علاقات » خليجي

ما الذي يدفع السعودية وسلطنة عمان إلى التقارب؟

في 2021/08/03

جورجيو كافييرو وكريستيان أولريخسن - ريسبونسيبل ستيت كرافت - ترجمة الخليج الجديد-

شهد النصف الأول من عام 2021 عمل القيادة السعودية على تحسين العلاقات مع عدة دول في الشرق الأوسط. ولأسباب جيوسياسية وأمنية واقتصادية مختلفة، اختار السعوديون الدخول مع الإيرانيين في محادثات في بغداد، ومتابعة التقارب مع قطر، وخفض درجة احترار العلاقات الثنائية مع تركيا، والتواصل بحذر مع الحكومة السورية.

وبالنظر إلى أن هذه الدول كانت، حتى وقت قريب، على علاقة سيئة مع الرياض، فمن الواضح أن السياسة الخارجية السعودية تتحول في اتجاه أكثر براجماتية. ويعكس هذا الواقع الجديد البيئة الاقتصادية متزايدة الصعوبة التي خلقتها جائحة "كوفيد-19"، والتهديد الحوثي المتزايد للأمن السعودي، وانتهاء رئاسة "ترامب"، التي تركت الرياض دون رئيس أمريكي يدعم السلوك السعودي دون قيد أو شرط.

وفي هذا السياق، تتخذ السعودية خطوات لتحسين علاقاتها مع عمان المجاورة، وهي دولة زميلة في مجلس التعاون الخليجي، عانت علاقتها بالرياض أيضا في الأعوام الأخيرة. وكانت التوترات التي تراكمت بين السعودية وسلطنة عمان تتعلق بعلاقة العمل بين مسقط وإيران، والسلوك السعودي في أجزاء من اليمن، المهرة بشكل رئيسي، الواقعة على طول الحدود اليمنية العمانية، والمخاوف العمانية في أواخر عهد السلطان "قابوس" من أن الرياض قد تتدخل في عملية الخلافة في السلطنة، وغيرها من القضايا.

وكانت الزيارة التي قام بها السلطان العماني الجديد "هيثم بن طارق" إلى المملكة هذا الشهر مهمة للعلاقة الثنائية، وسوف تعمل على تعزيز العلاقات الجيدة بين كلا النظامين الملكيين في حقبة ما بعد "قابوس". وفي 11 يوليو/تموز، وصل رئيس الدولة العماني إلى "نيوم"، مشروع "المدينة الضخمة" على ساحل البحر الأحمر في السعودية، في أول رحلة للسلطان "هيثم" إلى دولة أجنبية منذ توليه السلطة في يناير/كانون الثاني 2020.

وأثناء وجود الزعيم العماني في المملكة، وقع البلدان العديد من اتفاقيات النقل والثقافة والتجارة. وخلال زيارته، فتحت المملكة والسلطنة طريقا بريا بطول 500 ميل يربط "عبري" في عُمان والأحساء في السعودية. ويتيح هذا الطريق الصحراوي السريع اتصالا أكبر بين البلدين يمكن أن يؤدي إلى مستويات أعلى من التجارة السعودية العمانية، التي لن تعتمد بعد الآن على طريق أطول بكثير عبر الإمارات.

وبالنسبة للسعودية، يجب أن يُنظر إلى العلاقات الأفضل مع عُمان في سياق الاحتكاك المتزايد في الشراكة السعودية الإماراتية التي حظيت باهتمام كبير في وسائل الإعلام العالمية بعد صراع "أوبك" بين الرياض وأبوظبي في وقت سابق من هذا الشهر.

وتظل العديد من الأسئلة حول العلاقة السعودية الإماراتية مفتوحة. وبالتالي، ترى الرياض أن العلاقات المحسّنة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، لا سيما عُمان وقطر، تبشر بالخير للمصالح السعودية في الوقت الذي تتباعد فيه المصالح السعودية والإماراتية.

حرب اليمن

ويعد الصراع في اليمن، الذي تريد السعودية بشدة أن تخرج منه، مفتاح رغبة الرياض في تعزيز العلاقات مع مسقط والتغلب على احتكاكات الأعوام السابقة. وناقش السلطان "هيثم" والقيادة السعودية الحرب في اليمن خلال زيارته.

بالإضافة إلى ذلك، في 9 يونيو/حزيران، زار كبير الدبلوماسيين في مسقط "بدر بن حمد البوسعيدي" العاصمة السعودية حيث ناقش هو ونظيره السعودي اليمن وقضايا إقليمية أخرى. وبعد أسبوع، استأنف وزيرا الخارجية مناقشتهما على هامش اجتماع المجلس الوزاري للدورة 148 لمجلس التعاون الخليجي.

ومع استمرار المتمردين الحوثيين في ضرب السعودية بأسلحة متطورة تقنيا بشكل متزايد، والتي تشكل تهديدا خطيرا لأمن المملكة واقتصادها، ترى الرياض أن مسقط جسر دبلوماسي مفيد مع الحوثيين. وبينما في وقت سابق من هذا الصراع كان حياد عُمان في اليمن مصدر إزعاج للسعودية والدول العربية الأخرى في التحالف المناهض للحوثيين، ترى الرياض الآن أن طريق السلام في اليمن يمر عبر عُمان.

وبالرغم من أن مسقط لا تستطيع حل حرب اليمن بسرعة أو بطريقة سحرية بمفردها، فقد أثبتت السلطنة أنها الدولة الخليجية الوحيدة القادرة على لعب دور جسر مثمر بين الحوثيين وإيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي والدول الغربية من جهة أخرى.

ومن المؤكد أن العمانيين لا يتصرفون كمحاورين بين الرياض والحوثيين لمساعدة السعودية على الخروج من هذا المستنقع الدموي بشعور من الأمن والكرامة فقط. ويشكل استمرار الأزمة اليمنية أخطر تهديد للأمن القومي العماني أيضا، لا سيما بالنظر إلى الوضع المعقد الذي يتجلى منذ أعوام في المهرة. لذلك، فإن التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن يمكن أن تؤدي إلى تفاهم عماني سعودي جديد تجاه شرق اليمن يبشر بالخير لمصالح مسقط في رؤية انتهاء الصراعات المتعددة والمتقاطعة في اليمن. على حد تعبير "مارك فاليري" من جامعة "إكستر"، "السياسة الخارجية العمانية في الأساس تعمل في خدمة الاستقرار السياسي العماني، والاستقرار السياسي العماني يحتاج إلى الاستقرار الإقليمي".

موقف عمان الاقتصادي الصعب

وتساهم التحديات الاقتصادية التي تواجه عُمان في ترسيخ علاقة أفضل بين مسقط والرياض. ويعاني اقتصاد السلطنة من الضربة المزدوجة لـ"كوفيد-19" وانخفاض أسعار النفط، وهو في مأزق خطير.

وتتمتع عُمان بنسبة عالية من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث قفزت من 15% في عام 2014 إلى 80% في عام 2020. وقد أدرك المسؤولون في مسقط منذ فترة طويلة أن بطالة الشباب هي أخطر تحد داخلي طويل الأجل للبلاد.

واليوم يقف هذا الرقم فوق 10%. ومن المفهوم أن العديد من الشباب العُماني متشائمون بشأن مستقبلهم الاقتصادي، كما أبرزته الاحتجاجات في عبري ونزوى وصلالة وصحار وصور والرستاق في مايو/أيار. وعلى خلفية تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وهي عامل رئيسي وراء الاحتجاجات، قد يتعرض العقد الاجتماعي للبلد لضغوط في الأشهر والأعوام المقبلة.

ويمكن للجوء إلى أكبر اقتصاد في مجلس التعاون الخليجي للحصول على مساعدات مالية واستثمارات أكبر أن يساعد عُمان في مواجهة تحدياتها الاقتصادية. ولا تريد الرياض، من جانبها، أن ترى عدم استقرار في عُمان أو أي دولة خليجية أخرى. وبالتالي، فإن للسعوديين أسبابهم الخاصة لمساعدة السلطنة وسط هذه الفترة الاقتصادية الصعبة.

الطريق إلى الأمام

وبالرغم من أن السعودية وعُمان نوعان مختلفان للغاية من الأنظمة الملكية العربية، إلا أن البلدين يواجهان العديد من نفس المشاكل من حيث الحاجة لتحقيق التنويع الاقتصادي قبل نفاد النفط. ومع الاقتصادات التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الموارد الهيدروكربونية، تدرك القيادة في كل من الرياض ومسقط كيف أن بناء قطاعات خاصة نشطة واقتصادات قائمة على المعرفة أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في جميع أنحاء مجلس التعاون الخليجي.

ونظرا لأن العمانيين يؤمنون منذ فترة طويلة بوجود مجلس تعاون خليجي قوي قادر على تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، يرحب المسؤولون في مسقط بالفرص المتاحة لجذب المزيد من الاستثمارات من السعودية وتعزيز التجارة الثنائية. وسيساعد التكامل الاقتصادي الأكبر مع السعودية عُمان على الاستفادة من موقعها الجغرافي في الركن الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية فيما يتعلق بتنمية قطاعات الخدمات اللوجستية والموانئ والبنية التحتية في السلطنة في وقت تحتاج فيه عُمان بشدة إلى تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية.