سياسة وأمن » صفقات

السعودية وهستيريا التسلّح .. إنفاق هائل بلا طائل

في 2020/02/28

مبارك الفقيه- راصد الخليج-

للعام الثاني على التوالي تعلن المملكة العربية السعودية عن ميزانية مالية بأرقام عالية، فبلغت للعام 2020 نحو 272 مليار دولار، لتشكّل ثاني أضخم ميزانية في تاريخ المملكة بعد ميزانية العام 2019، واحتلّ الإنفاق على الصحة والتنمية الاجتماعية المرتبة الأولى، ثم قطاع التعليم، واحتلّ الإنفاق العسكري المرتبة الثالثة، ويبقى الهدف الأساسي توظيف إنفاق هذه الميزانية "لتنفيذ البنى التحتية والمشاريع والبرامج الإجتماعية التي تخدم تحقيق رؤية المملكة 2030"، بحسب ما أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان.

والشأن الإجتماعي وفق "الرؤية - الحلم" ينسجم مع الخطط والبرامج التي تم تنفيذها في العام 2019 بهدف تحقيق أعلى نسبة ممكنة من الإنفتاح والحرية، عبر توفير البنى التحتية الملائمة وإقامة المزيد من المنشآت الفنية والترفيهية، فضلاً عن الإجراءات التي يتم العمل عليها وبشكل حثيث، لتغيير المناهج التربوية والتعليمية في المدارس والمعاهد والجامعات، واعتماد طرق وأساليب ومضامين مختلفة تماماً عن المعتمدة سابقاً، بما يعطي صورة جديدة عن انتقال المملكة من الطور المتخلّف إلى الطور المتحضّر، وبما يتوافق مع الـ style الغربي.

ولكن الحديث الآن عن التسلّح الذي لا يزال يتصدّر أولويات المملكة على الرغم من تباطؤ معدّلات النمو (تصدرت السعودية معدّلات الإنفاق الخليجي وفق التقرير السنوي الذي أصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حول الميزانيات العسكرية للعام 2019) ويحجز مكانه الأول في أولويات الصرف المالي، سواء وفق ما جاء في الميزانية السنوية المقرّة، أو وفق ما يرتأيه القرار الملكي من استثناءات نظراً لما تقتضيه المصلحة العليا لأمن البلاد.

وقد يكون هذا الأمر مطلوباً وضرورياً في الحسابات الستراتيجية المتعلقة بأمن المملكة، ولكنه يفرض مجموعة من التساؤلات عن جدوى المبالغة في صرف الأموال على التسلّح في موازاة مجموعة من الوقائع الضاغطة، وأهمها العجز المالي الذي تجاوز وفق تقديرات ميزانية العام 2020 عتبة الخمسين مليار دولار، فيما تجاوز حجم الدين العام مع نهاية العام 2019 عتبة 183 مليار دولار، أي نحو 24 % من الناتج المحلي.

إن دفن الرأس في الرمل لن يخفي حقيقة أن الاستنزاف الأكبر للسعودية يأتي في الإنفاق المالي العسكري، عبر إبرام صفقات شراء السلاح أو تمويل العمليات الحربية، ولكن الاستنزاف المضاف اجتماعياً وسياسياً وحتى أخلاقياً يتمثّل في التورّط المستمر للمملكة في حرب اليمن دون تحقيق أي هدف، وهذه الحرب بصواريخها وطائراىها المسيّرة تسبّبت بأزماتٍ انعكست سلباً على الإستقرار الداخلي من جهة أولى، ومن جهة ثانية أسقطت المملكة في امتحان الصدقية، والأخلاقية الاجتماعية والمدنية، وفي إطار معادلة حقوق الإنسان، فالسعودية تشكّل رأس الحربة في مستنقع اليمن وتتزعم التحالف الذي انفرط عقده شيئاً فشيئاً، وبالتالي فإن القتلى المدنيين اليمنيين الذين يسقطون عقب كل غارة جوية أصبحوا بمثابة شواهد إدانة على وحشية هذه الحرب بأيدٍ سعودية.

نعم.. يجب الاعتراف بأن المسؤولين السعوديين فشلوا في إدارة الحرب على اليمن على المستويين السياسي والعسكري، وكذلك في المجالين الإعلامي والدعائي، حتى بات هذا الفشل يشكّل عبئاً ثقيلاً تستخدمه المنظمات الحقوقية العالمية بدون استثناء في تحذير الدول الأوروبية من السماح للسفن السعودية بتحميل أسلحتها من على موانئها ولا سيما في فرنسا وبلجيكا، كما تستغله بعض الدول الغربية كأداة ضغط وتحكّم بقرار الرياض، وأبرزها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وكندا، وأبرز هذه المحاولات حظر الحكومة الألمانية تصدير الأسلحة إلى السعودية، وهو قرار اتخذ في آذار/ مارس عام 2018  بسبب حرب السعودية على اليمن وأضيفت إليه قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وتم تمديد العمل به حتى 31 آذار/ مارس المقبل.

وعلى الرغم من أن الأسلحة الألمانية تشكل أقل 2% من إجمالي واردات الأسلحة السعودية، إلا أن هذا الحظر يؤثر على مشاريع دفاعية مشتركة مع دول أوروبية لتصنيع مقاتلات يوروفايتر ومقاتلات تورنيدو، وهو ما دفع بوزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إلى دعوة برلين لإنهاء قرار الحظر وأن "تتفهم ألمانيا حاجة السعودية إلى "وسائل للدفاع عن النفس"، وهذا الإصرار على التسلّح يطرح أسئلة أساسية تحتاج إلى أجوبة كبيرة، أهمها:

هل يعتبر المسؤولون في الرياض أن الدول الغربية تتفهّم بالفعل هذه الحاجة تحت عنوان الحلف والشراكة؟ّ!
أم أنها تمارس عملية ابتزاز للمملكة سياسياً ومالياً سعياً لتطويع قرارها الوطني؟!
وفي المقابل هل هناك حاجة فعلية تبرّر تحويل المملكة - بفعل هوس التسلّح - إلى حظيرة كبيرة تضم ثكنات عسكرية موزّعة في كل الجزيرة العربية؟!
لماذا لا يتم تفعيل المعالجات السياسية لأزمة اليمن بشكل حقيقي وواقعي، يقود إلى إنهاء الاستنزاف العسكري والمالي والبشري، والانتقال إلى تنفيذ المشاريع التنموية والاجتماعية التي يتطلّبها المجتمع السعودي؟!

استحضرت هستيريا التسلّح السعودي النموذج الإسرائيلي، الذي حوّل الأراضي المحتلة في فلسطين إلى ثكنات عسكرية في ظل رهاب دائم من التعرّض للهجوم، فيبقى الكل في حال استنفار، فهل هذا ما تريده المملكة لأبنائها؟! ويبقى السؤال الجوهري: بعد اهراق مئات مليارات الدولارات على الإنفاق العسكري، وبعد خمس سنوات من الفشل في تحقيق أهداف الحرب على اليمن.. هل نجحت السعودية فعلاً في ضمان أمنها واستقرارها؟!