مجتمع » حريات وحقوق الانسان

إصلاح حقوق الإنسان في الإمارات.. تطور اجتماعي وسياسي طبيعي أم استراتيجية مؤقتة؟

في 2021/12/27

ريم سعيد - إي إنرتناشيونال ريليشنز - ترجمة الخليج الجديد-

في عالم حيث تُولِّد سجلات حقوق الإنسان نقاشات سياسية بشكل متزايد، قد تكون هناك حاجة لتغييرات في قوانين حقوق الإنسان المحلية، خاصة بالنسبة للبلدان الناشئة التي تشهد إصلاحا اجتماعيا مثل الإمارات. 

ومن الناحية المفاهيمية، تشرح نظرية الهوية الاجتماعية الدولية لماذا قد تؤدي الحاجة إلى إصلاحات حقوق الإنسان إلى ظهور وضع هرمي يسعى فيه بلد ما إلى تسلق تصنيف حقوق الإنسان، مع تعزيز الوضع المكتسب في الوقت نفسه للحصول على مزايا الوضع الاقتصادي والجيوسياسي.

وفيما يتعلق بالإمارات، يوضح هذا المقال أن الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان قد لا تؤدي فقط إلى تحسين مكانة الإمارات كدولة إصلاح اجتماعي، ولكن أيضا تعزز هدفها المتمثل في أن تصبح مركزا إقليميا عسكريا واقتصاديا، فضلا عن تفوقها في مجال الضيافة.

وبعد نصف قرن من تشكيلها، سمح التحول الاقتصادي للإمارات، إلى حد كبير من خلال موارد الطاقة لديها، بالاستثمار في تطوير القوة الناعمة، عبر الدبلوماسية الدولية والمساعدات الخارجية، وكذلك القوة الصلبة، عبر القدرات العسكرية والتدخل في النزاعات الدولية.

ومع ذلك، فإن التأثير الاقتصادي والجيوسياسي المتنامي لدولة الإمارات قد جذب الانتباه أيضا إلى تطورها الاجتماعي والسياسي، الذي لم يواكب تطورها كلاعب اقتصادي وجيوسياسي. ويقع سجل حقوق الإنسان في الإمارات في قلب الجدل حول التنمية الاجتماعية والسياسية في البلاد، الذي غالبا ما يجذب الانتباه والنقد الدولي.

ومن الناحية الاقتصادية، تعتمد الإمارات على العمالة الوافدة، التي تمثل نحو 90% من سكانها. ويركز هذا الأنظار على حقوق هؤلاء الرعايا الأجانب، ما يؤدي أحيانا إلى توتر دبلوماسي بين الإمارات وبلدان موطن العمال المهاجرين. كما أن نمو الإمارات كمركز دولي للاستثمارات المالية والسياحية قد أثار أيضا تساؤلات حول حقوق الإنسان الخاصة بها حيث أصبح المستثمرون والمنظمات الدولية أكثر وعيا بسجلات حقوق الإنسان في البلدان التي يستثمرون فيها أو يتعاملون معها.

ومن الناحية السياسية، تتمحور القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في الإمارات أيضا حول ما إذا كانت قوانين حقوق الإنسان الحالية توفر حماية كافية، مع طرح أسئلة حول معاملة المعارضين السياسيين والنساء والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وتسلط المنظمات الحقوقية الضوء على الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان المبلغ عنها، وتضغط على حكومة الإمارات للدفاع عن سجلاتها في مجال حقوق الإنسان. وفي الأعوام الأخيرة، اتخذت تدابير لتحسين حقوق الإنسان من حيث التنوع والمساواة بين الجنسين وحقوق العمال والتمثيل السياسي.

ومن الناحية الجيوسياسية، أصبحت الإمارات حازمة بشكل متزايد في علاقاتها الإقليمية والدولية، الأمر الذي يثير أيضا الجدل حول سجلها في مجال حقوق الإنسان. على وجه الخصوص، في ممارسة قوتها الصارمة من خلال حيازة الأسلحة والتدخل العسكري وإنشاء قواعد عسكرية في دول أجنبية، غالبا ما يتم تذكير الإمارات بالتزامات حقوق الإنسان، سواء من موردي المعدات العسكرية الغربيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان، بشأن استراتيجياتها العسكرية وأصولها وأهدافها في الخارج.

ومع ذلك، على مدى العقد الماضي، كان هناك تغيير في سجل حقوق الإنسان الإماراتي في ما يخص الإماراتيين والعمال المهاجرين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت الخطوة الأخيرة من قبل الإمارات بشأن إصلاح حقوق الإنسان هي مجرد تطور اجتماعي وسياسي طبيعي، أو تغيير محسوب في السياسة للحفاظ على التأثير الاقتصادي والجيوسياسي؟ لذلك، تحلل هذه المقالة الاتجاه الأخير في مجال حقوق الإنسان، وتسلط الضوء على الدور الذي قد تلعبه الاعتبارات الاقتصادية والجيوسياسية في تشكيل هذه التغييرات الأخيرة.

تطور حقوق الإنسان في الإمارات

وتجري إصلاحات حقوق الإنسان في الإمارات تدريجيا، لكن العقد الماضي شهد أكبر التغييرات. ويرد أدناه تلخيص لهذه الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان.

وبدأت الجهود المبذولة لحماية حقوق الطفل في الإمارات مع إنشاء اللجنة العليا لحماية الطفل عام 2009، ومركز حماية الطفل عام 2011. ولكن لضمان الحقوق الأساسية للأطفال، بما في ذلك الحق في الحياة والتعليم والصحة، صدر القانون الاتحادي رقم 3 لعام 2016 لتوفير الإطار القانوني لحماية الأطفال.

وفي عام 2017 أيضا، تم تقديم تدابير إضافية، بما في ذلك الخطة الاستراتيجية لحقوق الأطفال ذوي الإعاقة 2017-2021 والاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة 2017-2021، لتعزيز عزم الحكومة على خلق بيئة صديقة للأطفال حيث تكون سلامتهم أمرا بالغ الأهمية وحقوقهم مضمونة.

وفي مواجهة انتقادات دولية للتقارير الخاصة بالإتجار بالبشر واتهامات ضعف الجهود في التعامل مع آفة الإتجار بالبشر، شرعت الدولة في مكافحة جميع أشكال جرائم الإتجار بالبشر داخل الدولة، مع العمل مع الدول الإقليمية وغير الإقليمية لاستئصال جذور هذه الجرائم.

واضطلعت الإمارات بدور قيادي في الحملة العالمية لمكافحة الإتجار بالبشر، وكانت أول دولة في المنطقة تسن قانونا شاملا لمكافحة الإتجار بالبشر مع القانون الاتحادي 51 لعام 2006، وأنشأت اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر للإشراف على تطبيقه.

ولضمان استمرار فعالية قوانين الإتجار بالبشر، تم إجراء تعديل في عام 2013 على بروتوكول الأمم المتحدة بشأن الإتجار بالبشر وتم تعديله في عام 2015 لتحسين الدعم المقدم للضحايا وحماية الشهود.

وبشكل عام، اعتمدت الإمارات الاستراتيجية الوطنية الخمسية لمكافحة الإتجار بالبشر، وشملت المنع والملاحقة القضائية والمعاقبة وحماية الضحايا وتعزيز التعاون الدولي. بالإضافة إلى ذلك، يتم تقديم خدمات إعادة التأهيل لضحايا الإتجار بالبشر، بما في ذلك ملاجئ إيواء للنساء والأطفال ضحايا تلك الجرائم، ومركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية، ومؤسسة دبي للمرأة والطفل، ومركز دائرة الشارقة للخدمات الاجتماعية وحماية المرأة.

وأثار سجل الإمارات في حقوق المرأة، لا سيما فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، تساؤلات حول ادعاء الدولة بأنها دولة عالمية متسامحة. وردا على منتقديها، أجرت الدولة تغييرات سياسية وقانونية من أجل القضاء على التحيز ضد المرأة. وعلى مدى العقد الماضي، قامت دولة الإمارات بإصلاحات مهمة في مجال حقوق المرأة، حيث قدمت المزيد من الحماية ضد العنف الأسري، ولكن لا يزال هناك تمييز كبير ضد النساء والفتيات.

لكن في الأعوام الأخيرة، كرست حكومة الإمارات المزيد من الجهود لتحسين حقوق المرأة. ومن خلال مجلس التوازن بين الجنسين، أحرزت الإمارات تقدما كبيرا في مجال حقوق المرأة، مستهدفة على وجه التحديد التمكين الاجتماعي والاقتصادي.

وتشمل الإصلاحات الأخيرة المتعلقة بتمكين المرأة القدرة على التقدم بطلب للحصول على جوازات السفر، والحق في أن تصبح ربا للأسرة، والقوانين المناهضة للعنف الأسري، وتجريم التحرش الجنسي في مكان العمل، وتجريم التمييز ضد المرأة.

وفي الواقع، نالت الجهود السريعة والمستمرة لتحقيق المساواة بين الجنسين في دولة الإمارات اعترافا دوليا. وتُظهر أحدث البيانات المتاحة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى إقليميا والـ18 عالميا في "مؤشر عدم المساواة بين الجنسين". كما يسلط مؤشر البنك الدولي للمرأة والأعمال والقانون لعام 2021 الضوء على قفزة في حقوق المرأة في الإمارات، بالرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل لا تزال تحتل المرتبة الأدنى في مؤشر المرأة والأعمال والقانون، حيث تتمتع النساء بأقل من نصف الحقوق التي تمارس من قبل الرجال.

وبشكل أكثر تحديدا، يُظهر المؤشر ارتفاع النتيجة الإجمالية للإمارات من 30 من أصل 100 نقطة في عام 2019 إلى 82.5 من أصل 100 نقطة في عام 2021.

ومع ذلك، استمرت الإمارات في تقديم أدوات قانونية إضافية لتعزيز وحماية حقوق المرأة. على سبيل المثال، تستهدف القوانين الجديدة العنف الأسري وجرائم الشرف، مع الإنفاذ القانوني ضد جميع أشكال العنف ضد المرأة.

كما تم اعتماد قوانين جديدة تسمح للمرأة بالمشاركة في العمل الليلي والتوظيف في الأدوار التي كانت مقيدة للذكور في السابق، مما يتيح للمرأة حرية العمل. وأخيرا، بعد أن أحرزت الإمارات تقدما كبيرا في المساواة بين الجنسين في الداخل، شرعت في حملة عالمية لدعم حقوق المرأة في البلدان الأخرى باستخدام قوتها الناعمة من خلال المساعدات الخارجية. نتيجة لذلك، تتصدر الإمارات القائمة من حيث حجم المساعدات الخارجية المخصصة لتمكين الفتيات والنساء وحمايتهن حيث لا يزال التمييز يمارس.

ولتطوير إطارها القانوني بشأن حقوق العمال، صادقت الإمارات على 9 اتفاقيات رئيسية لمنظمة العمل الدولية تتعلق بحقوق العمال، بما في ذلك 6 اتفاقيات أساسية، واتفاقية حوكمة واحدة، واتفاقيتين تقنيتين.

ويتم إدخال قوانين وأنظمة العمل لإصلاح أسواق العمل ومنح العمال، وخاصة العمالة الوافدة، المزيد من الحقوق القانونية. على سبيل المثال، منذ عام 2009، أدخلت الإمارات نظام حماية الأجور، الذي غيّر العلاقة بين أصحاب العمل وموظفيهم، وخاصة عمال الخدمة المنزلية، من خلال ضمان حماية الأجور، وهو جهد مهم نحو تحسين حقوق العمال.

وفي حين أن الحماية القانونية للعاملات المنزليات أضعف من قوانين العمل غير المنزلي، وهي أقل نسبيا من المعايير الدولية، فقد تم إدخال القوانين واللوائح منذ عام 2017 لمنحهن حقوقا إضافية، بما في ذلك حظر مصادرة جوازات السفر والإساءة الجسدية، وحقوق السفر.

وفي عام 1991، عقدت الأمم المتحدة مؤتمرا عالميا في باريس للتشاور حول إنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لحماية وتعزيز حقوق الإنسان. ووفقا لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن نتائج مؤتمر عام 1991، والمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي تلاه عام 1993 في فيينا، كان ما يسمى بمبادئ باريس، التي تحدد الوضع الدولي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وضمان استقلاليتها وشرعيتها ومصداقيتها وفعاليتها.

وبينما بذلت الإمارات جهودا لتحسين سجلاتها في مجال حقوق الإنسان، فقد تعرضت لانتقادات لفشلها في إنشاء مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان لمناصرة حماية حقوق الإنسان، وبالرغم من مزاعم كونها من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في المنطقة، فقد تأخرت في ذلك عن دول الخليج الأخرى المجاورة، مثل البحرين وعُمان وقطر والسعودية، التي أنشأت جميعها مؤسساتها الوطنية لحقوق الإنسان.

وفي خطوة لإظهار أن إصلاحاتها في مجال حقوق الإنسان مستمرة في اتجاه إيجابي، سنت الإمارات القانون الاتحادي رقم 12 لعام 2021، لإنشاء مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان. وتم إنشاء مؤسسة حقوق الإنسان الجديدة وفقا لمبادئ باريس، ما يشير إلى أن الحكومة تعتزم السماح لها بالاستقلال الإداري والمالي. ومع ذلك، هناك مخاوف من أن المؤسسة المقترحة قد لا تصل إلى مثل هذا الاستقلال الذاتي، بالنظر إلى تجربة مؤسسات حقوق الإنسان المنشأة بالفعل في البحرين وعُمان وقطر والسعودية.

الأسباب الاقتصادية والجيوسياسية المحتملة لإصلاحات حقوق الإنسان في الإمارات

وبينما أحرزت الإمارات تقدما تدريجيا في إصلاحات حقوق الإنسان في العقود الأخيرة، فإن تسريع أحكام حقوق الإنسان والحماية، بما في ذلك الإعلان الأخير عن قانون إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، أثار التساؤل حول السبب الحقيقي وراء التحول الدراماتيكي في البلاد لتحرير قوانينها الاجتماعية والثقافية.

ويتمحور الجدل حول ما إذا كانت الإصلاحات الأخيرة في مجال حقوق الإنسان تتبع تقدما اجتماعيا ثقافيا طبيعيا لدولة حديثة، أو تموضعا استراتيجيا مصمما لتحقيق أقصى قدر من المكاسب الاقتصادية أو الجيوسياسية.

ومن الناحية النظرية، تلخص النظريات الموجودة المستخدمة التنافس في العلاقات الدولية إلى 3 وجهات نظر. أولا، المنظور العقلاني الآلي، بقيادة "رينشون"، الذي يشرح كيف يمكن أن تؤدي الطبيعة الاستراتيجية للسعي وراء المكانة في السياسة العالمية إلى تسلسل هرمي، حيث تتنافس الدول على الصعود على حساب الآخرين. ثانيا، المنظور الاجتماعي النفسي، القائم على نظرية الهوية الاجتماعية، الذي دافع عنه "لارسون" و"شيفتشينكو". ويشرح هذا المنظور النظري كيف تضع الدولة الساعية إلى مكانة نفسها استراتيجيا لتحقيق ترتيب أعلى في التسلسل الهرمي الذي يتميز بسمات قيّمة، بما في ذلك التقدم الاجتماعي والثقافي. ثالثا، المنظور البنائي، الذي يشرح، وفقا لـ"موراي"، كيف يمكن لدولة ما أن تصوغ صورة ذاتية أو هوية وطنية، وعندما يتم مقارنتها بالدول الأخرى، فإنها تسمح لها بالحصول على مكانة أعلى في المجتمع الدولي.

وفي هذا المقال، تُستخدم نظرية الهوية الاجتماعية الدولية التي وضعها "لارسون" و"شيفتشينكو" لاستكشاف السبب في أن إصلاحات حقوق الإنسان التي تقوم بها الإمارات قد تكون محاولة للحصول على مكانة مدفوعة اجتماعيا، والاستفادة منها، لاكتساب ميزة تنافسية اقتصادية وجيوسياسية.

وينظر كلا من "لارسون" و"شيفتشينكو" إلى الحراك الاجتماعي والمنافسة الاجتماعية والإبداع الاجتماعي باعتبارها 3 استراتيجيات يمكن للدولة أن تستخدمها لتضع نفسها في مكانة دولية أعلى.

والاستراتيجية الأولى هي الحراك الاجتماعي، التي تحدد فيها الدولة مسعى اجتماعيا دوليا ذا قيمة معينة، حيث تحتل مرتبة متدنية، وتقبل معايير التقييم للتقدم إلى مكانة أعلى، وبالتالي، تسعى بشكل منهجي لمحاكاة المسعى الاجتماعي لدولة ذات مرتبة عالية لغرض تحقيق مرتبة أعلى نفسها.

وفي سياق استراتيجية الإمارات لوضع حقوق الإنسان الدولية، يعني الحراك الاجتماعي أنها تسعى إلى اتباع معايير حقوق الإنسان التي تنادي بها الدول الأكثر تقدما ديمقراطيا، أو تلك التي تم تدوينها في الاتفاقيات الدولية. وأيضا، في ممارسة قوتها الصارمة من خلال الاستحواذ على المعدات العسكرية والتدخل العسكري، تضطر الإمارات إلى تحسين سجلاتها المحلية في مجال حقوق الإنسان لسببين. أولا، تواجه الحكومات الغربية تحديا خطيرا من مواطنيها وبرلماناتها عند إمداد الدول ذات سجلات حقوق الإنسان السيئة بالأسلحة. ثانيا، تميل البلدان ذات السجلات السيئة في مجال حقوق الإنسان إلى مواجهة انتقادات أكبر من قبل الهيئات السياسية الدولية، مثل الأمم المتحدة، عند الانخراط في عمليات عسكرية في الخارج. على سبيل المثال، أثار التدخل العسكري الإماراتي في اليمن عددا من ردود الفعل الدولية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان المحتملة.

والاستراتيجية الثانية هي المنافسة الاجتماعية، التي تنطوي على تطبيق المكانة الأعلى التي تم الحصول عليها من خلال استراتيجية الحراك الاجتماعي. وفي الواقع، تتمتع استراتيجية المنافسة الاجتماعية بالقدرة التنافسية الجيوسياسية كدافع رئيسي، الذي قد ينطبق على مجالات تتنوع من الحوكمة إلى حقوق الإنسان مرورا بالتدخل الاقتصادي والعسكري. وفي هذه الحالة، تحاول الدولة التفوق على دول على مستوى مماثل أو في مجموعة إقليمية معينة.

على سبيل المثال، وفقا لتقريرها الأخير عن دولة الإمارات، سلطت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الضوء على الاستثمار الاستراتيجي في "قوتها الناعمة"، التي تهدف في المقام الأول إلى وضع صورة الدولة كدولة تقدمية ومتسامحة وتحترم الحقوق، في وقت تتزايد فيه المنافسة الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، تقوم السعودية بإصلاح قيمها الاجتماعية بسرعة، من خلال إدخال تدابير حماية مختلفة لحقوق الإنسان وسياسة اقتصادية جديدة، بهدف جعل البلاد مركزا اقتصاديا وماليا إقليميا جذابا. وبالتالي، فإن الإمارات، الحليف الطبيعي والمنافس للسعودية في المنطقة، قد وضعت نفسها بشكل فعال كمحور اقتصادي للمنطقة، ويجب ألا يُنظر إليها على أنها متخلفة في رأس المال الاجتماعي والسياسي، أي القبول العالمي لامتلاكها قيمة أخلاقية أعلى في المنطقة من خلال تبني حقوق الإنسان.

وبالنظر إليها على أنها الدولة ذات السجل الأفضل لحقوق الإنسان في المنطقة فإنه يمنحها ميزة كونها الحليف الطبيعي للمجتمع الدولي فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية والسياسة الدولية والعلاقات بشكل عام. على سبيل المثال، من المحتمل أن تؤدي التغييرات الإيجابية في قوانين حقوق الإنسان إلى الحد من إمكانية النقد الدولي أو المقاطعة عند لمنتدى دولي مثل "معرض دبي إكسبو 2021".

وأخيرا، تتضمن الاستراتيجية الثالثة، الإبداع الاجتماعي، موقفا تبذل فيه دولة منخفضة المستوى نسبيا جهودا لإعادة إنشاء معايير التقييم كطريقة للتقدم إلى مكانة أعلى. ويمكن القيام بذلك عن طريق تحديد المنطقة التي تتفوق فيها على منافسيها، وتسعى إلى نقل معايير التصنيف على هذا الأساس. على سبيل المثال، في حالة تطور حقوق الإنسان في الخليج والشرق الأوسط، انحرفت الإمارات، بعد أن واجهت تحديات من قبل إصلاحات حقوق الإنسان التي تقوم بها الدول المجاورة لها، نحو طريقة جديدة لوضع نفسها على أنها بطلة التحرير في المنطقة، من خلال الترويج لتوسيع قوتها الناعمة خاصة من خلال مساعداتها التنموية الدولية في مجال حقوق الإنسان. وبشكل أكثر تحديدا، بصفتها جهة مانحة رائدة في مجال الحماية العالمية لحقوق المرأة والطفل، قد تجادل الإمارات بأنها لا تقوم فقط بإصلاح حقوق الإنسان في الداخل، ولكن أيضا في الخارج.

ومع ذلك، سيكون من النفاق أن تقدم الإمارات الدعم المالي للدول الأخرى للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان عندما لا توفر هي حماية مماثلة لنسائها وفتياتها. لذلك، قد ترى الإمارات أن هناك حاجة إلى تنفيذ قدر أكبر من حقوق الإنسان كوسيلة لاكتساب الشرعية للعلاقة والتأثير الدوليين.

الخلاصة

أصبحت المناقشات حول حقوق الإنسان خطابا رئيسيا في العديد من مجالات السياسة والعلاقات الدولية، مع تداعيات اقتصادية وجيوسياسية خطيرة. وبالتالي، سعت الدول التي قامت بإصلاحات اجتماعية مثل الإمارات بشكل متزايد إلى تحسين سجلاتها في مجال حقوق الإنسان.

وإدراكا لفوائدها المزدوجة المحتملة، فإن الأهداف المحتملة لدولة الإمارات في إصلاح حقوق الإنسان ذات شقين، السعي للحصول على الاعتراف بالمكانة الأولى بين جيرانها الخليجيين أو الإقليميين من حيث كونها دولة صديقة اجتماعيا، واستخدام المكانة كاستراتيجية محددة لتعظيم المزايا الاقتصادية والجيوسياسية.