علاقات » روسي

على شفا القطيعة.. تأثير حرب النفط على العلاقات الخليجية الروسية

في 2020/03/18

متابعات- 

إلى أي مدى تؤثر حرب أسعار النفط الدائرة حاليا بين المملكة العربية السعودية من جانب وروسيا من جانب آخر على العلاقات بين الدولتين على وجه الخصوص وعلاقات روسيا ودول الخليج العربية بشكل عام؟

يتصدر هذا السؤال اهتمامات المراقبين مع استمرار الحرب النفطية التي تشنها السعودية وبعض حلفائها مثل الإمارات، وقيامهم بإغراق الأسواق بكميات كبيرة من الخام رغم نقص الطلب العالمي بسبب تأثير انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) عالميا، وذلك خلفية فشل اتفاق أوبك مع روسيا حول خفض إضافي لإنتاج النفط بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا.

ويميل المحللون في هذا الإطار إلى الفصل بين العلاقات الروسية الخليجية في مجال النفط، وبين العلاقات بين الطرفين خارج المجال النفطي.

علاقة تحت الضغط

في المجال النفطي، تشير الباحثة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن "لي شين سم" إلى أن "الصين" ظلت العنوان الرئيس للمنافسة النفطية بين السعودية الروسية، باعتبار أن السعودية احتلت موقع الصدارة كأكبر مورد للنفط إلى الصين بحصة تصل إلى 3 أمثال حصة روسيا بين عامي 2015 و 2017، إلى أن حلّت روسيا محل المملكة كمورد رئيسي للنفط إلى الصين، بسبب برنامج النفط مقابل القروض بين بكين وموسكو، وتدشين الطرفين مشروع خط أنابيب يسمح لبكين بتلقي النفط الروسي، وتقليل مخاطر الاعتماد على الواردات المنقولة بحرا.

ورغم أن السعودية استعادت صدارة الموردين إلى الصين لاحقا نهاية العام الماضي، بعد منافسة قوية مع روسيا على المصافي الصينية، إلا أن تأثير انخفاض الطلب على النفط جراء تفشي فيروس كورونا أفقد السعودية جزئا من حصتها السوقية، ليس في الصين وحدها، بل في أسواق أوروبية، وأسيوية أخرى.

وعلى أثر ذلك، فإن علاقة السعودية وروسيا في إطار "أوبك بلس" مرهونة بمآل سياسة إغراق السوق التي تتبعها الرياض حاليا، والتي من شأنها الإضرار بمصالح موسكو في الحفاظ على حصتها السوقية.

فإذا وصلت موسكو إلى قناعة بالعودة إلى إطار التفاوض مع السعودية فإن ذلك يعني استمرار "أوبك بلس" كإطار تنسيقي، وإلا فإن انهيار صيغة التجمع النفطي الحالي هي المآل الراجح.

ويعد الاحتياطي النقدي، الذي يسمح بتحمل خسارة خفض الأسعار، لدى روسيا والسعودية هو الفيصل في ترجيح أي من المآلين، خاصة في ظل تقارير عن قدرة الصندوق السيادي الروسي على الصمود لمدة تصل إلى عشر أعوام عند أسعار

ومن المرجح أن مصير "أوبك بلس" سوف ينعكس بشكل مباشر على علاقة روسيا بباقي دول الخليج، التي انحاز بعضها - مثل الإمارات - إلى السعودية في حرب النفط، في ظل شعور سائد في موسكو بأن التعاون مع أوبك عموما لم يترجم إلى فوائد اقتصادية أوسع نطاقاً لروسيا، بعد تراجع دول الخليج عن وعودها باستثمار أموالها في الاقتصاد الروسي.

وعليه فإن موسكو تفضل تحمل خسائر انخفاض إضافي في أسعار النفط مقابل مكسب على المدى الطويل، يتمثل في تكبيد صناعة النفط الصخري الأمريكية خسائر فادحة، قد تصل إلى إفلاس شركاتها الكبرى، وفقا للتقدير الروسي.

فبالنسبة لموسكو، يمثل إفلاس منتجي النفط الصخري من خلال حرب الأسعار الحالية خيارًا فعالا وجذريا، في ظل تحقيق صناعة النفط الصخري الأمريكية تقدما في أوروبا، بما يخصم من حصة روسيا السوقية.

ووفق التقدير الروسي، فإن دول الخليج العربية مكنت هذه الطفرة الصخرية من خلال الاستثمارات في المصافي الأمريكية، والحصص المباشرة في عمليات الصخر الزيتي الأمريكية، ولذا يرى العديد من المحللين أن موسكو تستفيد من خطوة الابتعاد عن إطار (أوبك +).

ورغم أن روسيا بإمكانها تحمل هبوط السعر إلى ما دون 40 دولارا، إلا أن تنوع مواردها وقدرة صندوقها السيادي على تغطية معدلات هبوط أكبر للأسعار لفترة طويلة تبقى موضع شك.

ولذا تتوقع الخبيرة الاقتصادية الرئيسية في بنك ألفا في موسكو "ناتاليا أورلوفا" أن تتأقلم روسيا مع حرب النفط طالما ظل سعر برميل النفط في حدود الـ 30 دولارا، مشيرة إلى أن "ضعف سعر الروبل أمام الدولار سيعوض بعض الدعم الذي تحتاجه الميزانية (الروسية) بسبب سعر النفط المنخفض"، وفقا لما نقلته مجلة "فورين بوليسي".

 لكن إن استمر سعر النفط في الهبوط سيكون على الحكومة الروسية إما أن تخفض نفقاتها بشدة، أو أن تفتح الأبواب للتفاوض مجددا مع السعودية حول اتفاق جديد.

وبينما يرجح "مايكل هيوسن"، المحلل في "سي أم سي ماركتس"، العودة إلى التفاوض باعتباره الخيار الأكثر منطقية، ترجح الخبيرة الاقتصادية في شركة "Renaissance Capital" والمسؤولة السابقة في البنك المركزي الروسي "صوفيا دونتز" عبور روسيا للأزمة سالمة اعتمادا على مواردها دون أن تضطر لتقديم تنازلات.

علاقة تحت الضغط

لكن علاقة روسيا مع دول الخليج لا تقتصر على المصالح النفطية. وحسب تحليل معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فإن هناك اهتمامات مشتركة بين الطرفيت تتعلق بملفات "التطرف السياسي" و"الصراعات الإقليمية" و"التجارة" و"التنمية الاقتصادية".

فعلى سبيل المثال، تشير العلاقات الروسية التركية المشحونة بشأن إدلب، شمالي سوريا، إلى أن محاولات روسيا للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا ستتطلب موافقة ودعم من دول الخليج.

ونتيجة لذلك، قد تكون تنبؤات الانفصال بين روسيا ودول الخليج الأعضاء في أوبك سابقة لأوانها، حسب تقدير "لي شين سم"، مشيرة إلى أن طريق العودة بين روسيا و"أوبك بلس" قد يمر بدولتي الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.

فالإمارات حاولت خلال الشهور الماضية تقليص المسافة بين السياسات الروسية والخليجية بشأن سوريا وليبيا، كما يمكن لعمان أن تستفيد من دورها الخاص كوسيط إقليمي بين مختلف الأطراف، بما فيها تلك حلفاء موسكو في إيران والنظام السوري.

ولكل من الدولتين مصلحة في تقصير أمد حرب النفط الدائرة، خاصة عمان التي يتجاوز حجم ديونها أصول صندوق ثروتها السيادي، وبالتالي فهي البلد الخليجي الأقل قدرة على تحمل فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط.

ويمكن للإمارات وعمان تشجعا من الرسائل التصالحية من روسيا والسعودية، في ظل ترك كل منهما الباب مفتوحا لعودة الاتفاق النفطي.

في هذا الإطار يقرأ المعهد إشادة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بـ "أوبك بلس"، باعتباره آلية "أثبتت نفسها بالفعل كأداة فعالة لضمان الاستقرار على المدى الطويل في أسواق الطاقة العالمية"، وإعلان السعودية أنها لا تزال "تعتبر روسيا شريكًا مهمًا واللاعب الأكثر أهمية في سوق الطاقة"، على أنها محاولات من الطرفين لترك الباب مفتوحا بينهما وعدم السماح للعلاقات بالتدهور إلى القطيعة الكاملة.