اقتصاد » احصاءات

بتحديث الجهاز الإداري.. سلطان عُمان يسير قدماً نحو "رؤية 2040"

في 2020/08/28

الخليج أونلاين- 

تعيش سلطنة عُمان مرحلة جديدة كلياً منذ تسلم السلطان هيثم بن طارق آل سعيد مقاليد الحكم في البلاد منذ مطلع عام 2020، حيث بدت ملامح التغيير تطرأ على طريقة إدارة الدولة فيما يبدو نهجاً جديداً تسير عليه الحكومة ومؤسسات الدولة.

السلطان تعهد من البداية أنه سيعمل على تحديث الجهاز الإداري للدولة، وتطوير آليات صنع القرار الحكومي، مع رفع كفاءة الشركات الحكومية وتعزيز مساهمتها في المنظومة الاقتصادية، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه دول الخليج مع انخفاض أسعار النفط والبحث عن موارد أخرى.

وخلال الأشهر الثمانية الأولى من حكم السلطان، اتخذت عشرات المراسيم والقرارات التي تعمل على إعادة هيكلة الدولة، بما يضمن لها قدراً أكبر من التنمية وتجديد الدماء والتوافق الداخلي.

تعديلات شاملة 

وفي إطار سعي السلطان هيثم لتكوين حكومة رشيقة، بالإضافة لتقليص الإنفاق والتركيز على الإصلاحات بما يتواءم مع المعطيات الاقتصادية وتطلعات المجتمع العُماني، أصدر في 18 أغسطس 2020، 28 مرسوماً سلطانياً، في خطوة يبدو أنها استكمال لمشوار التغيير الذي بدأه مع توليه الحكم.

وتتضمن المراسيم الجديدة دمج عدد من الوزارات والهيئات الحكومية، وتقليص الحقائب الوزارية، حيث قُلِّصت الحقائب الوزارية من 26 حقيبة إلى 19، وقُلصت الهيئات الحكومية من 19 هيئة إلى 10 هيئات، إضافة إلى إلغاء عدد من الوزارات والهيئات الحكومية.

وجاء التغيير الأبرز بتعيين بدر بن حمد البوسعيدي وزيراً للخارجية العمانية خلفاً ليوسف بن علوي، واستبدال تسمية الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بـ "وزير الخارجية".

وذكرت وكالة الأنباء العُمانية أن السلطان هيثم قضى بإنشاء وزارة الثقافة والرياضة والشباب وتعيين نجله ذي يزن وزيراً لها، ودمج وزارة العدل ووزارة الشؤون القانونية باسم وزارة العدل والشؤون القانونية.

كما نصت المراسيم السلطانية على إنشاء وزارة العمل، وأخرى للاقتصاد، وثالثة باسم "وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات".

وصدر مرسوم بإنشاء وحدة متابعة تنفيذ رؤية "عمان 2040"، وتحديد اختصاصاتها واعتماد هيكلها التنظيمي، وإصدار نظام المحافظات والشؤون البلدية، وتحديد اختصاصات وزارة الداخلية واعتماد هيكلها التنظيمي.

ولم تقتصر المراسيم على استحداث وزارات أو تقليص أخرى أو حدوث إعفاءات، إذ يظهر أنها إعادة ترتيب كامل لأوراق الدولة إدارياً واقتصادياً وتنظيمياً، خصوصاً مع تعريجها على إنشاء هيئات ومؤسسات متخصصة في مختلف المجالات.

وفي إطار ذلك قال الصحفي والمحلل السياسي العماني عوض باقوير: إن "المراسيم السلطانية التي شهدتها البلاد مؤخراً تأتي في إطار مراجعة شاملة للجهاز الإداري للدولة، وتأتي في إطار الرؤية المستقبلية للسلطنة 2040".

وأضاف "باقوير"، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن "هذا التغيير الكبير في الوزارات ودمج بعضها واختفاء بعضها الآخر، وتغيير عدد من الوزراء يفوق 20 وزيراً ومسؤولاً حكومياً، تعطي دلالة واضحة على أن السلطان هيثم يهدف إلى رؤية متجددة تتماشى والتحديات التي تواجه السلطنة، خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، علاوة على الاهتمام بقضايا العصر كالتقنية والثورة الصناعية الرابعة، بالإضافة إلى الابتكار والاهتمام بقضايا الشباب".                                        

ويعتقد المحلل السياسي العُماني أن "مرحلة التغيير التي شهدتها السلطنة تهدف إلى التخلص من البيروقراطية ومحاربة الفساد والمحاسبة، وهي أسس تحدث عنها السلطان هيثم في خطابه الثاني، في رؤية تهدف إلى الانطلاق بالسلطنة نحو نهضتها الثانية".

وأشار إلى أن "هذه التحركات تأتي بعد نصف قرن من تأسيس الدولة العصرية التي بناها السلطان الراحل قابوس بن سعيد من خلال وجود البنية التحتية واكتمال مقومات الدولة المدنية الحديثة؛ علاوة على وجود دولة مستقرة تؤدي أدواراً إقليمية ودولية هامة لترسيخ مفاهيم السلام والاستقرار في المنطقة والعالم".

وأكّد باقوير أن "الدفع بطاقات وكوادر شبابية خاصة في المجال الاقتصادي وفي مجال الاستثمار والتقنية يعد مرتكزاً هاماً نحو الدفع بالمؤشرات إلى آفاق أرحب، وترسيخ التنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل في ضوء الموقع الاستراتيجي والبحار المفتوحة على بحر العرب وبحر عُمان".

التأسيس لمرحلة تاريخية

القرارات السلطانية الجديدة جاءت استكمالاً لما وعد به السلطان هيثم شعبه في أول خطاب له في (يناير 2020)، حيث حدد ملامح العهد الجديد، مؤكداً نهضة السلطنة الجديدة.

وبدت أنها استمرار لما تحدث عنه السلطان في خطابه الثاني بشهر فبراير 2020، عن الاحتياجات الملحة للشعب العُماني، طارحاً بتفصيل أكبر رؤيته الاقتصادية وما يشملها من تنمية مستدامة وفتح الباب أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية. 

كما لاقت التعديلات الوزارية ترحيباً وأصداءً واسعة من قبل المواطنين، حيث يتطلع الشعب العماني إلى العهد الجديد بمزيد من التفاؤل نحو تصحيح عدد من المسارات الخاصة بالحكومة.

ويرى الأكاديمي العُماني سالم بن سلمان الشكيلي، في حديث مع "الخليج أونلاين"، أن "ما صدر من مراسيم سلطانية لتنظيم الجهاز الإداري للدولة، والذي شمل العديد من الإجراءات والتدابير، يأتي ليشكل تنظيماً متكاملاً وشاملاً يؤسس لمرحلة تاريخية نعيشها وسنعيشها خلال المرحلة القادمة".

وأضاف الشكيلي أن "هذه الإجراءات ليست شكلية، بل هي عملية توافق من حيث الدمج مع الاختصاص بما ينسجم مع تخصصات كل وزارة، فهذا التنظيم خلق نوعاً من الانسجام في عملية الاختصاص، وبذلك قضى على عملية الازدواجية، وباتت الوزارات متميزة بأعضائها الجدد الشباب".

أستاذ القانون الدستوري والإداري أكّد، في معرض كلامه، أن هذا الانسجام سوف يحقق مزيداً من سرعة الإنجاز، والتلازم في عملية الاختصاص، وبذلك يتحقق مزيد من تقديم خدمات أفضل للمواطن بدقة وسرعة وإتقان.

كما أوضح أن هذه المرحلة تتطلب من الجميع التعاون وتوحيد الجهود وتضافرها، ومطلوب من المجتمع أن يعطي هذه التغييرات مدة من الوقت حتى يتبدى أثرها بالشكل المطلوب، خصوصاً فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي، حيث تأثر القطاع الاقتصادي بانخفاض أسعار النفط، وتداعيات تفشي فيروس كورونا، مطالباً المجتمع بضرورة مراعاة هذه الظروف؛ إذ لا يمكن معالجة العديد من الملفات في مدة قليلة.

تغيير إيجابي.. وآمال

ويعتقد محللون أن عُمان دخلت في طور التغيير الإيجابي على جميع المستويات إلى غير رجعة؛ من خلال إدارة حكومية جديدة، ومتابعة حثيثة للوصول نحو تطبيق رؤية عُمان 2040.

واعتبر الصحفي العُماني سعيد المعشني، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن "18 أغسطس هو يوم مشهود في مسيرة العهد الجديد، والمراسيم الـ28 يمكن إدراجها تحت عنوانين بارزين لا ثالث لهما؛ إعادة هيكلة الحكومة، وما نتج عنها من إعادة تشكيل الحكومة وتسمية أعضائها".

المعشني أكمل أنه "من بين ملامح إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة أن هناك أسماء غير معروفة وغير متوقعة تولت حقائب وزارية، كما أن أعضاء الحكومة الجديدة هم مزيج من الأسماء الأكاديمية ومن قطاع المال والأعمال، كما أنه قد حافظ ولو بصفة مؤقتة، على عدد ليس بالقليل من أعضاء الحكومات السابقة في مراكزهم ومواقعهم في الحكومة الجديدة، وهو ما يعطي صفة الاستمرارية والخبرة لمواصلة إدارة بعض الملفات التي تتطلب مثل هذه الخبرات المتراكمة".

في الوقت ذاته أكّد المعشني أن "التغيير والتجديد سمتان صحيتان في المجمل، ولذلك يعلق الجميع آمالاً كبيرة على هذه الحكومة وربانها الملهم في أن تبحر بالجميع إلى شاطئ الآمان".