سياسة وأمن » تصريحات

دبلوماسية النفط اليابانية في الخليج.. فكرة قديمة بمنهجية جديدة

في 2021/04/18

نيرانايابا جانارذان/معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد-

عندما أطلقت طهران صواريخ على قواعد عراقية تستضيف القوات الأمريكية، ردا على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني اللواء "قاسم سليماني" في يناير/كانون الثاني 2020، تكهن البعض بإلغاء جولة رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" في الشرق الأوسط. ولكن لم تتأخر رحلة "آبي" كثيرا؛ حيث تم استئنافها بعد أيام فقط من بدء التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تركت المنطقة في حالة قلق شديد.

وكان التواصل الدبلوماسي الاستباقي مع السعودية والإمارات وسلطنة عمان مدفوعا بمصلحة اليابان الذاتية في ضمان أمن الطاقة وموقعها الفريد كشريك للولايات المتحدة وإيران ودول الخليج العربية. وبدلا من مناقشة الشراكات الاقتصادية فقط، ركزت أجندة "آبي" على تهدئة التوترات الإقليمية وحشد دعم قادة دول الخليج العربي لخطة اليابان لإرسال وحدات قوات الدفاع الذاتي البحرية لتعزيز الأمن البحري في الخليج.

ولم تنضم اليابان إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية الممرات المائية في الخليج. وبدلا من ذلك، اختارت طوكيو مهمة بحرية "مستقلة" تجنبت مضيق هرمز، وبالتالي عززت موقفها السياسي المحايد على جانبي الخليج.

وقبل 6 أشهر فقط من ذلك، تعرضت زيارة "آبي" إلى طهران (وهي الأولى لرئيس وزراء ياباني منذ أكثر من أربعة عقود) بصفته وسيطا في الصراع الأمريكي الإيراني، لانتكاسة مع استهداف طائرة بدون طيار لسفينة تجارية يابانية بينما كانت زيارة رئيس الوزراء جارية.

ومع ذلك، فقد تم النظر إلى هذا الجهد على أنه تطور جديد لليابان على المسرح العالمي، حيث تلعب دور "الوسيط النزيه" وهو دور لم تلعبه في الماضي.

أمن الطاقة

وتنبع هذه الاستثمارات الدبلوماسية والأمنية من مخاوف اليابان المتعلقة بأمن الطاقة. وبعد كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، تغيرت سياسة الطاقة في اليابان بشكل ملحوظ، وعادت إلى الوقود الأحفوري، ما زاد من اعتمادها على دول الخليج العربية.

وفي يناير/كانون الثاني، استوردت اليابان 90% من احتياجاتها من النفط الخام من دول الخليج العربية (46% من السعودية، و30% من الإمارات، و8% من قطر، و6% من الكويت) كما قدمت إيران 5% من احتياجاتها قبل العقوبات الأمريكية الصارمة.

ووقعت الإمارات واليابان اتفاقية التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة عام 2020، لتمديد اتفاقية سابقة، بما يسمح لليابان بتخزين 8 ملايين برميل من الخام الإماراتي، وبالتالي زيادة سعة التخزين في حالات الطوارئ في الدولة الواقعة في شرق آسيا. ولدى اليابان ترتيب مماثل مع السعودية.

وتعد المنطقة أيضا موردا مهما للغاز الطبيعي المسال إلى اليابان. وحصلت المجموعة الهندسية اليابانية "تشيودا" على عقد بقيمة 13 مليار دولار في فبراير/شباط لتطوير مصانع الغاز الطبيعي المسال في قطر، بما في ذلك مرافق صديقة للبيئة لاستقبال وتخزين الكربون. ومن المتوقع أن يكتمل المشروع بين عامي 2025 و2027.

وتماشيا مع التحول نحو الطاقة النظيفة، استوردت اليابان الشحنة الأولى من الأمونيا الزرقاء لتوليد الطاقة من السعودية في سبتمبر/أيلول 2020. وفي يناير/كانون الثاني، أبرمت اليابان أول صفقة تعاون مع شركة بترول أبوظبي الوطنية. وفي مارس/آذار، وقعت أكبر شركة تكرير يابانية، "إينيوس"، اتفاقية مع شركة أرامكو السعودية لتطوير سلسلة توريد (خالية من الكربون) للهيدروجين والأمونيا لمساعدة اليابان في دفع إنتاج الهيدروجين واستخدامه في قطاع النقل.

وأصدرت "أدنوك" الإماراتية بيانا قالت فيه: "اليابان هي أكبر مستورد دولي لمنتجاتنا من النفط والغاز، ونحن نواصل الترحيب بالشركاء اليابانيين الحاليين والجدد لاستكشاف فرص الاستثمار والنمو المربح للجانبين عبر أدنوك وفي الإمارات بالكامل، في حين نركز على التعافي بعد كوفيد".

وما يزال قطاع الطاقة مساهما رئيسيا في التبادل التجاري بين اليابان ودول الخليج العربية، والذي ارتفعت قيمته من 22.8 مليار دولار في عام 2000 إلى 65.4 مليار دولار في عام 2018. وفي حين تستهدف اليابان إنعاش اقتصادها، تعمل دول الخليج العربية على تعزيز برامج التنويع الاقتصادي لتقليل اعتمادها على عائدات النفط.

آفاق الدبلوماسية الاقتصادية

وتحت راية الدبلوماسية الاقتصادية، توسعت العلاقة لتشمل التعاون في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والتعليم والسياحة والأمن. كما أن هناك محاولات لجلب قطاعات مثل الروبوتات المتقدمة والذكاء الاصطناعي إلى هذا المزيج.

وحددت اليابان مجالات جديدة للتعاون كجزء من الشراكة الشاملة في القرن الحادي والعشرين. ويشمل ذلك الرؤية السعودية اليابانية لعام 2030، التي تم إطلاقها عام 2017 كـ "بوصلة لشراكة استراتيجية جديدة" لدعم أهداف التنويع في المملكة، ومبادرة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات واليابان والموقعة في عام 2018.

وفي عام 2017، أسفرت الزيارة الأولى لملك سعودي إلى اليابان منذ ما يقرب من 50 عاما، عن توقيع العديد من الاتفاقيات الموجهة نحو تطوير التعاون في 3 مجالات للخبرة اليابانية، التنوع (النمو المستدام)، والابتكار (التكنولوجيا)، والقيم الناعمة (المجتمع والثقافة).

وفي تطور احتل عناوين الصحف العالمية، أطلقت مجموعة "سوفت بنك" اليابانية صندوق "رؤية" بقيمة 100 مليار دولار مع صندوق الاستثمارات العامة في السعودية. وبالرغم أن الصندوق سجل خسارة فادحة في عام 2020، إلا أنه يمثل نموذجا للاستثمارات التي تحركها التكنولوجيا في المستقبل.

كما ظهر التعاون بين طوكيو وأبوظبي بشأن استكشاف الفضاء. وتم إطلاق أول قمر اصطناعي محلي الصنع في الإمارات عام 2018 من مركز "تانيجاشيما" للفضاء في اليابان. علاوة على ذلك، تم إطلاق المركبة الفضائية الإماراتية "بعثة الأمل" إلى المريخ أيضا من نفس الموقع عام 2020، باستخدام صاروخ ياباني صنعته شركة "ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة".

ولتعزيز الروابط الثقافية، تم تعيين الممثل والمغني الياباني "هيدياكي تاكيزاوا" كأول سفير نوايا حسنة بين اليابان والإمارات عام 2017. ويدرس الطلاب الإماراتيون المناهج اليابانية في مدرستين بأبوظبي ودبي.

كما تم تنفيذ برنامج الإعفاء المتبادل من التأشيرة بين الإمارات واليابان عام 2017؛ للترويج لقطاعي السفر والسياحة في كلا البلدين. وقد تجاوز عدد السياح اليابانيين إلى دبي حاجز 100 ألف للمرة الأولى في 2018.

وتشجع اليابان أيضا تبادل المعرفة حول الأمن الغذائي، حيث تستهدف شركات تصنيع المواد الغذائية اليابانية إنتاج الأغذية الحلال للتصدير إلى دول الخليج. وفي عام 2016، أطلقت مؤسسة الخليج للاستثمار (مقرها الكويت) بالتعاون مع بنك "ميزوهو" الياباني وبنك "نورنشوكين"، صندوق الخليج الياباني للغذاء لدعم الصناعات الغذائية والزراعية اليابانية في دول الخليج العربية وتعزيز خطط الأمن الغذائي. وكذلك كان صندوق الاحتياطي العام للدولة العمانية جزءا من هذا التعاون.

وبالرغم من استمرار الاعتماد المتبادل بين اليابان ودول الخليج على النفط لعقود قادمة، فإن المشاركة في القطاعات غير النفطية تتزايد بسبب التركيز على التنويع الاقتصادي، وكذلك التحول إلى الأعمال التجارية القائمة على التكنولوجيا خلال جائحة كورونا.

ومع استعداد اليابان للعب أدوار دبلوماسية وأمنية في المنطقة، فإن العلاقات الخليجية اليابانية تمثل إضافة إلى سياسة "النظر إلى الشرق" في الخليج.