اقتصاد » احصاءات

"نظرة متفائلة".. الاقتصاد غير النفطي مفتاح جديد لثروة الخليج

في 2021/10/23

سلمى حداد - الخليج أونلاين-

على مدار سنوات طويلة مضت، ارتبطت ثروة دول الخليج وموازنات دوله الست بأسعار "الذهب الأسود"، وجميع التحليلات لاقتصادات هذه الدول ترتبط بشكل مباشر بحركة مؤشرات النفط بالأسواق العالمية.

لكن صدمة انهيار أسعار النفط عام 2014 التي هزت اقتصادات دول الخليج دفعتها لاتخاذ مسار آخر بعيداً عن الزيت الأسود الذي اعتمدت عليه طويلاً، ليبدأ مصطلح "الاقتصاد غير النفطي" بالظهور، وتنطلق معه مشاريع وخطط استثمارية وتنموية نقلت دول الصحراء العربية إلى بر الآمان.

وخلال السنوات الماضية، حدثت طفرة نوعية في الاقتصاد غير النفطي الخليجي ليصبح داعماً أساسياً لاقتصاديات جميع دول الخليج.

نمو متسارع

وفي تقرير له توقع البنك الدولي، في أغسطس 2021، أن تنمو اقتصادات دول الخليج بمعدل 2.2%، خلال العام الجاري، و3.3% خلال 2022، بعد انكماش كبير بمعدل 4.8% سنة 2020، كان ناتجاً عن تداعيات جائحة كورونا، فيما رجح صندوق النقد الدولي هو الآخر نمو اقتصاد دول الخليج خلال العامين الجاري والمقبل.

وأفاد "النقد الدولي"، في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر 2021، بأن اقتصاد السعودية سيشهد معدلات نمو 2.8% للعام الجاري، ونحو 4.8% للعام المقبل.

وخلال العام الجاري فإن سلطنة عُمان مرشحة لتحقيق ثاني أعلى نمو بعد السعودية، حيث توقع الصندوق أن تحقق نمواً بـ2.5%، ثم البحرين بـ2.4%، والإمارات بـ2.2%.

وكانت توقعات النمو أقل حيال قطر والكويت بواقع 1.9% و0.9% على الترتيب.

وجاءت توقعات الصندوق للعام المقبل أكثر تفاؤلاً لدول الخليج، الذي تزامن مع توقعات استمرار ارتفاع السلع الأساسية المصدرة، حيث إن النمو المتوقع لثلاث دول خليجية يساوي ويفوق 4%.

وتأتي السعودية في الصدارة بنمو متوقع عند 4.8%، في حين أن الكويت 4.3%، والاقتصاد القطري 4%.

كذلك توقع الصندوق حيال نمو الاقتصاد البحريني أن يكون عند 3.1%، ونحو 3% لدولة الإمارات.

وفي عُمان توقع الصندوق تسجيل نمو بـ2.9%، وهو يقل عن التوقع السابق البالغ 7.4%، حيث راجع الصندوق توقعات حيال النمو في مسقط وخفضه بـ450 نقطة أساس.

وتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع الناتج المحلي الحقيقي لدول الخليج للجزائر وإيران والعراق؛ نتيجة تعافي معدلات إجمالي الناتج المحلي النفطي وغير النفطي.

وقال إن القطاع غير النفطي يشهد تحسناً بنسبة 3.9% و3.4% في 2021 و2022 توالياً، ما يعني أن واردات النفط لم تعد المصدر الوحيد لقوة الاقتصاد الخليجي وبات هناك عامل قوة آخر.

وفي تصريحات سابقة لمونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري، قالت فيها: إن "زيادة قوة القطاع غير النفطي تساعد السعودية وبقية دول الخليج".

وأضافت: "ينبغي أن يستفيد النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج من نشاط غير نفطي أقوى مع تحقيق برنامج الاستثمار زخماً".

الاقتصاد غير النفطي بالأرقام

وبلغة الأرقام، فإن القطاع غير النفطي بالسعودية سجل بالربع الثاني من العام 2021 نمواً بنسبة 8.4% ليصل إلى 366.5 مليار ريال (97.7 مليار دولار)، حسب بيانات "هيئة الإحصاء" الرسمية.

فيما بلغت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 60.2%، في مقابل تراجع الناتج المحلي للقطاع النفطي بنسبة 6.9% في الربع الثاني 2021 مقابل ذات الفترة من عام 2020، ليصل إلى 238.4 مليار ريال (63.5 مليار دولار).

أما في قطر فقد نما الاقتصاد في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 4% على أساس سنوي، وفق بيان جهاز التخطيط والإحصاء القطري.

وبلغت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لقطر بالأسعار الثابتة خلال الربع الثاني 161.6 مليار ريال (44.38 مليار دولار).

ودعم نمو اقتصاد قطر خلال الفترة المذكورة ارتفاع مساهمة قطاع التعدين، واستغلال المحاجر بنسبة 0.7% بتقديرات بلغت 63.15 مليار ريال، فضلاً عن نمو القطاع غير النفطي بنسبة 6.2% بتقديرات 98.5 مليار ريال (27.05 مليار دولار)، وفق المصدر ذاته.

وفي مملكة البحرين فإنه حسب تقرير لوزارة المالية والاقتصاد تحسن أداء القطاع غير النفطي مسجلاً نمواً بلغ نحو 2% بنهاية العام الماضي، مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق.

الإمارات أيضاً شهد اقتصادها غير النفطي نمواً جيداً، فوفق تقرير لصندوق النقد العربي، نشره بأغسطس الماضي، فإنه من المتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بنحو 2.4% في 2021، فيما يتوقع نمو القطاع غير النفطي بما يزيد على 3.6%.

ويعود هذا النمو المتوقع في ناتج القطاع غير النفطي إلى الأثر الإيجابي لبرامج التحفيز المالي التي قامت بها الحكومة الإماراتية والحكومات المحلية، بالتوازي مع زيادة مستويات الائتمان الممنوح نتيجة لخطة الدعم الاقتصادي الشامل التي يتبناها المصرف المركزي.

كذلك من المتوقع أن تستفيد القطاعات غير النفطية من تعافي مستويات الطلب وتنفيذ عدد من الاستثمارات في إطار الاستعداد لاستضافة الإمارات لمعرض "إكسبو 2020" دبي خلال الفترة من أكتوبر 2021 إلى مارس 2022.

ولا تتوفر بيانات لنمو القطاع النفطي في بقية دول الخليج خلال العام الجاري، لكن هذا القطاع نما بنسبة  2.3% في سلطنة عُمان خلال الفترة ما بين عامي 2016 و2020، حسب بيانات وزارة الاقتصاد العمانية.

نظرة للمستقبل

جميع الأرقام إذن تتحدث عن نمو جيد إلى حد كبير في القطاعات غير النفطية لدول الخليج العربي، ومن ثم لا يمكن لأحد أن ينكر أن هذا القطاع سيكون داعماً رئيسياً لاقتصاديات هذه الدول في السنوات المقبلة، بعيداً عن النفط الذي لا تتوقف أسعاره عن التذبذب بين الصعود والهبوط.

وحول ذلك يقول المحلل الاقتصادي منير سيف الدين: "بشكل عام يعد إجمالي الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية الآن أكبر نسبياً في جميع دول مجلس التعاون الخليجي مما كان عليه الحال قبل 10 سنوات".

وأضاف في حديث لـ"الخليج أونلاين": "الاقتصاد غير النفطي كان خياراً لا بد منه، وإلا فسيأتي يوم وتفلس جميع دول الخليج، لذلك توجهت إليه وتعاظم هذا التوجه بعد صدمة 2014 عندما انهارت أسعار النفط بنسبة 50%".

وتابع: "من المبكر أن نقول إن دول الخليج تركت الاعتماد على الاقتصاد النفطي وتحولت بين ليلة وضحاها إلى نظيره"، مشيراً إلى أن "هذا مستحيل في هذا الوقت القياسي، فنحن نتحدث عن 5 أعوام فقط منذ انطلاق التجربة".

وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن الكثير من هذه الدول لا تزال تعتمد على صادرات النفط والغاز بنسب تصل إلى 50%، معتبراً أن هذا ليس سيئاً؛ لأن هذه النسبة كانت 90% في يوم من الأيام قبل عام 2014.

وحول توقعاته لاقتصادات دول الخليج بالعام المقبل في حال انخفضت أسعار النفط يعتقد "سيف الدين": "لا نستطيع القول إن أي انهيار مقبل لأسعار النفط لن تتأثر به دول الخليج، هذا نوع من الخيال بالوقت الحالي، لكن الضرر الذي سيلحق بها لن يكون مثل الضرر الذي لحق بها عام 2014. فلن تواجه ذات الأزمة".

وأضاف: "حالياً جميع التوقعات تشير إلى نمو الاقتصاد الخليجي بنسب متفاوتة خلال العام الحالي والمقبل، وهذه المرة لن يكون النمو مدعوماً فقط بالاقتصاد النفطي، بل أيضاً وبشكل كبير بالقطاع غير النفطي".

وتوقع المختص الاقتصادي أن تنجح دول الخليج خلال العقد المقبل في التخلص بنسبة تزيد عن 80% من الاعتماد على واردات النفط"، مبيناً أن "هذا سيكون مدعوماً بنمو قطاعات العقارات والصناعات غير النفطية، إضافة للاستثمارات الأجنبية في قطاعات كثيرة من أبرزها السياحة والبنى التحتية".