الخبير الاقتصادي سليمان العساف، حيث قال في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "تواصل ارتفاع أسعار النفط الخام بشكل كبير سيؤدي لرفع معدل التضخم عالمياً بنسبة 1%، وهو ما لا يطيقه العالم، خصوصاً أنه لم يكد ينفض عنه ركام تداعيات جائحة كورونا بعد.

ورأى أن هذه الزيادة بالتضخم ستؤدي لتصدع الاقتصاد العالمي، خاصة أن الحرب ما زالت مستعرة بين روسيا وأوكرانيا.

الخليج.. العنوان الأبرز

وحالياً دول الخليج العربي، وخاصة السعودية والإمارات، هي العنوان الأبرز لحل هذه المشكلة وإنقاذ اقتصادات أوروبا وأمريكا.

وأدركت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك مبكراً، وبدأت منذ فترة تمارس ضغوطاً على المملكة والإمارات من أجل زيادة إنتاج النفط الخام.

والشهر الماضي، كشفت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن "المخاوف الأمريكية من جراء ارتفاع أسعار النفط دعت الولايات المتحدة إلى التواصل مع السعودية لضخ المزيد من النفط للأسواق العالمية".

وأفادت الشبكة في تقرير لها بأن البيت الأبيض أرسل اثنين من المسؤولين إلى الرياض للضغط عليها لضخ المزيد من النفط".

وأضافت "سي إن إن" أن المسؤول قال إن السعوديين يقاومون أي تغييرات في الإنتاج بسبب التزاماتهم تجاه اتفاق مجموعة "أوبك+".

وتأتي رحلة المسؤولين إلى السعودية في أعقاب مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والعاهل السعودي الملك سلمان، منتصف فبراير الماضي، ناقشا خلالها "ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية"، وفقاً لمضمون المكالمة الصادر عن البيت الأبيض.

كما تحدثت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، يوم الثلاثاء 9 مارس، أن السعودية والإمارات رفضتا طلبات أمريكية لزيادة إنتاج النفط الخام لتهدئة أسعاره بالسوق العالمية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وليست الولايات المتحدة وحدها من يحاول الضغط على السعودية، ففي 27 فبراير 2022، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتصالاً هاتفياً مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحث خلاله أزمة ارتفاع أسعار النفط.

إلا أن ولي العهد السعودي رفض التراجع عن اتفاق "أوبك+" حول كميات إنتاج النفط، حسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية، مؤكداً التزام بلاده باتفاق تحالف "أوبك+" الذي تقوده إلى جانب روسيا.

وأكدت السعودية، أكثر من مرة، تمسكها باتفاق "أوبك+" بشأن تقنين إنتاج النفط، وتهدف من ذلك لمنع انهيار أسعاره مثلما حدث إبان أزمة جائحة كورونا عندما وصل سعر البرميل إلى سالب 37 دولاراً.

كيف ينقذ نفط الخليج العالم؟

ولكن كيف يمكن أن تنقذ دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، الولايات المتحدة ودول أوروبا وكبار المستهلكين في العالم من هذا المستنقع؟

يمكن الحصول على هذه الإجابة من خلال استعراض بسيط لإحصائيات إنتاج دول خليجية بارزة في سوق النفط من الزيت الأسود.

إذ تعد السعودية أكبر منتج للنفط عالمياً ويبلغ حجم إنتاجها حالياً 9.9 ملايين برميل من النفط يومياً، فيما يبلغ الحد الأقصى لطاقتها الإنتاجية نحو 11.5 مليون برميل من النفط يومياً، وذلك قبل اتباع سياسة تخفيض الإنتاج ضمن مجموعة "أوبك+" بداية من منتصف العام 2020؛ لوقف انهيار أسعار الخام آنذاك.

أما الإمارات فهي تحتل المرتبة السادسة من حيث إنتاج النفط، وتنتج حالياً 2.924 مليون برميل يومياً، فيما تبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 4 ملايين برميل.

ويبلغ إنتاج الكويت، التي تحتل المركز التاسع بين الدول المنتجة للنفط، حالياً 2.579 مليون برميل، فيما تصل قدرتها الإنتاجية إلى نحو 3.3 ملايين برميل يومياً.

وتنتج سلطنة عمان يومياً مليوناً و28 ألف برميل من النفط الخام، وتحتل المركز الـ19 بين الدول المنتجة للنفط، في حين يمكنها إنتاج قرابة مليون و60 ألف برميل يومياً.

وتعتبر الدول الخليجية الأربع هذه الأعلى إنتاجاً للنفط، وفي حال قررت استخدام أقصى طاقة لإنتاج الذهب الأسود، فهذا سيؤدي إلى طمأنة أسواق الخام وزيادة المعروض ومن ثم تراجع الأسعار.

ولعل أكبر دليل على ما سبق ذكره هو ما حدث الأربعاء 9 مارس 2022، عندما خرج سفير الإمارات بالولايات المتحدة وقال، في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، إن بلاده لا ترفض زيادة إنتاج النفط وستشجع منظمة "أوبك" على زيادة الإنتاج.

الخبر هذا كان كفيلاً بتراجع أسعار النفط بنسبة 17%، ولكن هذا الانخفاض توقف وعادت الأسعار للتعافي بعد تأكيد الإمارات التزامها باتفاق تحالف "أوبك+" بشأن الإنتاج وأنها لن تتصرف بشكل منفرد، حسب ما أكد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي.

وسيكون أمام الولايات المتحدة خيارات محدودة أقل تأثيراً في حال واصلت دول الخليج التزامها باتفاق "أوبك+".

خيارات أخرى محدودة

الخيار الأول سيكون بتسريع العودة للاتفاق النووي الإيراني، ورفع العقوبات الاقتصادية النفطية عن طهران، وهذا سيعني ضخ 2.5 مليون برميل يومياً إلى الأسواق ومن ثم استقرار أو تراجع أسعار الخام.

وبعد انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي في 2018 فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على إيران، تهدف إلى وقف صادراتها النفطية.

وأسفرت العقوبات الأمريكية عن إنهاء كثير من الدول تعاملاتها التجارية مع إيران وإيقافها شراء النفط من طهران.

أما الخيار الثالث والأخير فيتعلق برفع عقوبات أخرى عن فنزويلا لتعاود إنتاج أكثر من مليوني برميل من النفط يومياً، بدلاً من حوالي نصف مليون برميل حالياً.

وفرضت الولايات المتحدة حزمة عقوبات على كراكاس في محاولة لإخراج الرئيس نيكولاس مادورو من السلطة، من بينها منع فنزويلا، منذ عام 2019، من بيع نفطها الخام الذي يمثل 96% من إيرادات البلاد، في السوق الأمريكية.

وكان البيت الأبيض قد أكد أن وفداً أمريكياً زار كاراكاس مؤخراً، حيث ناقش ملف "أمن الطاقة" إلى جانب مواضيع أخرى.

وسيكون هذا الخيار الأقل تأثيراً على أسواق الطاقة في حال كان منفرداً؛ بسبب محدودية كميات النفط الفنزويلي التي سيزيد عرضها.