علاقات » اوروبي

اغتيال الجبري.. معركة جديدة قد لا تستطيع الرياض خوضها ضد كندا

في 2020/08/10

الخليج أونلاين-

شهدت العلاقات السعودية الكندية كثيراً من التوترات، خلال السنوات الماضية؛ بسبب انتقادات الأخيرة المستمرة لملف حقوق الإنسان في الرياض، لكن هذه التوترات دخلت مرحلة جديدة قد تكون الأكثر حدّة؛ بسبب محاولات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، اغتيال المسؤول الاستخباري السعودي السابق، سعد الجبري، المقيم حالياً في كندا.

وربما تشهد الأيام المقبلة مواجهة عنيفة بين البلدين؛ بعدما أكدت الحكومة الكندية أنها سترد بقوة على محاولات استهداف أشخاص على أراضيها، وقالت إنها ستتواصل مع الرياض بشأن محاولاتها قتل الجبري على أراضيها.

فبعد أيام قليلة من رفع الجبري دعوى أمام القضاء الأمريكي اتهم فيها ولي عهد بلاده بالسعي لقتله أكثر من مرّة، مؤكداً أنه تلقى تهديدات مباشرة منه في هذا الشأن، كشفت الصحافة الكندية أن السلطات في أوتاوا أحبطت مؤخراً محاولة ثانية لاغتيال الضابط السعودي السابق على أراضيها.

وقالت صحيفة "ذا غلوب آند ميل" الكندية إن محاولة أولى جرى إحباطها بعد أسبوعين من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد مسؤولين سعوديين في قنصلية بلاده بإسطنبول، عام 2018.

الحكومة الكندية بدورها رفضت التعليق على الأمر، لكنها قالت على لسان وزير شؤون الأمن العام بيل بلير، إنها على علم بوقائع حاول خلالها أجانب مراقبة واستفزاز وتهديد مواطنين كنديين ومقيمين على الأراضي الكندية.

والجبري هو مسؤول استخباري سعودي سابق كان مقرباً من ولي العهد السابق محمد بن نايف، وهو يقيم في المنفى منذ أكثر من 3 سنوات تحت حماية أمنية خاصة.

تهديد كندي صريح

وتعليقاً على محاولات الرياض اغتيال الجبري على الأراضي الكندية، قال بلير: "لن نقبل أبداً ولن نتسامح مع قيام أجانب بتهديد الأمن القومي الكندي أو أمن مواطنين كنديين أو مقيمين".

وأضاف الوزير الكندي: "يجب أن يثق الكنديون في أن أمننا ووكالاتنا الاستخباراتية لديها القدرات الكافية والموارد والمهارات اللازمة لتتبع المتهمين والتحقيق معهم والتعامل مع هذه التهديدات".

ووفقاً لأوراق الدعوى المرفوعة أمام المحاكم الأمريكية، فقد سافرت "مجموعة النمور"، وهي فرقة اغيتالات تابعة لولي العهد السعودي، إلى كندا بعد أسبوعين فقط من مقتل خاشقجي، بهدف تصفية الجبري، لكن السلطات الكندية رفضت منحهم تأشيرات دخول.

ويقول الجبري في دعواه إن المجموعة التي حاولت دخول كندا تضمنت رجلاً من نفس الإدارة التي ينتمي إليها المتهم بتقطيع جثمان خاشقجي، كان يحمل حقيبة بها أدوات تستخدم في الطب الشرعي، مشيراً إلى أن الأمن الكندي تشكك في أعضاء الفريق، وبعد إجراء مقابلات معهم رفض منحهم تأشيرات دخول البلاد.

وفي إشارة لهذه الاتهامات قال وزير شؤون الأمن العام الكندي إن بلاده سوف تتخذ الإجراءات المطلوبة للحفاظ على أمن الكنديين والمقيمين الذين يعيشون في كندا بسلام، ودعا الجميع للإبلاغ عن أي خطر يشعرون به.

السعودية لن تتسرع هذه المرّة

الباحث المتخصص في العلاقات الدولية الدكتور علي باكير، يقول إن العلاقات بين البلدين كانت متوترة بشدة خلال الفترة الأخيرة؛ ليس فقط بسبب الانتقادات الكندية لحقوق الإنسان في السعودية وإنما بسبب استقبالها لعدد من المعارضين السعوديين وتوفير الحماية لهم أو لمنحهم اللجوء السياسي.

وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال باكير إن الأمور مرشحة للتصاعد بشدة هذه المرة، لكن هذا يتوقف على ردّة فعل السعوديين بالدرجة الأولى، مضيفاً: "لا أعتقد أن السعوديين سيقدمون على رد عشوائي كما حدث في خلاف العام 2018".

ووصل التوتر بين البلدين إلى ذروته عام 2018؛ عندما انتقدت كندا اعتقال السلطات السعودية الناشطتين سمر بدوي ونسيمة السادة ضمن مجموعة من نشطاء المدني.

وكانت سمر تناضل من أجل إطلاق سراح شقيقها الناشط رائف بدوي، الذي يقضي منذ العام 2006 عقوبة السجن عشر سنوات في السعودية؛ بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وذلك على خلفية مطالبته بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف ومحاكمة رئيسها في المحكمة الجنائية الدولية.

واتخذت الرياض موقفاً متشدداً إزاء هذا الحديث الذي اعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية، وأبلغت السفير الكندي بأنه غير مرغوب فيه، وأمهلته 24 ساعة لمغادرة البلاد، واستدعت سفيرها من كندا، مؤكدة أنها لا تقبل إملاءات من أي دولة.

ويشير باكير إلى أن ولي العهد السعودي شن حملة على كندا في الداخل السعودي، وهدد بقطع العلاقات التجارية والاستثمارية معها؛ قبل أن يجنح إلى التهدئة لاحقاً، مضيفاً: "لا أعتقد أنه سيرد بنفس العشوائية في هذه المرة".

لقد نفخت أزمة الجبري في نار الخلاف مجدداً، لكن الموقف السعودي هو الذي سيحدد إلى أين سيصل هذا التوتر هذه المرة، برأي أستاذ العلاقات الدولية، الذي أكد أن الرياض لا تملك قدرة على مواجهة بلد بحجم وإمكانيات كندا السياسية والاقتصادية.

السعودية غير قادرة على مواجهة كندا

من الممكن أن تتعقد الأمور بين البلدين بسبب محاولة اغتيال الجبري على الأراضي الكندية، يضيف باكير، لكن حصيلة الأخطاء السياسية التي ارتكبها ولي العهد السعودي خلال السنوات الماضية لا تجعل الرياض قادرة على الدخول في معركة من هذا النوع مع كندا، خاصة أن محاولة تكرار ما حدث لخاشقجي مع الجبري قد تنتهي بفضيحة، كما يقول.

ويشير باكير إلى أن كندا تمتلك واحداً من أقوى عشر اقتصادات بالعالم، فضلاً عن مكانتها الدولية، ومن ثم فهي قادرة على إلحاق الضرر بالسعودية إذا ما حاولت الأخيرة ارتكاب أي فعل على أراضيها، مؤكداً أن التهديد الكندي بالرد كافٍ لدفع الرياض إلى التوقف عن أي محاولة جديدة لاستهداف الجبري؛ لأنها تعرف أن النتائج لن تكون في مصلحتها.

وشددت الحكومة الكندية الإجراءات الأمنية المفروضة لحراسة الجبري، خاصة بعدما نبهتها الصحف المحلية إلى ضرورة أخذ محاولات اغتياله على محمل الجد.

وتبدو محاولة اغتيال الجبري على الأراضي الكندية رسالة شديدة من ولي العهد السعودي لمعارضيه الذين يعتقدون أن وجودهم في البلاد الغربية سيجعلهم بعيدين عن متناول يده، إذ تعتبر كندا قبلة لكثير من المعارضين في أنحاء العالم.

وتستضيف كندا عدداً من المعارضين السعوديين البارزين؛ مثل عمر عبد العزيز، الذي قال في يونيو الماضي إن السلطات الكندية نبهته إلى أن ربما يكون هدفاً محتملاً للحكومة السعودية، والمعارضة رجا الإدريسي، كما أنها تستضيف إنصاف حيدر، زوجة المدون المحبوس رائف بدوي.

وفي نوفمبر 2019، أي بعد شهر من مقتل خاشقجي، فرضت الحكومة الكندية عقوبات على 17 مواطناً سعودياً قالت إنهم مرتبطون بجريمة قتل الصحفي السعودي، وبموجب هذه العقوبات جمّدت أوتاوا فعلياً أصول هؤلاء الأفراد في كندا، فضلاً عن أنهم باتوا غير مقبولين في البلاد بموجب قانون الهجرة وحماية اللاجئين.

ونقلت مواقع معارضة سعودية أن السلطات طالبت كندا قبيل أزمة 2018 بتسليمها المعارضين المقيمين على أراضيها، وفي مقدمتهم الجبري، وأن توقف منح حق اللجوء السياسي للمعارضة السعودية.

لكن الحكومة الكندية أكدت مراراً أنها لن تقبل بالانتهاكات التي تمارس بحق المعارضين في أي مكان بالعالم، وأنها ستواصل دعم حرية الصحافة في أنحاء العالم.