اقتصاد » فساد

كيف أصبحت قطر مركزاً عالمياً لمكافحة الفساد؟

في 2020/01/31

الخليج أونلاين-

لم يكن من باب المصادفة أن تحتل قطر أهمية عالمية ويتم اختيارها مركزاً دولياً للتدريب في مجال مكافحة الفساد، وأن تتبوأ المرتبة الـ30 عالمياً حسب نتائج منظمة الشفافية الدولية، بل هي ترجمة حقيقية وواقعية للعديد من الخطوات التي اتُّخذت لمحاربة الفساد في قطر، ونشر الشفافية في المؤسسات المحلية المختلفة.

ومع بدء الأمم المتحدة العمل على اتفاقية مكافحة الفساد، التي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2005، سارعت الدوحة إلى اتخاذ العديد من الخطوات الهامة لوضع الاتفاقية موضع التنفيذ؛ كان أبرزها إقامة مركز يستفاد منه لمكافحة الفساد، عام 2009.

كما جاء هذا الاختيار تتويجاً لتصدر قطر في مكافحة الفساد، ومستويات التنمية والتطور البشري، والإدارة العامة الفعالة، والمستويات العالية من الناتج المحلي الإجمالي، والصحة، والتعليم.

الدوحة ومكافحة الفساد

وحققت دولة قطر، حسب نتائج مؤشر مدركات الفساد لعام 2019 التي أصدرتها منظمة الشفافية الدولية، 62 نقطة جعلتها تتبوأ المرتبة الـ30 عالمياً، متقدمة بواقع 3 مراكز عن العام السابق له.

ويستقي المؤشر بياناته من عدد من المؤشرات الفرعية التي تصدر عن منظمات دولية مرموقة؛ منها: البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومنظمة IMD، ومؤسسة برلتسمان، وحدة المعلومات المالية للـ Economist.

ويأتي إعلان نتائج هذا المؤشر ليؤكد أن قطر أعلى بنحو 23 نقطة عن متوسط منطقة الشرق الأوسط، وأعلى بنحو 19 نقطة عن المتوسط العالمي.

ووفقاً لنتائج المؤشر فإن دولة قطر تأتي في طليعة دول المنطقة والعالم في مجال مكافحة الفساد، إذ حققت 62 نقطة على المؤشر، مع اعتبارها من دول القمة فيما يتعلق بالأفضل أداء في المنطقة.

وتقدمت قطر في ذلك بفارق 23 نقطة عن المتوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -ومنها الدول العربية- وهو 39 نقطة، وأكثر بفارق 19 نقطة عن المتوسط العالمي وهو 43 نقطة، علماً بأن أكثر من ثلثي بلدان العالم تقل عن 50 نقطة.

ويأتي تميز دولة قطر على الرغم مما أعلنته المنظمة من معاناة أكثر من ثلثي البلدان -ومنها العديد من الدول ذات الاقتصادات الأكثر تقدماً في العالم- من الركود أو ظهور علامات تدل على تراجع جهودها في مكافحة الفساد.

ويصنف مؤشر المنظمة الدولية 180 دولة حسب مستويات إدراك الفساد في القطاع العام، مستخدماً في ذلك مقياساً من صفر "فاسد للغاية" إلى 100 "نظيف جداً".

مشاريع طموحة

حمد بن ناصر المسند، رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، أكد في بيان له أن نتائج المؤشرات الدولية بالنسبة إلى دولة قطر تؤكد -من بين أمور أخرى عديدة- نجاحها في الحفاظ على ريادتها وتقدمها في مجالات عدة.

ومن هذه المجالات، وفق المسند، مجالات النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، "على الرغم من جميع الظروف المحيطة، وعلى رأسها الحصار الجائر المفروض عليها".

وتعمل هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، كما يؤكد المسند، على عدد من المشروعات الطموحة التي تعزز معايير الشفافية والنزاهة في الدولة، وكذلك تُساهم في الجهود الدولية ذات الصلة، وهو ما ينعكس على المؤشرات الدولية ذات الصلة.

وتعد قطر قبلة إقليمية وعالمية للخبرة الفنية في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، وفق المسند.

كما عملت قطر على تعزيز ريادة الدولة عالمياً؛ من خلال وضع هيئة الرقابة الإدارية والشفافية خطة طموحة لجعل البلاد مركزاً إقليمياً وعالمياً في مجال النزاهة ومكافحة الفساد، وهو ما يجعل الدوحة قبلة للباحث عن العلم والخبرة في هذا المجال.

وتكمن أهمية المبادرة في كونها تُسهم في تعزيز الجهود الدولية لدولة قطر في هذا المجال، ونقل الممارسات الدولية الفضلى إلى الدولة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، والتعريف عالمياً بجهود دولة قطر في هذا المجال، حسب المسند.

وتعمل الهيئة، حسب رئيسها، على التنسيق مع جميع الجهات الوطنية المعنية في الدولة للتنسيق وتضافر الجهود لتحقيق هدف مكافحة الفساد.

وتحرص هيئة الرقابة الإدارية والشفافية على بناء الشراكات الدولية بين الدولة ومنظمات دولية مرموقة، وإبرام مذكرات تفاهم مع منظمات دولية ومنظمات أجنبية نظيرة، كما يؤكد المسند.

ومن هذه المؤسسات التي تتعاون معها الهيئة القطرية الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد، والمفوضية المستقلة لمكافحة الفساد بكوريا الجنوبية.

كما سيعمل رئيس هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، بداية هذا العام، على توقيع عدد من مذكرات التفاهم مع دول ومنظمات أممية وأجنبية أخرى، كما يؤكد المسند.

في 1 أغسطس 2019، وقَّع "مركز حكم القانون ومكافحة الفساد الوطني" القطري اتفاقية شراكة مع معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث، بمدينة جنيف السويسرية.

الاتفاقية تهدف إلى جعل الدوحة مركزاً للتدريب في مجال مكافحة الفساد، وفق بيان أصدرته الخارجية القطرية، حيث تتيح الاتفاقية تقديم برنامج تدريب متقدم لعدد يزيد عن 1200 شخص من مختلف الدول.

كما "سيتم اختيار 240 متدرباً متميزاً ضمن برنامج تدريب المدربين، وسيستمر هذا البرنامج عامين".

ويهدف البرنامج أيضاً إلى بناء قاعدة عالمية هدفها زيادة التعريف بمكافحة الفساد، وتبادل المعلومات بين الخبراء، وتوفير خبراء جدد ومتميزين على مستوى العالم في هذا المجال، بحسب البيان.

شراكة هامة

ويرى المحامي حواس الشمري، عضو مجلس إدارة جمعية المحامين القطرية وعضو لجنة قبول المحامين، أن الاتفاقية تعد "بداية لشراكة هامة ومميزة بين معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث في جنيف، ومركز حكم القانون ومكافحة الفساد في الدوحة".

وأوضح أن هذه الشراكة "لن تقتصر ثمارها على أطراف الاتفاقية؛ بل سيجني ثمارها أيضاً ما يفوق 1200 متدرب من شتى بقاع العالم".

وأضاف في حديث لـ"الخليج أونلاين": إن الاتفاقية "تعكس المكانة التي وصلت إليها دولة قطر في مكافحة الفساد على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتأكيداً لاهتمام حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله، في مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية".

ولفت إلى أن هذه الخطوة "تعكس أيضاً المراكز المتقدمة التي تحتلها دولة قطر في المؤشرات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد، وعلى رأسها مؤشر مدركات الفساد العالمي".

خطوات في مكافحة الفساد

وكانت قطر وقعت، في عام 2007، على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تنص على إنشاء هيئة مستقلة بهذا الخصوص، وصدر قرار أميري بإنشاء "اللجنة الوطنية للنزاهة والشفافية" في العام نفسه، وهي تضم ممثلين عن "مصرف قطر المركزي"، والنيابة العامة، ووزارات الاقتصاد والتجارة والخارجية، ومؤسسة قطر للبترول.

وصدر القرار الأميري رقم 75 لسنة 2011 بإنشاء هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، وافتتح نهاية العام بحضور بان كي مون، الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة، "مركز حكم القانون ومكافحة الفساد" في الدوحة، بالشراكة مع الأمم المتحدة.

وفي 24 أبريل 2012، وقعت قطر مع الأمم المتحدة اتفاقية لتفعيل مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين، في سبتمبر 2011، بشأن مساندة جهود الأمم المتحدة في مجال حكم القانون ومكافحة الفساد.

في عام 2013، صدر القرار الأميري رقم 94 بالموافقة على إنشاء مؤسسة مركز حكم القانون ومكافحة الفساد، وفي يوم 9 سبتمبر من نفس العام شاركت قطر في اجتماعات الدورة الـ52 للمنظمة الاستشارية القانونية الآسيوية الأفريقية بالعاصمة الهندية نيودلهي.

وتصدّرت دولة قطر عام 2014 الدول العربية، وتربعت على المرتبة الأولى في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، الذي يضم 68 دولة.

جائزة تميم السنوية!

في عام 2016 صبّ "مركز حكم القانون ومكافحة الفساد" في قطر اهتمامه على محاربة هذه الظاهرة، واختير اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي يصادف التاسع من ديسمبر، موعداً لإطلاق جائزة "الشيخ تميم للتميز في مكافحة الفساد".

وبدعم من مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة تم تدشين الجوائز السنوية لمسابقة "الشيخ تميم" في دورتها الافتتاحية، خلال حفل خاص أُقيم في العاصمة النمساوية فيينا، عام 2016.

وتُقدَّم الجائزة للأشخاص الذين ساهموا في الحملة العالمية لمكافحة الفساد، كما أنها تكرّم الأفراد والمؤسسات الذين تفانوا في هذا المجال من منطلق بعض المعايير والصفات.

حضور دولي

في مايو 2016، انتخبت الجمعية العامة للرابطة الدولية لهيئات مكافحة الفساد، التي تضم في عضويتها أكثر من 140 دولة، النائب العام القطري، الدكتور علي بن فطيس المري، رئيساً لها.

واحتلت دولة قطر المرتبة الـ33 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018، من بين 180 دولة شملها المؤشر، حيث حققت الدوحة 62 نقطة، وبذلك تحافظ على المرتبة الثانية على مستوى الدول العربية ودول الشرق الأوسط، في حين أن أكثر من ثلثي الدول حصلت على أقل من 50 في المؤشر لهذا العام.

ويؤكد الباحث السياسي محمد بن سليمان، أن الخطوات التي تقوم بها قطر في مكافحة الفساد وإقامة المؤتمرات ومراكز التدريب "تعد مؤشراً كبيراً على ريادة قطر في مجال مكافحة الفساد ونشر تلك الثقافة في المنطقة والعالم".

ويوضح في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "ما يلاحظه الجميع أن الدوحة مصممة على الأخذ بيد دول المنطقة للتنمية ومكافحة الفساد، ودعم الشعوب والدول التي تقاتل من أجل هذا الأمر".

وأضاف: "لا شك أن الخطوة الأخيرة التي حدثت بتوقيع اتفاقية التدريب في قطر، التي اتخذتها الدوحة والأمم المتحدة، تعد حلولاً مبتكرة تجاه آفة خطيرة تهدد مكتسبات التنمية في كافة الدول".