اقتصاد » اتصالات

صفقة ملغومة.. هل تتسبب فودافون في أزمة بين مصر والسعودية؟

في 2020/03/04

متابعات-

مع تواتر الأنباء عن تخارج "فودافون" العالمية من حصتها في فرعها المصري، البالغة 55% من إجمالي قيمة الشركة، ورغبة شركة الاتصالات السعودية "STC" في الحصول على هذه الحصة، يخشى مراقبون أن الصفقة قد تتحول إلى قنبلة موقوتة تسبب أزمة سياسية بين القاهرة والرياض.

فالسوق المصرية تعد أقوى الأسواق ‏العربية في قطاع الاتصالات بسبب ارتفاع عدد المشتركين في خدمات الهواتف الجوالة، الذي قدرته بيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بأكثر من 94 مليون مشترك، بينهم 44 مليون مشترك في "فودافون"، ما يعني أن حصة الشركة السوقية تمثل 40% من إجمال حجم السوق المصري، وبذلك تكون أكبر مشغل لاتصالات الهاتف المحمول بالبلاد.

وتستحوذ الشركة المصرية للاتصالات على نسبة 45% من "فودافون مصر"، وينص القانون على أحقيتها بـ "الشفعة" في حال رغبتها في امتلاك كامل نسبة فودافون العالمية، باعتبارها شريكا يمتلك حصة كبيرة من الأساس.

لكن شركة الاتصالات السعودية "STC" أعلنت، في بيان صحفي، أنها ‏وقعت مذكرة تفاهم مع "فودافون العالمية"؛ لشراء 55% من أسهم شركتها ‏التابعة في مصر، بقيمة مبدئية 2.392 مليار دولار، وتوقعت إتمام عملية البيع في نهاية ‏يونيو/حزيران 2020.

ولما كان حق الشفعة يتيح للمصرية للاتصالات الأولوية في شراء أسهم فودافون العالمية في فرعها المصري بنفس السعر وشروط الاتفاق النهائي بينها وبين الاتصالات السعودية، فإن مضي الشركة المصرية للاتصالات قدما في تملك كامل أسهم فودافون ربما يتسبب في توتر سياسي بين القاهرة والرياض، وفقا لما نقلته صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن مصادرها.

أهمية الصفقة للسعودية

تزداد هذه المخاوف في ظل وجود رغبة واضحة لدى الرياض للاستثمار في قطاع الاتصالات المصري لسببين رئيسيين، أولهما أن القطاع يشهد نموا متصاعدا في مصر، وثانيهما هو ارتكاز رؤية المملكة 2030 الاستراتيجية، التي يتبناها ولي العهد "محمد بن سلمان"، على تنويع مصادر الدخل وإنهاء اعتماد الاقتصاد السعودي على موارد النفط.

ويعد قطاع الاتصالات أحد أهم البدائل الاستثمارية للمملكة، خاصة في ظل تسجيله نموا ملحوظا في أرباحه عام 2019، بقيمة تجاوزت 3 مليارات دولار، بحسب بيانات هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية.

وبدا واضحا اعتماد رؤية المملكة على قطاع الاتصالات كملاذ اقتصادي، حيث حققت المملكة تقدما كبيرا في مؤشر التنافسية العالمية (Global Competitiveness Index 2019) للقطاع، وتحتل اليوم المرتبة 38 عالميا في مؤشرات انتشار شبكات النطاق العريض وتطور البنية الرقمية.

وبما أن "STC" تستحوذ على 94% من اجمالي أرباح قطاع الاتصالات السعودي (تجاوزت الـ 8.3 مليار ريال في 2019)، وفقا لما أوردته صحيفة مال الاقتصادية، فإن الشركة هي فرس الرهان الأساسي للرياض في هذا السوق.

من هنا جاء حديث "الأخبار اللبنانية" عن "غضب سعودي مضاعف" من توجّه الحكومة المصرية نحو شراء كامل حصة فودافون في فرعها المصري، في ظل وجود "اتفاق سرّي" على البيع بين الشركة العالمية و"STC" تمّ التوصّل إليه خلال الأشهر الماضية، قبل أن تدخل الحكومة المصرية على خط الاتفاق عن طريق "المصرية للاتصالات".

تمنع مصري

وفي هذا الإطار، يشترط القانون موافقة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر لإتمام ‏عملية الاستحواذ المحتملة لشركة "الاتصالات السعودية" ‎على "‏فودافون مصر"، ويشدد على أن للجهاز "الحق في اتخاذ كافة ‏الإجراءات والتدابير اللازمة لحماية الأمن القومي والمصلحة ‏العامة للدولة، ومراعاة المنافسة وحماية المستخدمين"، وفقا لبيان أصدره في 30 يناير/كانون الثاني الماضي.

وتستند اشتراطات الجهاز إلى أحكام القانون رقم 10 لسنة 2003 الخاص بتنظيم الاتصالات ‏والترخيص. ولكن العديد من مراقبي الشأن المصري يرون أن هناك مغزى سياسي لرغبة الحكومة المصرية للسيطرة على قطاع الاتصالات بعيدا عن الأهداف الاقتصادية البحتة.

وتدعم هذه القراءة الموقف المالي لـ "المصرية للاتصالات"، التي تعاني من ديون تصل قيمتها إلى 15 مليار جنيه، وهو ما جعل طلبها لشراء حصة فودافون العالمية بفرعها المصري يبدو مفاجئا.

فالمضي قدما في هكذا صفقة سيزيد من ديون الشركة المصرية بقروض أخرى للاستحواذ على "فودافون مصر"، الأمر الذي ضاعف من إزعاج السعودية خاصة وأن الشركة المصرية تمتلك بالفعل منافسا مستقلا في شوق الهواتف المحمولة المصري هو شركة "وي".

لكن ملابسات تخارج "فوادفون" من السوق المصري تشي بأبعاد غير اقتصادية أصلا، إذ جاءت بعد دراسات وشكاوى قدمتها الشركة العالمية إلى جهاز تنظيم الاتصالات بشأن تدخل "المصرية للاتصالات" لانتزاع العملاء منها، وغياب المنافسة العادلة، فضلاً عن ممارسة "ضغوط سياسية" عليها عبر إطلاق دعوات إلى مقاطعتها من قِبَل جهات سيادية بسبب استثماراتها في قطر، بحسب مصادر الأخبار اللبنانية.

بخلاف ذلك، يبدو أن سلوك جهاز تنظيم الاتصالات المصري يأتي في إطار سيناريو "تأميم قطاع الاتصالات" في البلاد لصالح الجيش، وهو ما سبق لـ "الخليج الجديد" تناوله في تقرير سابق (طالع).

تأميم أم مناورة؟

ويتعلق هذا السيناريو برغبة المؤسسة العسكرية في السيطرة على سوق الاتصالات الحيوي، الذي يعد واحدا بين عدد قليل من الأسواق غير الخاضعة لهيمنة الجيش بشكل تام، وضمان ولاء كل الشركات لها بحيث تكون مسيطرة على كل الموارد الاقتصادية للدولة، حسبما ما نقله موقع الجزيرة نت عن الأستاذ بجامعة أوكلاند الأمريكية "مصطفى شاهين".

ويلفت "شاهين" في هذا الصدد إلى أن "جنرالات الجيش المصري أدركوا أن "سيطرة القطاع الخاص على الاقتصاد كان أحد أسباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 لذلك قرروا السيطرة على السوق".

ويصعب تحديد حجم الإمبراطورية العسكرية بالاقتصاد المصري، لكن تقديرات مستقلة تشير إلى أن الجيش يسيطر على ما بين 50 و60% من الاقتصاد الوطني، ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس المصري الحالي "عبدالفتاح السيسي" منتصف عام 2013، توسعت مشروعات الجيش، وباتت تسند إليه مشروعات وصفقات حكومية بالأمر المباشر.

وفي هذا السياق، حاول نظام "السيسي" الاستحواذ على شركة فودافون عن طريق زيادة الحصة المملوكة للشركة المصرية للاتصالات (حكومية) في فودافون مصر، وصولا إلى نسبة 49%، لكن المجموعة المصرية اضطرت لاحقا إلى بيع نسبة 4% من أسهمها بعد أن احتجت فودافون على "التغول الحكومي" وهددت باللجوء إلى الحكومة البريطانية، لتستقر نسبة الأسهم المملوكة للحكومة المصرية في الشركة عند 45%.

وبالنظر إلى أن جهاز المخابرات العامة المصري يملك حصة حاكمة في الشركة المصرية للاتصالات، وأن تلك الشركة لها حق ‏شراء أسهم فودافون العالمية في فرعها المصري ‏وفق مبدأ "الشفعة" الذي يقره القانون المصري، فضلا عن امتلاكها حق رفض بيع أسهم الشركة البريطانية لأي مستثمر، يمكن استشراف ملامح مشروع تأميم قطاع الاتصالات في مصر.

وفي ضوء هذا المشروع السيادي، يبدو من غير المرجح سماح الحكومة المصرية باستحواذ "STC" على حصة حاكمة في شركة فودافون مصر.

غير أن محللين آخرين، بينهم رئيس البحوث في شعاع لتداول الأوراق المالية، "عمرو الألفي"، يرون أن موقف جهاز تنظيم الاتصالات يأتي في سياق "مناورة تجارية" تستهدف رفع قيمة سهم فودافون مصر بهدف بيع حصة "المصرية للاتصالات" بعائد مجز لصالح "STC".

ويدعم رئيس وحدة البحوث في شركة مباشر المالية "هشام الشبيني" هذه القراءة، في ظل عدم واقعية لجوء "المصرية للاتصالات" لحق الشفعة مع بقاء أزمة ديونها حالية ونقص السيولة لديها، وعدم رغبة الشركة في التورط في مزيد من القروض حتى لا تؤثر سلبيا على مؤشرات رافعتها المالية، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

ويرجح "وائل زيادة"، محلل شؤون الاتصالات سابقا والرئيس الحالي لشركة الاستثمار "زيلا كابيتال"، أن "المصرية للاتصالات" تسعى لجمع أموال إضافية تحتاجها بشدة بعد أن أطلقت شبكتها الخاصة للهاتف المحمول في 2017، وأن "STC" لن تجد مشكلة في استيعاب التكلفة الإضافية لصفقة شراء حصة الشركة المصرية بفودافون مصر، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز".

فهل تدخل الشركة السعودية لتهيمن على أكبر حصة لاتصالات الهاتف في مصر؟ أم يتم تمصير القطاع بالكامل في إطار سيناريو التأميم غير المباشر؟ مصير صفقة حصة فودافون العالمية من فرعها المصري يحمل الإجابة.