خاص الموقع

ماذا تعكس الأزمة السعودية اللبنانية المُفتعلة؟

في 2021/11/01

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

أثبتت الأحداث الأخيرة المتعلّقة بالأزمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان، أنّ السياسة الخارجية السعودية تُعاني من أزمة ‏على غرار سياساتها الداخلية.‏

فقد أعلنت السعودية استدعاء سفيرها لدى بيروت، وإمهال السفير اللّبناني في المملكة 48 ساعة لمغادرة البلاد، ولحقت بها ‏في هذا القرار الكويت والإمارات والبحرين.‏

كما أعلنت المملكة، وقف دخول الواردات اللبنانية إلى أراضيها، وذلك على خلفيّة تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورح ‏قرداحي رفض الإعتذار عنها بشأن الحرب في اليمن.‏

ومن المعروف أنّ الأزمة بدأت رسميًا ‏بعد نشر مقابلة متلفزة جرى تسجيلها مع جورج قرداحي قبل تولّيه مهام منصبه ‏وزيراً للإعلام في لبنان، اعتبر فيها أنّ جماعة "أنصار الله" اليمنيّة "تدافع عن نفسها في وجه اعتداء خارجي على اليمن منذ ‏سنوات".‏

وما فاقم الأزمة لدى السعودية والدّول الخليجية التي انضمّت لها، هو رفض قرداحي الإعتذار، مؤكّدا أنّه كان ليعتذر عن ‏تصريحاته لو أنّه أدلى بها خلال وجوده في منصبه الرّسمي.‏

وهنا لنا وقفة لنوضح لماذا نقول أنّ هناك أزمة في إدارة السياسة الخارجية للمملكة ودول الخليج التي انضمّت لها:‏

أوّلاً: لا تُدار السياسات الخارجية بمنطق الغلبة والإذعان، بل تدار بالحوارات والتّفاهمات وخاصّة مع الدول الشقيقة، ولا ‏تتطلّب العلاقات الدبلوماسية تطابقاً في الرؤى بل تشهد تبايُنات وخلافات، وربّما تنافس، بل وربّما صراع يسمح باستمرار ‏العلاقات ما لم تتطوّر الأمور لحروب واعتداءات، وما دامت العلاقات لا تشهد عداء على غرار العلاقات مع العدو ‏الصهيوني.‏

ثانيا: لا تتوقّف العلاقات بين الدول على تصريحات السياسيين، وأقصى ما تقتضيه الأمور عند وجود تصريحات مرفوضة ‏لدى الدول، هو استدعاء سفراء الدّول الصادرة منها التصريحات لطلب توضيحات، ثم اتّخاذ إجراءات تدريجية عبر الحوار ‏والتّفاهم ويتمّ اتّخاذ القرارات الكبرى وفقاً لتطوّر الحوار ومجرياته.‏

ثالثاً: التّصريحات الصادرة من الوزير اللّبناني كانت سابقة لمنصبه وبالتّالي هي رأي شخصي لا يستوجب أيّة إجراءات ‏دبلوماسية، إلّا إذا كانت السعودية تريد وزراء الدول موالين لها ولسياساتها وتابعين لها وليس لدولهم أو لقناعاتهم ‏الشخصية!‏

وهناك مفارقتان يمكن رصدهما:‏

الأولى: أنّ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وهو في منصبه الرّسمي ويتحدّث بشكلٍ رسمي لا شخصي، قال إنّ ‏التّعامل مع لبنان أصبح "لا جدوى له" في ظلّ ما سمّاها هيمنة "حزب الله" على البلاد.‏

وهنا هو تجاوز وتدخّل فجّ في الشؤون اللّبنانية وانتهاك دبلوماسي صريح للسيادة، لأنّه لا يحقّ له التّعليق على النّظام ‏السياسي ولا القوى السياسية وأوزانها وتشكيلها في الحكومة، وهو حديث لا يعبّر عن الكياسة أو الدبلوماسية ويستوجب ‏غضباً لبنانياً أكبر بأضعاف مضاعفة من الغضب السعودي على تصريح شخصي لا يعدّ تدخٍلاً بل يعدّ وصفاً مخفّفاً للعدوان ‏السعودي الصريح على اليمن.‏

الثانية: هي أنّ رؤساء لدول كبرى مثل أمريكا، قد وجّهوا إهانات للملك السعودي وليس فقط للسياسات السعودية، وتصدر ‏بشكلٍ شبه يومي انتقادات من مسؤولين أمريكيين وأوربيين للمملكة وسياساتها، ولا تحرّك المملكة ساكناً ولا تحرّك دول ‏الخليج التي انبرت لمعاقبة لبنان هي الأخرى أي ساكن!‏

هنا نحن أمام شبه اعتراف سعودي وخليجي بأنّ السياسة مع الأشقّاء العرب عنوانها الرّشاوى لشراء التّبعية وشراء الذّمم ‏واتّباع أخلاقيّات النّفاق وشراء المواقف السياسيّة بل والأراء الشخصيّة، وهي سياسة غير قابلة للتّطبيق والبقاء، بل ستجعل ‏من الشعوب العربية خصوماً للمملكة، ولن تجد المملكة لها أصدقاء إلّا من المرتزقة، وقد تراجعت أسهمهم وأوزانهم في ‏بلدانهم بعد التّطورات السياسية التي أثبتت بها الحركات السياسية التي تتحلّى بالكرامة والإستقلال الوطني الكفاءة والصّمود ‏في مواجهة هكذا سياسات مذلّة ومهينة.‏