خاص الموقع

المُعضِلة الخليجيّة في التّوازن بين أمريكا وروسيا

في 2022/03/09

(أحمد شوقي\ راصد الخليج)

لا شكّ أنّ الأزمة الدّولية الرّاهنة المترتّبة على العمليّة العسكرية الرّوسية في أوكرانيا لها تداعيّات خطيرة على الاقتصاد العالمي ولا سيّما وأنّها تتخطّى نطاق أزمة بين دولتين جارتين، إلى نطاق الصّراع الدّولي بين معسكر شرقي صاعد ومعسكر غربي يستميت في الحفاظ على نظام عالمي أُحادي القطب.

ولا شكّ أنّ هذا المخاض الذي يمرّ به العالم يتولّد عنه حالة من الفوضى في كثير من الملفّات بفعل تغيّر التّوازنات وهو ما ينتج عنه أيضاً تعديلات في التّحالفات تتراوح بين التّعديلات السلسة التدريجيّة، وربّما تصل إلى التّعديلات الدراماتيكيّة، وهو ما لوّح به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حديثه الأخير لمجلّة اتلانتيك الأمريكيّة، وتحديداً عندما قال موجّهًا حديثه لأمريكا: "من يمتلك الإمكانيات المبشّرة في العالم حاليًا؟ السعودية. ولو أردتم تفويت الفرصة، أعتقد أنّ هناك آخرين في الشرق سيكونون سعداء جدًّا باغتنامها".

هنا تلوح السعودية بالانتقال إلى الروس والصينيين، محاولة استغلال لحظة ضعف أمريكية بدت بها أمريكا ووراءها الناتو عاجزين عن مواجهة روسيا بشكلٍ مباشر، ويعزّز ذلك أيضًا، المواقف السعودية والإماراتيّة التي أبدت مرونة مع الروس ولم تُشارك في حملة الشيطنة الدّولية التي يشنّها الغرب، وأيضًا التنصّل من الخروج من اتّفاقيّات أوبك بلاس والحرص على التّنسيق مع روسيا وعدم الانسياق التّام وراء الرّغبات الأمريكية لكبح جماح ارتفاع أسعار الطاقة.

بالطّبع لم يحدث تمرّد على أمريكا ولم يتمّ الخروج من عباءتها، بدلالة الانصياع لأوامر أمريكا بإدانة العملية العسكرية الروسية في الجمعية العامّة للأمَم المتّحدة.

ولكن ما برز هو بوادر اتّباع ما يُعرف بسياسة التحوّط، وهي عدم إغضاب الروس، والاحتفاظ بموطئ قدم مع روسيا والصين إذا ما انقلبت التوازنات ونجحت معركة التحوّل للنّظام العالمي الجديد متعدّد الأقطاب.

لكن المعضلة الرئيسيّة هنا هي الارتباط العضوي الأمني بين الخليج وأمريكا، حيث لا يستطيع الخليج التّعامل وفقًا لنظرية الأمن الفردي، بل هو مُطالب بنظرية الأمن الجماعي، وهي قائمة على الغرب ومنظومة التّسليح الغربي وخاضع لخُطط الانتشار الجِيو- استراتيجي الأمريكي بالخارج.

ورغم أنّ أمريكا متراجعة وبدأت في سحب الكثير من قوّاتها من المنطقة، وبدت أولويّاتها مركّزة في مناطق أخرى أكثر خطرًا على مصالحها المباشرة، وهي مناطق أسيا وأوروبا، إلّا أنّها لم تسحب قواعدها من الخليج ولم تطرأ تغييرات على خُططها بالخليج في إطار مصالحها بالممرّات الدولية والمحيطات، كما أنّ أمريكا في إطار تراجعها لن تترك لخصومها منطقة سيطرة تاريخيّة بسهولة وبانتقال سلس.

هنا يُمكننا التّساؤل، هل أعدّت السعودية العدّة لانتقال غير سلس للنظام العالمي وتوازناته الجديدة وهل استوفت شروط الانضمام  لتحالفات تُناهض القطب الغربي أمنيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا؟

بالتّأكيد الأمر ليس نزهة وليس انتقال احترافي من ناد رياضي إلى آخر، بل هو أمر معقّد وخطير ولا بدّ أن يستند على رؤى استراتيجيّة، لا نرى أنّ لها بوادر خليجيّة، بل كلّ ما نراه هو مُغازلة للعدو الإسرائيلي والذي هو جزء من المعسكر الغربي ولا يستطيع الفكاك منه!

بلا شكّ نحن نتمنّى أن يخرج الخليج من الفلك الأمريكي وأن يستعيد وحدته مع أمّته العربيّة والإسلاميّة، بينما الشواهد وسط استمرار الحرب على اليمن ومغازلة العدو عبر الاستعداد للتطبيع، هو نوع من أنواع التنصّل عن الأمّة ونوع من الغرور وتجاوز الإمكانيّات الحقيقيّة لأنّ السعودية والخليج لا تملك القوّة الحقيقيّة والتّراكمات التي تكفل لها هامش مناورة آمنة في الانتقال من قطب لقطب، بل على العكس قد تقع ضحية من ضحايا صراع الكُتلتين!!!