خاص الموقع

عمليّة كيمبرلي المشبوهة ودخول قطر على خطّ التّطبيع

في 2021/11/27

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

تعدّدت مداخل التّطبيع مع العدو الصهيوني، ولكنّها اكتسبت في الفترة الأخيرة أبعاداً جديدة ومبرّرات غير المبرّرات ‏التّقليدية التي تذرّع بها المطبّعون في السّابق.‏

فقد تميّز التّطبيع مؤخراً بأنّه صار أسرع وتيرة وفجاجة ولم يعد على استحياء، ولم يعد يستخدم الذرائع التقليدية والتي ‏مفادها مصلحة القضية والشعب الفلسطيني والتي تتميّز بالكذب والاستخفاف بالعقول.‏

واتّجه التّطبيع حديثاً لتحقيق مصالح ذاتيّة للدول التي تفرط في ثوابت وشرف العروبة لتلتحق بقطاره، دون مواربة أو ‏تذرع، بل صارت المصلحة الخاصّة لافتة مرفوعة على طريق التطبيع !‏

ومؤخراً وفي أحدث المستجدّات، أفادت وسائل إعلام صهيونية بأنّ "إسرائيل" وقطر أبرمتا اتٍفاقية سريّة "جعلتهما ‏أقرب إلى إقامة علاقات ثنائيّة رسمياً".‏

وذكرت صحيفة ‏Globes‏ الاقتصادية الإسرائيلية في تقرير نشرته،أنّ هذه الاتّفاقية السريّة متعلّقة بتجارة الألماس، ‏حيث تسعى قطر إلى إنشاء منطقة تجارة حرّة ستركز على تجارة الألماس والمجوهرات والذّهب، ثمّ إنشاء بورصة ‏الماس، على غرار "بورصة دبي للماس"، وأنّ قطر، من أجل دخول قائمة الدول المسموح لها بالإتجار بالماس، تحتاج ‏إلى موافقة الدول الأعضاء في لجنة "عملية كيمبرلي"، ومنها "إسرائيل".‏

وقالت الصحيفة أنّ قطر بهدف تفادي معارضة محتملة من قبل "إسرائيل:، أبرمت معها اتّفاقية سريّة سمحت بموجبها ‏للتجار الإسرائيليين بدخول أراضيها وفتح مكاتب شركاتهم في منطقة التجارة الحرة المستقبلية.‏

ونقلت الصحيفة عن مصدر شارك في الاتصالات بين الدولتين بشأن هذا الملف قوله إنّه لن تكون هناك أي مشاكل من ‏جانب قطر مستقبلاً في إبرام اتّفاقات اقتصادية أو تجارية جديدة مع "إسرائيل"، ما لم يتناقض ذلك مع مصالح الدوحة.‏

ولفتت الصحيفة إلى أنّ إبرام هذه الاتّفاقية بات ممكناً بعد احتواء الأزمة الخليجية وتراجع الإمارات عن معارضتها ‏لانضمام قطر إلى قائمة الدول التي تتاجر بالماس.‏

وكانت الجلسة العامّة لنظام عملية كيمبرلي لإصدار شهادات الماس الخام، قد صوّتت بالإجماع، على قبول طلب دولة ‏قطر الانضمام إلى عضوية النّظام، وذلك خلال أعمال الجلسة العامة التي عقدت في العاصمة الروسية موسكو في ‏الفترة ما بين 8-12 نوفمبر الجاري.‏

وجاءت الموافقة على انضمام دولة قطر، عقب توصية من لجنة المشاركة والرّئاسة التّابعة لعملية "كيمبرلي".‏

وعملية كيمبرلي، هي مبادرة مشتركة ترعاها الأمم المتّحدة بين الحكومات والعاملين في قطاع الماس والمجتمع ‏المدني، تفرض متطلّبات شاملة على أعضائها لتمكينهم من التصديق على شحنات الماس الخام على أنّها "خالية من ‏الصّراعات"، ومنع تدفّق "ماس الصراعات" إلى هذه التجارة.‏

وأُنشئ نظام عملية كيمبرلي في العام 2003 لإصدار شهادات منشأ الماس بهدف القضاء على تجارة الألماس المموّل ‏للصّراعات ومنعه من دخول سوق الألماس الخام وهي المجموعة الوحيدة في العالم ذات التّمثيل الثلاثي الذي يضمّ ‏الحكومة وقطاع الألماس والمجتمع المدني.‏

وهناك المجلس العالمي للماس، وله تمثيل في جميع مجموعات عمل عملية كيمبرلي وله تأثير في تحديد تنفيذها ‏والإصلاحات المستقبلية.‏

وقد تمّ إنشاء المجلس في يوليو 2000 في أنتويرب ببلجيكا بعد اجتماع مشترك للاتّحاد العالمي لبورصات الماس، الذي ‏يمثّل جميع مراكز تجارة الماس الهامّة في العالم، والاتّحاد الدولي لمصنّعي الماس، الذي يمثّل كبار المصنّعين. الرئيس ‏المؤسّس هو إيلي إزاكوف، الذي شغل المنصب حتى يوليو 2013، ومقرّه في الولايات المتّحدة.‏

وتعدّ دبي أحد أكبر ثلاثة مراكز لتجارة الذّهب والألماس والأحجار الكريمة في العالم، كما تأتي الإمارات في المرتبة ‏الأولى في منطقة الشرق الأوسط والمرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد الصين والهند من حيث استهلاك المجوهرات.‏

و دبي هي موطن أعلى برج للألماس في العالم والذي يعدّ مقراً لما يزيد على 450 شركة إقليمية ودولية للألماس ‏والأحجار الكريمة، وفضلاً عن ذلك فإنّ بورصة دبي للألماس هي المنصّة الوحيدة في المنطقة لتداول الألماس ‏والأحجار الملوّنة.‏

إلّا أنّ هناك شبهات متعدّدة حول تجارة الماس ويتصدّر هذه الشبهات العدو الإسرائيلي، حيث تُفيد المعلومات بأنّ عملية ‏كيمبرلي تكتفي ‏ بتعقّب تحرّكات الألماس غير المصقول وأصوله، بينما تستطيع الدول المتخصّصة في مجال الألماس ‏المصقول أن تنتج ماسات قيمتها مليارات الدولارات كل سنة.‏

وقد أصبحت "إسرائيل" أكبر مُصدِّر للألماس في العالم، مع إيرادات من هذا الحجر الكريم وصلت إلى 9.4 مليارات ‏دولار، ويعزى ذلك جزئياً إلى هذه الثّغرة الفاضحة في عملية كيمبرلي عام 2008.‏

وبما أنّ عملية صقل الألماس تزيل كلّ العلامات المميّزة التي يمكن تعقّبها، من شبه المستحيل تعقّب الألماس المصقول ‏الذي اشتُري من "إسرائيل"، إذ إنّ من غير الممكن تفريقه عن الألماسيات التي تُرسَل من جنوب أفريقيا أو أستراليا أو ‏أميركا الشمالية، وتنتهي في مراكز تجارية كبرى كنيويورك أو هونغ كونغ، حيث يشتريها بالجملة بائعو الألماس ‏حول العالم.‏

ومن ضمن الحوادث في هذا السياق، كانت منظّمة "غلوبال ويتنس" قد اعترضت على موافقة أفراد عملية كيمبرلي ‏على تصدير الألماس الذي استُخرِج من حقول "مارانغ" في زيمبابوي، التي كانت لوقت طويل مشبوهة في انتهاكات ‏حقوق الإنسان. واتّهم الناشط في المنظمة، مايك دايفيس، أعضاء عملية كيمبرلي بغضّ الطرف عن انتهاكات مشابهة ‏للحقوق في كافّة الدول المنتجة للألماس. ‏

وقال في تصريحات لصحيفة "الأخبار" بأنّ "عملية كيمبرلي هي نادٍ للحكومات التي لا تريد أن تحاسب إحداها ‏الأخرى". ‏

كما صرّح الخبير الاقتصادي الإسرائيلي شير هيفير، كدليل لمحكمة "راسل" حول فلسطين عام 2010، بأنّ قوات ‏الجيش الإسرائيلي، من بين منظّمات أخرى، هي التي استفادت إلى أقصى حدّ من تجارة "إسرائيل" المربحة بالألماس. ‏وكشف هيفير للمحكمة عن أنّه: "عموماً، يقدّم قطاع الألماس الإسرائيلي مليار دولار سنوياً تقريباً للصناعات العسكرية ‏والأمنيّة الإسرائيلية". وتابع: "كلّما اشترى شخص ما ألماسة صُدِّرت من (إسرائيل)، ينتهي جزء من هذا المال لدى ‏الجيش الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ الرابط المالي بين الاثنين جليّ".‏

وفيما تُنظَّم حملات لتصنيف الألماس الإسرائيلي كأحجار كريمة مكتسبة في الحروب، تُواجه اللامبالاة الظاهرية، أو ‏بالأحرى التّواطؤ، الذي تُبديه منظّمات على غرار مجلس الألماس العالمي، معارضة شديدة.‏

هنا نحن أمام تواطؤ دولي وإماراتي مع العدو، ومع دخول قطري للتّطبيع من بوابة الماس، ويوماً بعد يوم يزداد ‏الجرم في حقّ قضية الأمّة المركزية.‏