صحة » امراض

قضت على قرى وعولجت بالعزل.. أمراض وأوبئة داهمت الخليج تاريخياً

في 2020/03/20

الخليج أونلاين- 

يعيش العالم في الشهرين الأخيرين حالة قلق وذعر غير مسبوقتين؛ في ظل الانتشار المتسارع لفيروس كورونا المستجد، المعروف طبياً بـ"كوفيد 19"، ومداهمته معظم الدول بمختلف القارات.

وأجبر تفشي الفيروس التاجي دول العالم على اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير الوقائية؛ منها وقف الرحلات الجوية، وتعليق الدراسة، ومنع التجمعات العامة، وإيقاف صلوات الجماعة، وإغلاق الحدود البرية، وتأجيل فعاليات في مختلف المجالات، وصولاً إلى إعلان حالة الطوارئ العامة وما يترتب عليها من إجراءات.

وبموازاة ذلك شكلت دول خليجية لجاناً على أعلى المستويات مهمتها إدارة الأزمة التي شلت العالم بأسره، ووضعته على صفيح ساخن، وسط سباق محموم من الدول الكبرى لإيجاد لقاح أو دواء للفيروس الذي حصد 9000 شخص، فضلاً عن مئات الآلاف من الإصابات حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

ويُعيد الفيروس المميت إلى الأذهان ما عاشته الجزيرة العربية ومنطقة الخليج من تاريخ حافل من الأوبئة والأمراض المعدية، يسلط "الخليج أونلاين" الضوء على أبرزها.

"الإنفلونزا الإسبانية"

اجتاح وباء "الإنفلونزا الإسبانية" أو جائحة "إنفلونزا 1918"، العالم بأكمله في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وخلفت ملايين القتلى؛ إذ تشير التقديرات إلى وفاة ما بين 50 إلى 100 مليون شخص، أي ما يعادل ضعف المتوفين في الحرب العالمية الأولى، علاوة على إصابة 500 مليون، وفق الإحصائيات الحديثة.

وتسبب بهذه الجائحة نوع خبيث ومدمر من فيروس إنفلونزا (أ) من نوع "H1N1"، حيث كانت الغالبية العظمى من ضحايا الوباء من البالغين واليافعين الأصحاء، خلافاً لما كان يحصل عادة بأن يستهدف الوباء كبار السن والأطفال والمرضى وضعيفي المناعة.

ولم تكن الجزيرة العربية بمنأى عن تلك الجائحة؛ إذ أطلق على هذا العام بـ"عام الرحمة" و"عام الصخونة"، وفسر باحثون سبب التسمية لكثرة الترحم على الموتى، ولأن هذا الوباء القاتل كان يصاحبه ارتفاع كبير في درجة حرارة المصاب.

وبحسب ما تناقله الآباء عن الأجداد، فإن أعداد الموتى قدرت بالآلاف، وأباد مدناً بأكملها، قيل إن النعوش تكسرت من كثرة الموتى، حتى وصل بهم الحال إلى الاستعانة بأبواب المنازل والبسط في نقل الموتى إلى المقابر.

يقول الكاتب السعودي محمد عبد الله العوين، في مقال أوردته صحيفة "سبق" السعودية": "مات خلق كثير لا يُعلم عددهم في كل مدينة وقرية في نجد والحجاز والأحساء ودول الخليج والعراق"، كما أورد أن نجد فقدت أعياناً وأمراء.

وفي ذلك الوقت انشغل الناس بحفر القبور طوال اليوم، لا يشغلهم عن ذلك سوى وقت الصلاة أو لقيمات تعينهم على العمل.

أما عن سبل مكافحة "الإنفلونزا الإسبانية" فقيل إن الأجداد لجؤوا إلى عزل المرضى في بيوت وأماكن في أطراف البلدة أو خارج أسوارها؛ تجنباً لاختلاطهم بالأصحاء.

كما قيل أيضاً إنهم أخذوا من صديد المرضى وقاموا بتطعيم بقية الناس بطرق بدائية للحيلولة دون انتشار الوباء، إلى جانب التداوي بالأعشاب والتركيبات الدوائية لمكافحة المرض.

وفي فترة النقاهة؛ أي بداية تعافي المريض من الوباء، لجأ الأجداد إلى جمع عينات من جميع الأطعمة المتوفرة في البلدة وطبخها في إناء واحد وتسمى (القِرُو)، يأكلها المريض أو يشرب ماءها المطبوخ كنوع من الحيطة.

"الطاعون"

وقبل انتشار الإنفلونزا الإسبانية اجتاح "الطاعون" شبه الجزيرة العربية عام 1831، وصادف ذلك الوقت موسمي الغوص والسفن الهندية التجارية، وقضى على ما نسبته 60% إلى 75% من سكان الكويت، غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب موسوعة "ويكيبيديا" العربية.

ومن خلال ما تم تداوله على لسان مؤرخين فإن بعض سكان الكويت اضطروا للإقامة في "عشيش في الشويخ" هرباً من الوباء، ونجوا بسبب العزل التام عن الخارج، كما حبس الناجين في إحدى القلاع بعد تزويدهم بالطعام والشراب خشية من عودة المرض وانتشاره، وفق ما نقلته صحيفة "الرأي" الكويتية على لسان مؤرخين وباحثين.

وامتلأت الكويت بعد تلك الحقبة بالمقابر، حتى قيل إن البعض دفن موتاه في البيوت، وبعد عودة المسافرين من مواسم الغوص والتجارة وجد هؤلاء جميع أهالي الكويت قد قضوا سوى قلة قليلة، وهو ما وسع من دائرة الزواج من خارج البلاد.

 

أمراض أخرى

أما سلطنة عُمان فقد عرفت العديد من الأمراض والأوبئة بأنواعها المختلفة، منها ما يعود للوعي الصحي، وبعضها لانتشار أسراب البعوض والذباب، بالإضافة إلى الإمكانات الطبية والتواصل التجاري عبر البحر مع بعض الدول القريبة والمحيطة أبرزها الهند.

وتناقل مؤرخون، من بينهم الدكتور روز بنرجر، في كتابه حكايات لرحلة حول العالم خلال الأعوام 1835 – 1836 – 1837، أن الكوليرا قتلت 10 آلاف شخص من رعايا سلطان عُمان، في يونيو 1821، ثم اجتاحت مسقط وبقية البلاد مجدداً عام 1865، وكان مصدرها سفناً تجارية قادمة من زنجبار يحمل بعض ركابها المرض الذي انتقل إلى المدينة من الهند.

ورغم أن نشاط الملاحة البخارية أواخر القرن الـ19 كان له أثر إيجابي في نقل التجارة والأفراد والبحرين من السلطنة إلى موانئ الخليج والهند؛ فإنه حمل آثاراً سلبية أثرت في الحالة الصحية في السلطنة.

ونقلت تلك الحالة التجارية عدوى الأمراض الوبائية المختلفة مثل الطاعون والكوليرا والجدري، خاصة الطاعون القادم من الهند عام 1897، وهو ما أجبر سلطان البلاد آنذاك على اتخاذ إجراءات وقائية لمقاومة وصول المرض، بمساعدة من القنصلية البريطانية في مسقط.

ويوضح مؤرخون أن من بين تلك الإجراءات منع نزول الأشخاص والأدوات، غير البريد، من السفن التي تحمل مصابين بالطاعون أو حتى مشتبهاً بهم، كما اشترط على ركاب السفن السليمة بأن يُحتجزوا تحت المراقبة في منطقة تبعد ميلاً ونصف الميل عن مسقط لمدة 9 إلى 10 أيام.

وأما بالنسبة لسفن الشحن فإن مسؤولية تفريغها وإنزال شحنتها كانت تقع على بحارة السفن أنفسهم، كما أنه لم يُسمح لعمال الميناء بالصعود إلى السفن القادمة من الهند، واتُّخِذت هذه الإجراءات في معظم الموانئ المهمة في السلطنة.

وانتهى وباء الكوليرا في عُمان عام 1900؛ ولكن بعد بضع سنوات عرفت البلاد انتشار مرض الطاعون عن طريق وصول التجار القادمين من كراتشي وجوادر إلى ميناءي مسقط ومطرح، ثم انتشر عن طريق القوافل التجارية إلى مناطق أخرى في عمان.

ووفق صحيفة "الأثير" العمانية، وافق سلطان البلاد، فيصل بن تركي، على إدخال عملية التلقيح ضد المرض، كما أصدر في عام 1903 مرسوماً ألزم فيه الرعايا البريطانيين المقيمين في أراضي السلطنة باتباع القواعد الصحية.

كما انتشر الجدري في مسقط في أربعينيات القرن العشرين، وتسبب في وفاة الكثير من الناس وإصابة عدد منهم بالعمى، فقامت الحكومة بعزل المصابين في قرية قنتب كونها معزولة جغرافياً ولا يمكن الوصول لها إلا عن طريق البحر، مع توفير سبل المعيشة لهم من ماء ومواد تموينية وغيرها، في حين كان يتم عزل المصابين بالجذام في مسقط بقرية "حرامل" بمكان يسمى "كرنتينة".

كما انتشرت "بيوت ميدّر"، ويقصد بها بلهجة أهل صور والمناطق القريبة منها البيوت التي أنشئت لإسكان المصابين بداء الجدري، حيث انتشر مرض الجدري في مدينة صور في الخمسينيات من القرن العشرين؛ بسبب الحجاج القادمين من بلاد الهند وما حولها للانتقال بواسطة السفن بعد ذلك إلى اليمن، والذين كانوا يعرفون باسم "الدراويش"، وفق الصحيفة العُمانية ذاتها.

وأنشئت للموتى من جراء هذا المرض مقبرة خاصة قريبة من موقع حجرهم، وكان يقوم بغسلهم ودفنهم مجموعة خاصة من الرجال زودت بأساليب وقاية من الإصابة بالعدوى.