مجتمع » شؤون المرأة

بين مؤيد ومعارض لها.. هذه قصة الحركات النسوية في الخليج

في 2020/03/09

متابعات-

تشهد المجتمعات العربية والخليجية على وجه الخصوص تغيرات في جوانب مختلفة؛ لكن من بين الأمور اللافتة للانتباه هو تصاعد ما يسمى "الحركة النسوية"، وأثر ذلك على تغيّر الميزان المجتمعي، لا سيما وأن بعض ما تدعو له حق يراد به باطل، أو باطل بذاته، بحسب منتقدي هذه الحركات، التي تحظى بدعم من مؤسسات ودول غربية.

ومع احتفال الأسرة الدولية باليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق الثامن من مارس من كل عام، يعود الحديث من جديد حول "الجندر" أو "النسوية" ومطالبة النساء بمساواتهن بالرجال.

وبدأت تلك المصطلحات تظهر في العديد من الدول الخليجية، وخاصة السعودية، التي تشهد انفتاحاً غير مسبوق، وإطلاق الحريات للنساء في مجتمعها، وأعين منتقدي هذه الحركات تشير إلى تشجيع دول غربية لها ودعمها.

بل إن من المقولات الشائعة ضد "النسويات العربيات" على وجه العموم هي أن النسوية تمثلٍّ وتأثرٍ بالغرب وليست أصيلة في المجتمعات، وأن "النسويات" انبثقن من تأثرهن بالتعليم الغربي، بل وصل إلى حد اتهام "التمويل الأجنبي" بإنعاش هذه الحركات وتغذيتها وممارسة الضغوط على الدول من أجل القبول بذلك كأمر واقع.

ولم تعرف الدول الخليجية على مدار تاريخها أي حراك نسوي كباقي الدول العربية؛ بحكم القيم الدينية، والعادات والتقاليد والحياة البدوية الراسخة التي تعيشها هذه البلدان، وتأخر تعليم النساء، وغياب أي دور قيادي لهن، سواء في الهيئات الحكومية أو القطاعات الأهلية والخاصة.

ويرفض المجتمع الخليجي بوجه عام أي وجود للحركات النسوية في بلادهم، وخاصة السعودية، التي تصنفها كأفكار للتطرف، وفق آخر إصدار للإدارة العامة لمكافحة التطرف برئاسة أمن الدولة بالمملكة، والذي سرعان ما تراجعت عنه، في مؤشر على قبولها في العهد الجديد للحكم، سعياً للظهور بمظهر المنفتح تماماً على الغرب.

وعلى مدار سنوات اقتصرت أعمال الجمعيات النسائية الخليجية على أهداف العمل الخيري، ومحو الأمية، ورعاية الأطفال، دون وجود أي أجندة تنادي بالمساواة مع الرجل، أو إطلاق حرية المرأة في الحياة المجتمعية كالتي ظهرت مؤخراً، لتتحول تدريجياً إلى منظمات مستقلة، ما فتح الباب على مصراعيه على ملف التمويل الخاص بها من جهات خارجية.

ظهور خجول

وبرزت الحركة النسوية في الخليج منتصف الخمسينيات، حين تأسست جمعية "نهضة فتاة البحرين"، ومنها انطلقت إلى الكويت التي تأسست فيها أول جمعية نسائية عام 1963، ثم انتشرت في بقية الدول الخليجية تباعاً من خلال تأسيس جمعيات تختص بحقوق المرأة، وتطالب بتوفير الحماية لهن.

ولم تشهد السعودية تأسيس أي جمعية نسوية أو مؤسسة تطالب بحقوقهن المدنية على مدار تاريخها، ولكن في الوقت الحالي بدأت أصوات نسوية تنادي بإعطاء المرأة حرية أكبر، بالتزامن مع حالة الانفتاح التي قادها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأصبح حصولهن على جمعيات أقرب من أي وقت، بل بدأ الفكر يتغلغل بشكل لافت، بتأييد غربي غير مسبوق.

وبدأت المرأة السعودية الدخول في الحياة السياسية حديثاً؛ إذ سمح لها بحق الانتخاب والترشح للمجالس البلدية عام 2015، مع التخلي عن قوانين وأعراف رسمية محافظة اعتمدتها البلاد على مدار عقود.

وكانت أبرز مجالات الانفتاح السعودي التي منحت للنساء السماح لهن بقيادة السيارات، ودخول ملاعب كرة القدم، وإنشاء صالات رياضية مغلقة خاصة بهن، فضلاً عن مشاركتهن في مسابقات كانت حكراً على الرجال؛ ككرة القدم، وركوب الدراجات الهوائية، والماراثون، وغيرها من المنافسات الرياضية.

وأمام هذه التسهيلات التي حصلت عليها المرأة السعودية برزت أصوات مختلفة في البلاد، التي عرفت بممارسة الكثير من القيود على النساء، ضد مصطلح "النسوية" الذي أثار غضب النخب السعودية المختلفة.

كوثر الأربش، عضوة مجلس الشورى السعودي، ورغم أنها تمثل شريحة النساء السعوديات عند السلطات فإنها هاجمت "النسوية" ورفضت تمريرها في المجتمع؛ لكونها تمس الدين الإسلامي والعادات والتقاليد.

وقالت الأربش في تغريدة لها يعود تاريخها إلى نوفمبر 2019: "إذا لم نتمكن من تصنيف النسوية كفكر متطرف، لنحمِ المواطنين من انتهاك كرامتهم وأعراضهم من قبل النسويين والنسويات، لنحمِ المواطن من محاربة عبادته وشتم مسجده ومحاربة امرأة لحجابها وحشمتها. فما ذنب المواطن يحرم من حرية رأيه وحرية اختياراته إذا ما خالفت هوى النسويين؟".

وذهبت عضوة مجلس الشورى السعودي إلى أبعد من ذلك؛ حيث اعتبرت أن "النسوية" تهدف إلى "الانبطاح وانتهاك كرامتنا، ويهدمون أسرنا، وينالون من ديننا وقيمنا".

ولا يعرف من الذي يقف وراء إطلاق مصطلح "النسوية " في السعودية في هذا التوقيت بالذات، في ظل الانفتاح الكبير الذي يقف وراءه بن سلمان.

وتعرّف جامعة كامبريدج البريطانية "النسوية" بأنها: "الإيمان بأن للنساء نفس الحقوق والفرص التي يتمع بها الرجال"، وصيغ مصطلح النسوية لأول مرة على يد المفكر والفيلسوف الفرنسي شارل فورييه عام 1873.

مصطلح "فضفاض"

الناشطة في حقوق المرأة ختام السعافين، ترى أن مصطلح الحركات النسوية "فضفاض، ويحتمل الكثير من النواحي الخاصة بالمرأة والقضايا التي تشمل الدفاع عن حقوقها".

ويركز عمل الحركات النسوية، وفق حديث السعافين لـ"الخليج أونلاين"، على اضطهاد النساء وضرورة التخلص من التمييز ضدهن، وذلك حسب تطور المجتمعات، إضافة إلى إحداث إنجازات مجتمعية.

وتكمل موضحة: "تعتبر الكثير من الدول الخليجية الحديث عن المرأة مساساً بالمجتمع، ومحاولة لهدمه من الداخل، وهو ليس صحيحاً، ففي تاريخنا العربي دلائل على حرية النساء، وإعطائهن أماكن وأدواراً عديدة".

ولفتت السعافين إلى أن "للنساء الحق في القوانين الناظمة والعدالة الاجتماعية، والتقليل من السيطرة العشائرية عليهن، وليس من باب إنكار الفئات الأخرى؛ لكونهن تحملن الكثير من المسؤوليات".

و"النسوية" تولي اهتماماً للدين في المجتمعات من خلال إيجاد تشريعات توائم بين الدين والمعاهدات الدولية بطريقة إبداعية كما فعلت كثير من الدول، والحديث هنا للناشطة النسوية.

وحول إمكانية نجاح الحركات النسوية في المجتمعات، وخاصة الخليجية، تقول السعافين إن ذلك يحتاج إلى "تدرج وتراكم نضالي"، كما وصفته، مع الأخذ بالحسبان التحديات الموجودة في المجتمعات.

بين أخذ ورد

الكاتبة السعودية هدى الدغفق، إحدى المروجات لفكرة "النسوية"، ترى أن الحديث عن "الجندر" أو "النسوية" في المجتمع السعودي يمكن أن يكون أشبه بالحديث عن فساد المرأة وتغريبها.

ومن تلك المطالب النسوية التي تضعها الدغفق مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار، إضافة إلى مطالب جوهرية أخرى مثل رفع الوصاية عن المرأة بمعناها السياسي والاجتماعي، والتعامل معها بوصفها مواطنة تتمتع بالرشد والأهلية.

الأكاديمي السعودي محمد السعيدي كان له رأي أكثر تشدداً من الحركة النسوية؛ إذ اعتبرها "ليست فكراً متطرفاً، بل ليست فكراً أصلاً، إنها قاع وانحطاط".

ويصف السعيدي في سلسلة تغريدات له "النسوية" بأنها "تدفع المرأة إلى الهاوية، وليست تحريراً لها بل نحرٌ، وليست مساواةً لها لكنها مساوأةٌ بها".

ويحرص "النسويون"، كما أسماهم السعيدي، إلى تضخيم الحالات الفردية الخاطئة، والحديث عنها بغزارة، وتصويرها وكأنها وباء اجتماعي يقع في كل بيت، وذلك للوصول إلى وضع نظام كلي يتماشى مع الفكر النسوي.

وتتحدث النسويات عن التحرش ولا يتحدثون عن أسبابه، وفق "السعيدي"، لأن "الحقيقة لا تهمهن في القضاء على التحرش، لكن المهم لديهن النجاح في الوصول إلى أنظمة تعطي الفتيات حق عرض أنفسهن دون وازع من دين أو حياء، ومن غير خوف من أي تعرض لهن في أسوأ أحوالهن".

وعن تاريخ النسوية يقول السعيدي: "ظهرت الحركة النسوية عالمياً في أوائل القرن الميلادي الماضي؛ وكانت غايتها الوصول إلى عالم منقلب على فطرته تسقط فيه الأسرة والعفاف والحياء والرجولة والأنوثة، ونجحوا بشكل لم يكن العقل ليصدقه في الغرب والشرق، ويعملون على جر بلادنا لهذا الأتون مستخدمين ذريعة الحقوق".

ويعطي حديث السعيدي دلالة على رفض بلادهم لظهور "الحركات النسوية" التي بدأ الحديث عنها مع سياسة الانفتاح العامة التي تشهدها المملكة.

التمويل الأجنبي وتأثيره

وانطلاقاً من هيكليات تمويل المنظمات النسوية يتبين أنّ هناك أنواعاً مختلفة من الجهات المانحة في هذا المجال، وبشكل أساسي وكالات الأمم المتحدة، والسفارات الأوروبية، والمؤسسات الدولية، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية الدولية، وشركات القطاع الخاص الأجنبية، وشركات خاصة.

ومما يخشاه منتقدو الحركات النسوية، خصوصاً في الخليج، سطوة التمويل الأجنبي وأثره على المجتمع المحافظ بطبعه، والعمل على بث الكثير من الأفكار الغريبة؛ مثل رفع شعار التماثل الكامل بين الرجال والنساء في جميع الجوانب، ومن ضمنها التشريعية، والسعي لتوطين الفكر الغربي من خلال مفهوم "الجندر".

ويضاف لمساعيها إلغاء الفروق بين الجنسين، والإنكار التام لوجود جنسين مختلفين، وإلغاء مُسمى ذكر وأُنثى، ورفض حقيقة اختلاف الذكر والأنثى، وعبر مفهوم "الضحية" الذي تبنَّت الحركة منه آلية الانتقاد العام للرجال، وعمَّقت الشعور بالكراهية تجاه الرجل، ووجهت جهودها لخدمة هذا التوجه الجديد، وتأكيد نظريتها التي تقول: "إن المرأة ضحية لوجود الرجل".

وجهة نظر

كثيرة هي الكتب والمقالات والآراء التي طرحت بشأن "الحركة النسوية"؛ ومن بين ما نُشر  ما ذكره المفكر العربي عبد الوهاب المسيري، الذي يرى أن التعامل الأمثل مع قضية "التحرير النسوي" يجب أن يكون بدراسة الأمر "وفق نموذجنا المعرفي ومنظومتنا القيمية" التي يسبق فيها المجتمع والأسرة الفردَ والمادة.

ويرى المسيري في إحدى كتاباته أن الطريقة الأنسب لمحاربة ما أسماه (الطغيان/الإهمال) الذكوري ضد الأنثى، "يتجلى في سحب الرجل نحو الأسرة وواجبه المجتمعي، وليس بإخراج الأنثى من سياقها ووضعها في مقابلة تنافسية معه؛ لأنه في هذه الحالة ستتفكك الأسرة، التي تتصف بمحوريتها بالنسبة إلى الأمة، ويؤثر تفككها على تفكيك الدور المنوطة به هذه الأمة؛ لأنها الحلقة الوسيطة بين الفرد والمجتمع التي يتحول بدونها لمجموعة من العناصر المتنافرة".

ويعتبر المفكر الراحل أن البديل عن هذه "الحركة النسوية"، التي قال عنها في حينها إن مفاهيمها "تغزو مجتمعنا فتنقصه من أطرافه"، هو دراسة قضايا المرأة العربية المسلمة داخل إطارها التاريخي والإنساني، "لأن مشكلة المرأة بالنهاية مشكلة إنسانية لها سماتها الخاصة".

وكذلك، يضيف المسيري، ينبغي أن "نجترح حلولاً لمشكلاتنا متولّدة من نماذجنا المعرفية ومنظومتنا القيمية والأخلاقية، وإيماننا بالمشترك الإنساني بيننا؛ الإنساني الذي يسبق الفرد، كما يسبق الإنسان المادة، وبهذا يمكن: أن نستبدل الحديث عن "حقوق الإنسان" الفرد، و "حقوق المرأة" الفرد، و"حقوق الطفل" الفرد، بالحديث عن "حقوق الأسرة" نقطةَ بداية يتفرّع عنها "حقوق الأفراد" داخل منظومة الأسرة، وبهذا نتجاوز فكرة تحقيق الذات بشكل فردي مطلق إلى تحقيق الذات داخل إطار الأسرة".