علاقات » تركي

أزمة تتجدد.. ما دور دحلان في تآمر الإمارات على تركيا؟

في 2020/02/17

الخليج أونلاين-

لا يزال الانقلاب الفاشل الذي حدث في تركيا يوم الخامس عشر من يوليو 2016 محطة فارقة في تاريخ العلاقات الإماراتية التركية، بعد الاتهامات المتكررة من أنقرة لأبوظبي بالوقوف وراء ذلك الانقلاب.

وتوسعت الفجوة وازداد التوتر في علاقات تركيا والإمارات خلال السنوات القليلة الماضية، تزامناً مع تفجر الأزمة الخليجية، وما رافقها من حصار دبلوماسي واقتصادي من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، قابله دعم تركيا عسكرياً للدوحة.

وتشير تركيا إلى محمد دحلان، النائب الفلسطيني المفصول من حركة فتح، المقيم حالياً في الإمارات، بضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة التي تتهم بها "تنظيم غولن" بالوقوف خلفها؛ وذلك بتنظيمه ورعايته لتلك المحاولة الانقلابية، كما عرف عن المسؤول الأمني السابق في السلطة الفلسطينية بأنه تزعم الكثير من الثورات المضادة انطلاقاً من مصر وصولاً إلى ليبيا.

هجوم جديد

في 16 فبراير الجاري، قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، إن الإمارات تسعى للنيل من تركيا وإثارة الفوضى بداخلها.

وفي مقابلة بثتها قناة "الجزيرة" قال الوزير التركي إن أبوظبي تسعى لإثارة البلبلة وزرع الفتنة وإلحاق الضرر بتركيا.

وأشار صويلو إلى أن دحلان، القيادي الذي يعمل حالياً مستشاراً أمنياً لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، "شخص يسعى لزرع الفتنة، ونتعامل معه كإرهابي".

وسبق أن اتهمت تركيا الإمارات بإنفاق 3 مليارات دولار، دعماً لانقلاب فاشل وقع في يونيو عام 2016.

دحلان مطلوب لتركيا

في 22 نوفمبر 2019 أعلنت تركيا أنها ستدرج دحلان في قائمة الإرهابيين المطلوبين لديها، وعرضت 700 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لإلقاء القبض عليه.

وذكر وزير الداخلية التركي، في حديث لصحيفة "حرييت" التركية، أن الوزارة ستدرج اسم دحلان في قائمة الإرهاب الحمراء التي تتألف من إرهابيين مطلوبين لتركيا.

وتتهم تركيا دحلان بأنه "مرتزق يعمل لحساب دولة الإمارات"، وبالمشاركة في محاولة انقلاب عام 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان.

وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قد وصفه في مقابلة خاصة مع قناة "الجزيرة"، في نهاية أكتوبر الماضي، بـ"الإرهابي" و"العميل لإسرائيل".

كما اتهم جاويش أوغلو دولة الإمارات "بإيواء إرهابي"، وقال في مقابلته مع "الجزيرة": "لقد فر (دحلان) إليك لأنه عميل لإسرائيل"، كما اتهم الإمارات بمحاولة استبدال دحلان بمحمود عباس "أبو مازن" على رأس السلطة الفلسطينية.

طحنون والسفير التركي

في ديسمبر من عام 2019، عقد لقاء جمع مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، مع السفير التركي لدى الإمارات، جان ديزدار، في وقتٍ كانت تثار تساؤلات عما إن كانت التحركات الإماراتية تهدف إلى حماية رجلها الفلسطيني، من خلال تقديم تنازلات مقابل تخلي أنقرة عن مطالبتها بإلقاء القبض على دحلان، أم أن اللقاء يحمل أبعاداً أخرى.

ويعد ذلك اللقاء نادراً من نوعه، حيث جرى في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين الإمارات وتركيا توتراً بسبب قضايا خلافية عدة، خاصة موقف تركيا من الأزمة الخليجية، وسياساتها في ليبيا، وعملياتها العسكرية في سوريا، مقابل الاتهامات الموجهة للإمارات بمحاولة زعزعة الاستقرار في تركيا والتلاعب بعملتها الاقتصادية.

وذكرت وكالة "وام" الرسمية الإماراتية أن السفير التركي نقل تهنئة الحكومة التركية بمناسبة اليوم الوطني الـ48 للإمارات.

وأوضحت أن اللقاء بين "ديزدار" تطرق إلى "مجمل القضايا الإقليمية، وعدد من المسائل والملفات التي تهم البلدين، فضلاً عن العلاقات الثنائية".

وركز الجانبان، حسب "وام"، على "أهمية العمل معاً لزيادة التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين والتعاون في مجالي السياحة والثقافة"، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام طرح تساؤلات وفرضيات عدة.

ماذا دار في لقاء طحنون؟

وعقب لقاء طحنون بالسفير التركي كشف حساب "بدون ظل"، الذي يعرّف نفسه أنه ضابط في جهاز الأمن الإماراتي، ودائماً ما يسرب أخباراً يتضح لاحقاً أن لها الكثير من الصدقية والصواب، تفاصيل الاجتماع المذكور.

وقال الحساب الإماراتي الشهير في تغريدة على "تويتر" إن بن زايد (الحاكم الفعلي للإمارات) هو من أمر شقيقه طحنون بلقاء سفير تركيا جان ديزدار، وتقديم عروض استثمارية إلى تركيا.

وأضاف: "طحنون طلب من السفير التركي سحب طلب إلقاء القبض على دحلان الذي تقدمت به تركيا للإنتربول الدولي، بعدما انحصرت تحركات دحلان بنسبة كبيرة"، مشيراً إلى أن ولي عهد أبوظبي "يعلم بقوة المخابرات التركية".

دحلان ومصلحة الإمارات

يقول المحلل السياسي التركي رضوان فراس أوغلو إن الدول لا يمكن أن تربط مصيرها أو علاقاتها الخارجية بمصير شخص ما، سواء دحلان أو غيره، لكنه يرى أن زيارة السفير التركي لمستشار الأمن القومي الإماراتي "ربما يكون في سياق قراءة سياسية استراتيجية للمشهد الحالي في المنطقة".

وأشار، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الإمارات قد تطلب بقاء دحلان لديها وعدم المطالبة به دولياً إن كان لها مصالح معه، "وهذا الطلب يمكن أن يحدث خصوصاً في الأمور التي تتعلق بالاستخبارات والسياسة، على عكس القضايا القانونية الجنائية".

وأضاف: "بالإمكان أن يحدث هذا الأمر إن طلبت أبوظبي من أنقرة إخراج دحلان من قائمة المطلوبين للمخابرات التركية والقضاء التركي، إن كان لها مصلحة في هذا السياق، لكن أعتقد أن المحادثات بين الطرفين تأتي لإعادة رسم العلاقات بين البلدين سياسياً، وقراءة المشهد السياسي".

وأوضح أن الإمارات أيقنت فشلها في الضغوط السياسية والإعلامية التي انتهجتها ولم تجدِ مع تركيا، ما قد يدفعها للبحث عن "صياغة وفاق مع تركيا أفضل من الخلاف، كما فعلوا مع إيران سابقاً والزيارات إلى طهران".

وأضاف موضحاً: "تركيا ليست دولة خطيرة كما إيران، حيث تعد طهران أخطر على الإمارات والخليج العربي بشكل عام، وتركيا ليس لها وجود سلبي أو خطير في منطقة الخليج، بل لديها وجود إيجابي لمصلحة تلك الدول".

وتابع قائلاً: "ربما يأتي هذا اللقاء في سياق الزيارة التي قام بها الرئيس التركي أردوغان إلى قطر، وزيارته خصوصاً لقاعدة خالد بن الوليد العسكرية، وهذا أمر مهم بالنسبة لأبوظبي".

وفيما يتعلق بالاستثمارات، التي أشيع عن بحثها خلال لقاء طحنون بالسفير التركي، للتنازل عن طلب القبض على دحلان مقابل تقديم مزيد من الاستثمارات الإماراتية، قال فراس أوغلو: إن "الاستثمار الإماراتي قائم بشكل كبير في تركيا، وهذا الأمر لا أعتقد أنه محل اهتمام كبير".

لماذا تتحرك تركيا ضدّ دحلان؟

تقول قناة "TRT" التركية الرسمية بالعربية إن التحرك التركي يأتي بسبب الأدوار التي لعبها دحلان ضدّ تركيا، إضافة إلى دعمه "تنظيم غولن الإرهابي".

وأضافت: "من الأسباب أيضاً محاولة تشويه صورة الرئيس التركي أردوغان عربيّاً وغربيّاً، وذلك بالخروج على وسائل الإعلام وفي الملتقيات والاجتماعات التي يكون دحلان حاضراً فيها، والبدء برمي التهم والادِّعاءات الكاذبة التي تستهدف تركيا وشعبها ورئيسها".

وأوضحت أن هذه "الصفعة التركية التي وُجّهت إلى دحلان لم تكُن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة للمتابعة والبحث والتدقيق حوله، إلى أن دقّت ساعة الصفر وكانت اللائحة الحمراء بانتظاره لينضمّ إلى قافلة الإرهابيين المدرجين على القوائم التركية والمطلوبين للعدالة".

وتابعت: "لم يكُن ملف دحلان الإجرامي وسعيه لبَثّ السموم مقتصراً على دعم التنظيمات الإرهابية ضدّ تركيا، بل امتد الأمر إلى قضايا أخرى ثبت ضلوعه فيها، ومنها قضية اغتيال الصحفي السعوديّ جمال خاشقجي في قنصلية السعوديَّة بإسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018".

وفي الثامن عشر من نوفمبر 2018 كشفت مصادر تركية، أن مجموعة على ارتباط بدحلان وصلت إلى تركيا قبل يوم واحد من جريمة الاغتيال، ويوم العملية رُصد دخولهم إلى القنصلية، حسب صحيفة "يني شفق" التركية.

وفي الرابع من الشهر ذاته أنهت تلك المجموعة داخل القنصلية مهمتها، التي كانت تدور حول مسح الأدلّة التي تُدِين مرتكبي الجريمة، وإزالتها من مسرح الجريمة، وقد وثّقَت السلطات التركية صور أعضاء الفريق المكوَّن من 4 أشخاص.

صدام إماراتي تركي

وتعيش تركيا والإمارات على وقع صدام معلن منذ اتهام أنقرة دولاً لم تسمها، بدعم  الانقلاب العسكري الذى وقع في البلاد سنة 2016، بهدف الإطاحة بأردوغان من رئاسة البلاد، وتسليط القنوات الإخبارية المحسوبة على أبوظبي الضوء على تلك المحاولة، والترويج لأخبار كاذبة منها هرب الرئيس التركي إلى ألمانيا.

واتهمت تركيا بشكل غير مباشر الإمارات بلعب دور مشبوه، وسعيها لاستهداف تركيا من خلال قيامها بإنفاق 3 مليارات دولار بهدف الإطاحة بأردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" من السلطة، مع تقديم الدعم الكامل للانقلابين في محاولتهم الفاشلة.

كما أن وقوف تركيا إلى جانب قطر في الحصار المفروض منذ يونيو 2017، أسهم في توتر الأجواء السياسية بين الإمارات وتركيا، بعدما رفضت الأخيرة إخضاع إرادة قطر السياسية أو تغيير أيديولوجيتها لصالح ما تتبناه دول الحصار من أفكار وسياسات تسعى لتنفيذها على أرض الواقع.

وسبق هذه الخلافات غضب تركي من مساهمة الإمارات، في 2013، في الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، فقد وجهت اتهامات لأبوظبي بتقديم مليارات الدولارات لإنجاح الانقلاب، وهو ما أزعج تركيا يومها، وما تلا ذلك من حملة قمع واسعة النطاق للإسلاميين والزج بهم في السجون وإعدام بعضهم وحرمانهم من محاكمات عادلة.