سياسة وأمن » صفقات

النفط مقابل الأسلحة.. كورونا يفرض معادلة جديدة للعلاقات السعودية الكندية

في 2020/04/14

الخليج الجديد-

لماذا رفعت الحكومة الكندية الحظر المفروض على تصدير الأسلحة إلى السعودية؟

سؤال تصدر اهتمامات المراقبين خلال الأيام القليلة الماضية بعدما أعلنت أوتاوا إعادة التفاوض حول عقد تعرض لانتقادات حادة لبيع 742 عربة مدرعة تنتجها شركة "جنرال دايناميكس" للرياض بقيمة 14 مليار دولار.

وفي معرض تبريره لقرار بلاده، تحدث وزير الخارجية الكندي "فرانسوا فيليب تشامبين" حول "تعديلات مهمة أضيفت للعقد، ستحافظ على آلاف الوظائف في الفرع الكندي من الشركة الأمريكية التي تصنع العربات"، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

لكن ذلك السبب لا يبدو كافيا، حيث لم تكن قضية الوظائف مطروحة على الطاولة حين قررت كندا تعليق العقد السعودي في عام 2018.

ففي أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام، أعلن رئيس الوزراء الكندي "جاستين ترودو" وقف تنفيذ التعاقد على خلفية السجل الحقوقي السيئ للسعودية بعد جريمة اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" داخل قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول التركية، وقال في حوار تليفزيوني: "كندا تعتزم الدفاع دائما عن حقوق الإنسان، بما في ذلك مع السعودية (..) في حالة عدم التزام السعوديين بهذه المبادئ فبالتأكيد سنلغي العقد".

وتنص القوانين الكندية المتعلقة ببيع المعدات العسكرية، على فرض قيود على الدولة المستوردة في حال انتهاكها حقوق الإنسان، كما تحظر القوانين على الدول المستوردة المعدات ضد المدنيين، وفقا لما أوردته صحيفة "جورنال دو مونتريال" المحلية.

هذا ما دفع "تشامبين" إلى التأكيد على أن كندا "إذا اكتشفت أن السعودية لا تستخدم العربات للغرض المعلن، فيمكنها تأجيل أو إلغاء تصاريح تصديرها للسعودية دون غرامات"، في إشارة إلى رفض أوتاوا لاستخدام مدرعاتها في انتهاكات حقوقية، وفقا لما نقلته "رويترز".

بدائل محدودة

ما هو الجديد إذن لمراجعة قرار إلغاء صفقة المدرعات؟ ترتبط الإجابة بطرفي الصفقة، في ظل تطورات حرب اليمن من جانب، والتأثيرات المتسارعة على اقتصادات العالم الكبرى جراء تفشي فيروس "كورونا" المستجد "كوفيد-19" من جانب آخر.

فالسعودية أعلنت، في 9 أبريل/نيسان، وقفا لإطلاق النار في اليمن لمدة أسبوعين "قابلين للتمديد" بعد انسحاب أغلب القوات الإماراتية المتحالفة معها، واتجاه الحرب إلى تجميد اضطراري بعد انهيار أسعار النفط، وتأثير ذلك على قدرة الرياض على الاستمرار في العمليات العسكرية.

وفي المقابل، حذر وزير المالية الكندي "بيل مورنو" من أن تزامن وباء "كورونا" مع أزمة أسعار النفط من شأنه التسبب في تأثير اقتصادي حاد يقع "على امتداد البلاد"، وفقا لما أوردته شبكة "سي إن إن"، بما يعني أن بدائل أوتاوا الاقتصادية باتت محدودة للغاية، وأن صفقة الأسلحة السعودية باتت بمثابة طوق إنقاذ اضطراري، خاصة أن الصفقة هي أكبر عملية لبيع أسلحة في تاريخ كندا.

وسبق أن حذر الفرع الكندي لشركة الدفاع الأمريكية "جنرال دينمكس" منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، من تداعيات إنهاء العقد الخاص بتوريد الأسلحة للمملكة والتأثير السلبي لهذا الإلغاء على قطاع الدفاع في كندا.

غير أن حالة الاضطرار الكندية لا تعني قبول أوتاوا استخدام مدرعاتها في أعمال تنطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان، وهي الموازنة التي تحاول كندا الحفاظ عليها عبر استخدام دورها في اتفاق منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+" كورقة ضغط.

وعلى هذا الأساس باتت معادلة العلاقة بين السعودية وكندا محكومة بإطار مفاده "صفقة الأسلحة السعودية مقابل تعاون كندي في ملف النفط"، وهو ما عبرت عنه أوتاوا بوضوح في موقفها من الاجتماع الأخير لدول مجموعة العشرين، الذي ناقش سبل تحقيق الاستقرار في سوق النفط بعدما أدت حرب النفط بين السعودية وروسيا إلى تهاوي الأسعار.

ولم يعد وزير الموارد الطبيعية الكندي "سيموس أوريجان" بأي تخفيضات مُحددة للإنتاج خلال الاجتماع، الذي عقد في 10 أبريل/نيسان، حسبما ما نقلته هيئة الإذاعة الكندية الرسمية "CBC"، مكتفيا بالإشارة إلى أن وزراء الطاقة في دول "العشرين" توافقوا على "استخدام جميع أدوات السياسة المتاحة للحفاظ على استقرار سوق النفط".

وسبق ذلك بأيام (4 أبريل/نيسان) مناقشة مسؤولين كنديين وأمريكيين لفرض رسوم على واردات النفط السعودية إذا لم تتوصل الرياض وموسكو على اتفاق ينهي "حرب أسعار" النفط، وفقا لما أوردته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

وتعد كندا هي رابع أكبر منتج للنفط في العالم، وليست عضوا في "أوبك" ولا في "أوبك+"، ما يعني أن موقفها من موازنة السوق يبقى أساسيا لضمان استقرار الأسعار، وهو ما عبر عنه قال وزير الطاقة السعودي، الأمير "عبدالعزيز بن سلمان" بتصريح أدلى به للصحفيين يوم اتفاق تخفض الإنتاج، قال فيه: "أتوقع من دول مثل كندا الانضمام لجهود أوبك بلس لإرساء الاستقرار في سوق النفط باستخدام أساليبها الخاصة"، حسبما نقلت "رويترز".

مراجعة تكتيكية

ومن هذا المنطلق جاءت إشارة "تشامبين"، في بيان أصدره يوم اجتماع "أوبك+"، إلى أن "إلغاء عقد صفقة المدرعات السعودية كان يمكن أن يؤدّي إلى عقوبات بمليارات الدولارات على الحكومة الكندية"، مضيفا أن "تحسينات" أجريت على التعاقد لن تضطر كندا لاحقا إلى دفع غرامات إذا ما تأخّرت في إصدار "تصاريح تصدير مستقبلية"، أو رفضت إصدار هذه التصاريح بسبب حصول انتهاكات لضمانات استخدام الأسلحة.

ومع ذلك، فإن موقف أوتاوا من صفقة المدرعات السعودية يظل "تكتيكيا" طالما أنها غير ملزمة بحصة محددة لخفض إنتاج النفط، وفي ظل مؤشرات على أنها غير مستعدة لمستوى تخفيض كبير، حسبما نقل "عربي 21" عن الخبير في شؤون الطاقة "نهاد إسماعيل".

ويبدو أن الرياض تدرك ذلك، لكن الخيارات أمامها شبه منعدمة، في ظل وصول سعر برميل النفط إلى أقل من نصف السعر المعتمد بميزانيتها (80 دولارا)، وتأثير أزمة "كورونا" على مجمل اقتصادها، ما يعني معاناتها من عجز كبير، تسعى لسده عبر الاقتراض من دول بينها كندا.

كلا الغريمين مضطران إذن لاستئناف صفقة المدرعات طالما استمرت أزمتي "كورونا" وسوق النفط، وحتى ذلك الحين فإن "تحسينات" التعاقد، التي تحدث عنها "تشامبين"، ستظل هي الضمانة الوحيدة لحفظ ماء وجه كندا التي اضطرت إلى التراجع عن موقفها السابق، واستئناف العلاقات العسكرية مع السعودية مجددا.