دول » دول مجلس التعاون

تطبيع جديد في الخليج.. خطة إنقاذ ترامب تسير بخُطا ثابتة

في 2020/09/13

الخليج أونلاين- 

يواصل التحالف الخليجي الموالي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ خطة إنقاذه من السقوط في الانتخابات المرتقبة عبر إعلان تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، على نحو يبدو أقرب للدعاية الانتخابية منه إلى القرارات السياسية.

وقبل مرور شهر على إعلان البيت الأبيض توصل ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لاتفاق على تطبيع العلاقات برعاية أمريكية، خرج ترامب، الجمعة (11 سبتمبر)، معلناً انضمام البحرين إلى الاتفاق المزمع توقيعه، منتصف الشهر الجاري، في العاصمة الأمريكية واشنطن.

وبينما نددت الفصائل الفلسطينية بانضمام المنامة لاتفاق التطبيع واعتبرته خيانة لقضية فلسطين وطعنة أخرى في ظهرها، خرج نتنياهو شاكراً الرئيس الأمريكي على جهوده المستمرة وعمله الدؤوب الذي قام به في الكواليس، مؤكداً أن "الحبل على الجرار".

ومنذ انطلاق قطار التطبيع الخليجي من محطة الإمارات، في أغسطس الماضي، أكد ترامب ومسؤولو إدارته مراراً أن دولاً عربية وإسلامية وخليجية ستلحق بالاتفاق الإماراتي، في حين أكدت تقارير صحفية غربية وعبرية أن جاريد كوشنر، مستشار وطهر ترامب، يمارس ضغوطاً كبيرة على الرياض لإعلان التطبيع قبل الانتخابات الأمريكية.

ويواجه ترامب منافسة شديدة في انتخابات رئاسية غير مسبوقة سيخوضها، في نوفمبر المقبل، وهو محاط بجبل من المشكلات الداخلية والخارجية التي يسعى لتبديدها عبر تحقيق انتصارات في منطقة الخليج، تدفع اليهود الأمريكيين للتصويت له.

ففي الداخل تتعالى مشاكل الرئيس الأمريكي المتهم بالعنصرية ضد السود، وبالفشل في التعامل مع جائحة كورونا التي تقف أمريكا على رأس المضروبين بها عالمياً بأكثر من 6 ملايين و395 ألفاً و603 حالات، فضلاً عن 191 ألفاً و727 حالة، وفقاً لأحدث إحصاء مستقل لجامعة "جونز هوبكنز".

وخارجياً يمضي ترامب نحو الانتخابات محاطاً بمشكلات وحرب تجارية كبيرة مع الصين، وخلافات تقترب من الانفجار مع إيران، فضلاً عن انتقادات حادة لسلوكه المتعلق بمبيعات السلاح للسعودية والإمارات، المتهمتين بارتكاب جرائم حرب في اليمن.

وفي ظل هذه الظروف غير المواتية لرجل تشير تسريبات كثيرة إلى أنه لا يرغب في مغادرة البيت الأبيض لسنوات كثيرة قادمة، انفجرت ما يمكن وصفها بماسورة التطبيع لتمنح الرجل شيئاً من البريق المفتقد، وتمنحه مكاسب قد تدفع بمؤشره نحو الإغلاق رابحاً في بورصة الانتخابات المقبلة.

تحالف منذ اليوم الأول

منذ وصوله إلى الحكم مطلع العام 2017، بدا ترامب، القادم من ساحة التجارة إلى ساحة السياسة، متماهياً مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ومع وليي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والسعودي محمد بن سلمان، من جهة أخرى.

وبينما كان التاجر الأمريكي يحيل كل القضايا، مهما كانت خطيرة، إلى صفقات، كان هناك في الرياض وأبوظبي من يتعمد إظهار جيبه المنتفخ لإنهاء كل القضايا وفق قانون المصالح الخاصة الذي يؤمن به الأمريكي وينتهجه في إدارته لكل الملفات، وكان هناك أيضاً في "إسرائيل" من يقوم بدور الوسيط بين هذا وذاك بحثاً عن عمولة لطالما حلم بتحصيلها.

لقد ساعد ترامب نتنياهو في البقاء على قيد الحياة سياسياً عندما اعترف بالقدس المحلتة عاصمة لدولة الاحتلال عام 2018، ثم ساعد ولي عهد السعودية في تثبيت مشروعه القائم بالأساس على جثث خصومه السياسيين، وغضّ الطرف عن مشروع ولي عهد الإمارات القائم على تمزيق الدول وتغذية حروبها الأهلية لنهب ثراوتها وسيادتها، في آن معاً.

وبعدما تمكن ساكن البيت الأبيض من إنقاذ نتنياهو المحاط بتهم الفساد، وإنقاذ بن سلمان المحاط بتهم القتل، وبن زايد المحاط بتهم السرقة وخرق القرارات الدولية، جاء الدور على الجميع لإنقاذ الرجل المحاط بتهم الفشل.

 

فمنذ إعلان الاتفاق الإماراتي "الإسرائيلي"، في 13 أغسطس، بدت عملية تعويم التطبيع في الدول العربية والإسلامية في هذا التوقيت جزءاً أصيلاً من حملة يقودها ترامب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أسهمه المتهاوية داخلياً؛ خاصة أنه كرر مراراً أن دولاً عربية وإسلامية وخليجية ستنضم إلى قطار التطبيع.

وبعد ثلاثة أسابيع من إعلانه اتفاق الإمارات خرج الرئيس الأمريكي، في الرابع من سبتمبر الجاري، معلناً اتفاقاً جديداً للتطبيع بين كوسوفو ذات الأغلبية المسلمة و"إسرائيل"، ثم خرج بعد خمسة أيام فقط معلناً تطبيعاً جديداً مع البحرين.

ويوم الخميس (10 سبتمبر)، أعلن ترامب أنه بدأ حواراً مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، من أجل السلام مع "إسرائيل"، وقال في كلمة للصحفيين: "يمكن الحصول على سلام بالشرق الأوسط، وبدأت حواراً مع ملك السعودية، وسترونهم ينضمون".

وفيما يواصل المحور السعودي الإماراتي شيطنة دولة قطر ومحاربة تركيا في كل الساحات، فإن المحور نفسه، وبدعم من ترامب، يواصل محاولات دمج الدولة العبرية في الجسد العربي الإسلامي؛ عبر تصويرها بالحليف الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة المخاطر الكبيرة المحدقة بالمنطقة بسبب إيران من جهة و"الإسلام السياسي"، ولا سيما الإخوان المسملين، من جهة أخرى.

لقد كان الرئيس الأمريكي واضحاً منذ البداية عندما قال إنه سيواجه خطر "الإرهاب الإسلامي"، وكان حلفاؤه في المنطقة واضحين أيضاً؛ فقد شنوا حرباً لا هوادة فيها على كل التيارات الإسلامية، حتى التي وصلت إلى الحكم عبر انتخابات حرة، كما حدث في مصر.

تحالف "صهيوعربي"

وعندما عرض ترامب بداية حكمه تشكيل "ناتو" عربي يضم الدول الخليجية الست، إلى جانب مصر والأردن؛ لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، كان واضحاً أن "إسرائيل" ستكون جزءاً من هذا التحالف بشكل أو بآخر. وقد أعدت ماريا أبي حبيب تقريراً في "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في فبراير 2017، قالت فيه إن دولة الاحتلال ستقدم دعماً استخبارياً لهذا التحالف.
ورغم عدم رؤية هذا التحالف النور بشكل رسمي فإن مجريات الأمور حالياً تعزز إمكانية تشكيل تحالف يضم بعض الدول المذكورة، على الأقل، خاصة أن وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو، أعلن في السادس من الشهر الجاري، أن أبوظبي و"تل أبيب" ستشكلان تحالفاً لمواجهة الخطر الإيراني.

وقبل شهور، تحدث رئيس الوزراء القطري الأسبق، الشيخ حمد بن جاسم، عن توجه لتوقيع اتفاقية "عدم اعتداء" بين دول عربية و"إسرائيل"، لكن يبدو أن الأمور، في فورة التطبيع الحالي، تتجه نحو ما هو أكبر، وتنتقل من عدم الاعتداء إلى الدفاع المشترك، ربما.

المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، يرى أن حملة التطبيع الجارية لا يمكن قراءتها بعيداً عن محاولات إنقاذ ترامب من شبح السقوط، وإعادة تدويره سياسياً عبر تحشيد اليهود الأمريكيين من خلفه، خاصة أن اللوبي الصهيوني ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (آيباك) يتمتعان بنفوذ كبير داخل الولايات المتحدة.

وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" أكد كاتب أوغلو أن تصدير جاريد كوشنر، صهر الرئيس، كعرّاب للتطبيع في المنطقة يرفع أسهم ترامب، مضيفاً: "ترامب بحاجة لليهود في الانتخابات، واليهود بحاجة لضغط ترامب على دول الخليج من أجل التطبيع، ومن ثم هناك تبادل كبير للمصالح فيما يجري".

وتابع: "البحرين دولة هامشية التأثير، لكن المهم أن كل المؤشرات تقول إن السعودية ستعلن التطبيع قبل الانتخابات الأمريكية، وهذا أمر سيحدث زلزالاً على كافة الأبعاد العربية والإسلامية والخليجية".

ومع ذلك، يضيف أوغلو، فإن ثمة أبعاداً أخرى لما يجري لا يمكن إغفالها، وفي مقدمتها أن هناك تحالفاً "صهيو-عربياً" يجري تشكيله من الدول الداعمة لإسرائيل ومخططاتها في مواجهة التحالف التركي القطري، ومحاصرته سياسياً واقتصادياً، وعسكرياً أيضاً.

وهذا التحالف، يضيف المحلل التركي، يضم السعودية والإمارات والبحرين ومصر وقبرص اليونانية، ويحظى بدعم أوروبي أمريكي كبير، وهو يسعى لتعزيز الاستعداء التركي بدليل مخرجات اجتماع وزراء الخارجية العرب، الخميس (10 سبتمبر)، التي هاجمت تركيا بشدة، بينما رفض الاجتماع مجرد التصويت على قرار فلسطيني يدين التطبيع الإماراتي مع "إسرائيل"، كما يقول كاتب أوغلو.

تنديد فلسطيني شديد

بدورها نددت منظمة التحرير الفلسطينية باتفاق تطبيع العلاقات بين البحرين و"إسرائيل"، فيما وصفت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" القرار بأنه إصرار على تطبيق بنود "صفقة القرن".

ونقلت قناة "الجزيرة" عن القيادة الفلسطينية رفضها واستنكارها بشدة إعلان البحرين التطبيع، ووصفته بأنه "خطوة بالغة الخطورة وتشكل نسفاً للمبادرة العربية للسلام، وطالبت المنامة "بالتراجع الفوري عنه".

كما نقلت وكالة "رويترز" عن منظمة التحرير قولها إن التطبيع بين البحرين ودولة الاحتلال "خيانة للقضية الفلسطينية، وطعنة أخرى توجه إليها"، فيما اعتبرت حركة "حماس" الخطوة إصراراً على تطبيق بنود صفقة القرن الأمريكية التي تواجه رفضاً كبيراً.

وقالت إن حكام الإمارات والبحرين "رضوا بأن يكونوا أدوات في يد الاحتلال والإدارة الأمريكية"، مشيرة إلى أن هؤلاء "قبلوا بتطبيق صفقة القرن على حساب عدالة القضية الفلسطينية".