دول » دول مجلس التعاون

"كورونا وحملات مقاطعة".. كيف تأثرت تجارة فرنسا مع الخليج؟

في 2021/07/02

الخليج أونلاين-

واجه الاقتصاد الفرنسي أزمات متلاحقة في عامي 2020 و2021، في ظل تفشي أزمة وباء فيروس كورونا المستجد الذي أثرت سلباً على الاقتصاد العالمي برمته، بالإضافة إلى دعوات وحملات المقاطعة الشعبية للبضائع الفرنسية رداً على الإساءات الفرنسية للدين الإسلامي وللنبي ﷺ.

وتعتبر فرنسا شريكاً تجارياً بارزاً لمنطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً الخليج العربي، حيث تورد الشركات الفرنسية العديد من المنتجات إلى الأسواق الخليجية، وتحصل بالمقابل على النفط والطاقة.

وبعد أكثر من عام ونصف على انتشار وباء كورونا، ونحو 8 أشهر على بدء حملات المقاطعة للبضائع الفرنسية، تعيش التجارة الفرنسية حالة غير مسبوقة من التراجع.

أزمة كورونا

صحيح أن أزمة كورونا عالمية ولا تقتصر على الاقتصاد الفرنسي فقط، حيث أثّرت على دول الخليج أيضاً، خصوصاً مع انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية مصحوباً بقلة الطلب عليه، بالإضافة إلى التدابير الوقائية التي رافقها إغلاق اقتصادي جزئي وكلي استمر عدة أشهر متقطعة، مع تراجع الرحلات الجوية لأدنى مستوياتها.

هذا الوضع انعكس سلباً على العلاقات التجارية بين فرنسا ودول الخليج، كما يكشف تقرير لمجلة "LE MOCI" الاقتصادية، حيث تراجع حجم الصادرات الفرنسية إلى دول الخليج بمقدار 7.14 مليارات دولار خلال عام 2020 فقط.

ورغم أن المجلة الفرنسية أكّدت أن التراجع التجاري تعود مسبباته لأزمة وباء كورونا الذي يضرب العالم، دون أن تكشف عن حجم الصادرات الفرنسية الحقيقية للمنطقة، ولا تداعيات حملات المقاطعة التي استهدفتها خلال الشهور الماضية.

وبينت المجلة أن الشركات الفرنسية هجرت منطقة الخليج خلال الفترة الأخيرة، وأن الأزمة الصحية عززت هذا التوجه.

وأوضح رئيس غرفة التجارة الفرنسية العربية فانسان رينا، أن عدداً قليلاً من الشركات الفرنسية مطلع على فرص الاستثمار في دول الخليج، وقلة أيضاً من هذه الشركات بادرت بالاستثمار.

وقال رينا: "لقد انخفضت صادراتنا بـ 6 مليارات يورو في 2020، ولا يزال هذا الاتجاه مقلقاً بالنسبة لـ 2021".

وشدد على ضرورة تصحيح هذا الوضع قبل أن تخسر الشركات الفرنسية حصتها من السوق الخليجية لمصلحة شركات آسيوية.

وتعد فرص الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي الست كثيرة؛ بسبب انفتاح القطاعات الاقتصادية على الاستثمار وعلى رؤوس المال الأجنبية، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة والسياحة والتكنولوجيات الجديدة والمدن الذكية وشبكات توزيع المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى الصحة والعقار والبنى التحتية الخاصة بالطرقات، وهو ما قد تخسره الشركات الفرنسية الكبرى.

وقبل حملات المقاطعة الفرنسية وأزمة كورونا، تمكنت الشركات الفرنسية من الفوز بعقود كبرى في دول الخليج، حيث تعكف شركة "توتال" الفرنسية (إحدى أكبر شركات النفط بالعالم) على بناء أول محطة للطاقة الشمسية في قطر، فيما تشغّل مجموعة "كيوليس" ميترو دبي، وتسيّر شركة "سور" شبكات توزيع المياه وتصريفها في ثلاث مدن سعودية، بالإضافة إلى وكالات السيارات وأسواق التجزئة التجارية (كارفور) وغيرها.

كما شهد عام 2020 تراجعاً ملحوظاً في قطاع الأسلحة الذي يعتبر من أكبر الصادرات إلى منطقة الخليج وأهمها، خصوصاً "الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، التي تندرج في قائمة الشركاء الخمسة الكبار لفرنسا بالميدان الدفاعي".

وأوضح تقرير صادر عن وزارة الدفاع الفرنسية، في فبراير 2021، أن نسبة التراجع في صادرات الأسلحة وصلت إلى 41% في 2020؛ بسبب جائحة كورونا، وعدم إبرام عقود كبيرة تتجاوز قيمتها الـ 500 مليون يورو (594.32 مليون دولار).

آثار المقاطعة

ورغم مرور أكثر من 8 أشهر على بدء دعوات المقاطعة للبضائع والمنتجات الفرنسية فإنها لم تكن عابرة أو مجرد رد فعل سريع على إساءة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتكررة بحق المسلمين، رغم محاولته هو وحكومته لملمة الموضوع عبر الاعتذارات والتوضيح، إلا أن تلك الحملات أخذت طابعاً روتينياً للكثير من الشعوب العربية والمسلمة، وخاصة في منطقة الخليج.

وتشير أرقام صادرة عن منظمة التجارة العالمية إلى تراجع الصادرات الفرنسية إلى دول الخليج بعد المقاطعة بنسبة تصل إلى 50% في بعض الدول.

وتحتل السعودية المرتبة الأولى من حيث التبادل التجاري مع فرنسا بـ27 مليار دولار، تليها الإمارات بـ12 ملياراً، ثم الكويت بـ9 مليارات دولار، وقطر بـ7 مليارات دولار، وفق إحصائيات رسمية.

وتراجعت هذه الصادرات في دولة قطر خلال 2020 إلى 1.73 مليار دولار، مقارنة بـ4.29 مليارات في 2019. كما تراجعت صادرات باريس للسعودية من 3.43 مليارات دولار في 2019 إلى 2.64 مليار.

وفي الإمارات تراجعت واردات البلاد من المنتجات الفرنسية إلى 3.61 مليارات دولار خلال 2020، مقارنة بـ3.64 مليارات دولار في 2019.

كما تراجعت صادرات فرنسا إلى سلطنة عمان إلى 294 مليون دولار في 2020، مقارنة بـ475 مليوناً في 2019. وفي البحرين تراجعت الواردات من فرنسا إلى 142 مليون دولار خلال 2020 مقارنة بـ471 مليوناً في 2019.

قفغ

وبالعودة إلى مواقع التواصل الاجتماعي في منطقة الخليج، حيث انطلقت حملات المقاطعة للبضائع الفرنسية، نجد أن الحملة ما زالت مستمرة بقوة، وتتجدد عبر الوسوم المطالبة باستمرارها.

وقال محمد ضاهر العريفي في تغريدة له بموقع "تويتر": "إياكم أن يتسرب الملل إلى قلوبكم، أو يغشى اليأس أرواحكم، فبفضل الله أصبحت منهج حياة عند ملايين المسلمين، حتى ولو ضعفت مشاركتهم في هذا الوسم! مستمرون بإذن الله من باب التأكيد والتذكير والتثبيت، وإيصال رسائلنا لفرنسا أن معركتنا طويلة ولن تتوقف".

فيما علق عبد العزيز النعيم مبيناً أن "المقاطعة ليست مجرد هاشتاغ عابر، بل واقع ملتزمون به وواجب نؤديه معذرة إلى الله عن الإساءة التي لحقت بنبينا محمد ﷺ".

من جانبه دعا وسام العامري إلى تجديد النية في مقاطعة المنتجات الفرنسية، مطالباً بدعم المنتجات التركية بدلاً عنها.

آثار كبيرة

وقال الباحث في الشؤون الأوروبية نبيل بنسالم، إن حملة المقاطعة تزامنت مع واحدة من أسوأ أزمات الاقتصاد الفرنسي المرتبط بالاقتصاد العالمي بعد وباء كورونا وتداعياته، ما جعل آثارها أكبر من المتوقع.

وأضاف بنسالم في حديث مع "الخليج أونلاين": إن "حقبة ماكرون هي الأسوأ سياسياً واقتصادياً على الداخل الفرنسي، حيث تراجع الدور الفرنسي دولياً في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة لخلافات فرنسا مع تركيا، عبر سلسلة من الخطابات الاستفزازية الشعبوية الخالية من الدبلوماسية".

ولفت إلى أن "شعبية ماكرون في الداخل الفرنسي متدنية وفي تراجع، مع خسارته في انتخابات مجالس المناطق والأقاليم، ولم تكن الصفعة التي أكلها قبل مدة إلا دليلاً على حالة النفور التي يعيشها الشعب من أدائه، خصوصاً من ناحية الاقتصاد؛ لا سيما أن حركة السترات الصفراء العمالية تأسست في عهده لتطالب بتحسين الأوضاع المعيشية إلى درجة المطالبة برحيله".

ونوه الباحث السياسي بأنه "لأول مرة نجد حملة مقاطعة تستمر 8 أشهر، وأتوقع أنها مستمرة في المرحلة المقبلة أيضاً؛ لأن مواقع التواصل الاجتماعي تواكب التطورات وقادرة على الحشد أكثر من أي وسيلة أخرى".

ويعتقد الباحث أن "الاقتصاد الفرنسي قوي وله أدواته بسبب علاقات فرنسا، ولكنه في طريقه نحو المزيد من الخسائر، حيث إننا نتحدث عن خسائر بالمليارات، وإحجام الشركات عن الاستثمار في المنطقة الخليجية والعربية أيضاً".

وأكّد أن "مثل هذه الحملات الشعبية أثبتت جدواها في دعم المنتجات الوطنية ما قد يوسع الصناعة المحلية، كما يساعد بالبحث عن البدائل من الدول الصديقة والصاعدة والمسالمة والتي لا تدخل في خطابات شعبوية".