ملفات » العلاقات السعودية الاسرائيلية

هل كشف نتنياهو اللقاء الثلاثي بضوء أخضر من بن سلمان؟

في 2020/11/27

من الصحافة العبرية-

كثير من الهدايا تزين مكتب رئيس الموساد يوسي كوهن، ومُنحت له إثر عمليات تقشعر لها الأبدان، مثل تعاونات الصمت، ولقاءات خفية في عواصم لا تعترف بإسرائيل. فثمة سيف جميل، وعلبة مزينة مع السيجار من أفخر الأنواع في العالم، وعنصر واضح جداً من الأرشيف النووي الإيراني، وغيرها.

هذه الهدايا تكشف الواقع الذي يكتشفه مواطنو إسرائيل منذ الصيف الأخير. إن عالم رئيس الموساد هذا يكشف أن إسرائيل ليست دولة صغيرة يهددها بحر من العرب الغريب والمعادي. وعلى النقيض التام مما درجنا عليه، من مكتبه ومن مكتب زعيمه رئيس الوزراء نتنياهو، فإن إسرائيل قوة إقليمية عظمى تتجمع حولها دول عربية كي يتصدوا معاً لتحديات مشتركة. ومن أجل التجمع، هناك حاجة إلى اللقاء. وعندما يلتقون للحديث عما ينبغي، يتبادلون الهدايا التذكارية.

ابتداء من منتصف الأسبوع المقبل، عندما تنطلق الرحلات الجوية من مطار بن غوريون إلى دبي مباشرة ستمتلئ بيوت الإسرائيليين العاديين بأغراض من الإمارات والبحرين، على عكس السعودية؛ فالقوة السنية العظمى الكبرى تعد قصة أخرى. لكوهن ونتنياهو الكثير من الذكريات والهدايا التذكارية من المملكة الجنوبية، وليس فقط من اللقاء الذي عقد هناك يوم الأحد، ولكن سيمر وقت إلى أن يجري باقي مواطني إسرائيل قفزة قصيرة إلى الرياض.

إن أهمية اللقاء بين نتنياهو ورجاله المقربين، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، لم تكن بمجرد انعقاده. فاللقاءات بين ممثلين إسرائيليين ونظرائهم السعوديين، بما في ذلك على مستوى رئيس الوزراء، تجرى منذ سنين. لقد كانت أهمية اللقاء في نشره. كل المؤشرات تدل على أن الطرفين أرادا تسريب القصة، فحتى اليوم لم يكن صعباً عليهما إخفاء المحادثات بينهما.

رحلة جوية مباشرة، دون الاختباء

“ليس هذا هو اللقاء الأول ولا الثاني أيضاً لرئيس الوزراء مع ولي العهد السعودية. كانت حالات اختفى فيها نتنياهو لـ 24 ساعة، ولو كان يريد ذلك لما انتبه أحد”، قال لـ”إسرائيل الأسبوع” مستشار سابق لرئيس الوزراء نتنياهو. أما هذه المرة، فقد تكبد أحد ما عناء البقاء في الميدان، وكأنه أراد أن تكتشف.

وجاء التلميح الأول قبل 24 ساعة من اللقاء؛ فالناطقة بلسان رئيس الوزراء شير كوهن، عرفت يوم السبت بأن جلسة “كابينت كورونا” المقررة ليوم الأحد في الساعة الخامسة ستتأجل إلى الإثنين، كي يتمكن الوزيران الكين ويزهار من إكمال عملهما في موضوع الوسائل الرقمية لتعقب حاملي كورونا، بما في ذلك الجوانب القانونية المتعلقة بالموضوع”.

لقد كان هذا سبباً غريباً جداً؛ إذ إن كل من يتابع جدول نتنياهو الزمني، معتاد على تأجيل الجلسات والتأخيرات عديمة التفسير. كما أن الوزيرين، الكين وشاي، لم يطلبا التأجيل ولم يحتاجا إلى أي استكمالات. أما الإشارة الثانية والاستثنائية فكانت الكشف عن مسار الطيران من مطار بن غوريون مباشرة إلى مدينة المستقبل السعوديون نيوم بعد خليج إيلات. وكل هاوٍ للطيران في العالم يعرف مواقع الإنترنت التي تتابع الطيران المدني. والمعني بالتنويه يمكنه أن يتخذ مناورات التملص. فقد كان ممكناً مثلاً الهبوط لوقت قصير في شرم الشيخ، مثلما جرى في الماضي غير مرة، وثمة حيل أخرى.

هنا قرر مع ذلك من قرر، الطيران مباشرة، في ساعات ما بعد الظهر، من إسرائيل إلى السعودية، وكأنه يقول: “هيا اكشفوني”. الرقابة العسكرية التي شطبت في الماضي أنباء نقلت إليها عن لقاءات نتنياهو مع ولي العهد سمحت بالنشر. ولم يستخدم نتنياهو الأدوات التي تحت تصرفه كي يبقي اللقاء سرياً. يمكن التقدير بأنه فعل ذلك بإذن وبصلاحيات شركائه في اللقاء، بن سلمان وبومبيو.

بشكل طبيعي، من بين القادة الثلاثة الذين شاركوا في الحديث، يعد بن سلمان هو الأكثر حساسية تجاه الكشف. من جهة، ولي العهد السعودي هو اللاعب الأساس والروح الحية خلف مسيرة التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل. ولو لم يؤيد ذلك، لما كانت الإمارات والبحرين ستعترفان بإسرائيل، وهذه هي الرسائل التي سمعها منه رئيس الموساد في اللقاءات بينهما. من جهة أخرى، يدير بن سلمان المملكة العربية والتي هي الأهم، والأغنى، والأكثر تديناً، والأكثر انغلاقاً، وعليه أن يكون حذراً.

ليست السعودية مثل الإمارات والبحرين اللتين اجتازتا قبل سنين سياقات الانفتاح على العالم الغربي؛ فالسعوديون بعيدون عن ذلك. تبني دبي مركزاً عالمياً متعدد الأديان، يضم مسجداً، وكنيسة، وكنيساً، فاخراً ومتماثلاً في حجمه وجماله. أما في السعودية بالمقابل، فلا توجد جالية يهودية أو كنيس. ولا يدخل مكة والمدينة من هم ليسوا مسلمين– هكذا تبين اليافطات على الطرق، حتى دون خجل.

بن سلمان، بن 35 فقط، يفهم أنه يجب فتح مملكته للعالم، وهو يتصدر رؤيا السعودية 2030، والتي تتضمن تطوير فروع السياحة والاستثمارات الأجنبية، وهي سياقات حصلت منذ زمن بعيد في الإمارات والبحرين، انطلاقاً من فهمهم بعدم الاعتماد على النفط إلى الأبد. يفهم بن سلمان بأنه لن يكون ممكناً تسويق السعودية للعالم كمملكة استثمارات أجنبية، وهي تحظر السياقة على النساء، وتقاطع إسرائيل.

      مصلحة أمنية مشتركة

يعرف بن سلمان إلى أين يسعى، ولكن أباه، الملك سلمان، لا يزال حياً ونشطاً وليس ناضجاً لخطوات على هذا القدر من التطرف الظاهر، كالاعتراف بإسرائيل. وإذا كان هكذا الملك، فما بالك بذوي النفوذ الآخرين. صحيح أنها مملكة وليست ديمقراطية، ولكن فيها توازنات وكوابح وقوى متعارضة. بن سلمان ليس حراً في السير حتى النهاية دون حساب، وموافقته على كشف اللقاء يوم الأحد كانت على ما يبدو بالون اختبار.

يبدو أننا وصلنا إلى الحد الأقصى مع السعودية في الجانب السياسي، دون الجانب الأمني الذي كرس له -على ما يبدو- قسم من اللقاء. مشاركة العميد آفي بلوط، السكرتير العسكري المقدر لنتنياهو، في اللقاء يدل على أنهم تحدثوا عن تهديدات وردود. كما أن هذه مواضيع حديث كوهن ورجاله، وضباط الجيش الإسرائيلي منذ سنين مع السعوديين.

من يهدد السعوديين يهدد إسرائيل أيضاً- إيران. وفي اليوم ذاته ضرب الحوثييون منشأة نفط بصاروخ أطلق من اليمن. وفي هذه اللقاءات يتحدثون منذ سنين عن هذه التهديدات والرد عليها. العدوان الإيراني هو المحفز الأكبر الذي يدفع الدول العربية إلى أذرع إسرائيل.

في الشهر التالي، يخطط نتنياهو للخروج في زيارة تاريخية إلى البحرين والإمارات. في السطر الأخير، ما حصل لسنوات مع الإمارات من تحت الرادار، ومنذ اتفاقات إبراهيم يخرج إلى النور، يجري الآن مع السعوديين، ولكن علاقات إسرائيل – السعودية في هذه المرحلة على الأقل، ستبقى في الظل.