علاقات » اسرائيلي

بين دعم حقوق الفلسطينيين والتفريط بها.. كيف انقسم الخليج حول صفقة القرن؟

في 2020/01/31

الخليج أونلاين

بعد طول انتظار وترقب تخلله الكثير من التسريبات حولها، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء (28 يناير 2020)، عن خطته للسلام الخاصة بتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فيما بات يُعرف إعلامياً بـ"صفقة القرن"، وسط احتفاء بعض الحكومات الخليجية بها علناً، دون أدنى خجل.

وصدم ترامب العالمين العربي والإسلامي، وقطاعاً كبيراً من الأسرة الدولية؛ عقب طرح الخطة الأمريكية للسلام التي تبنت بالكامل مطالب "إسرائيل"، وأجحفت كثيراً بحقوق الفلسطينيين التاريخية، وابتعدت عن مطالبهم بإقامة دولة مستقلة كاملة السيادة على حدود عام 1967، وهو المتعارف عليه عربياً بحسب المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها السعودية عام 2002.

لكن اللافت أن دولاً خليجية، وهنا يدور الحديث حول السعودية والإمارات والبحرين، سارعت بعد ساعات قليلة من طرح الصفقة إلى تأييد خطة ترامب للسلام، ودعت الفلسطينيين والإسرائيليين للدخول في مفاوضات مباشرة برعاية أمريكية.

ويرى مراقبون أن تأييد الرياض وأبوظبي والمنامة السريع لصفقة ترامب عبر بيانات رسمية متتالية بمنزلة ترجمة فعلية لحالة التقارب الشديد بين تلك العواصم الخليجية و"تل أبيب"، وتتويج للتطبيع بين الطرفين، الذي بلغ ذروته في العامين الأخيرين، ودفع كتّاباً وإعلاميين خليجيين للحديث حول علاقات رسمية مرتقبة بين الجانبين.

وبينما حضرت سفيرة سلطنة عُمان في واشنطن إلى جانب سفيري أبوظبي والمنامة مراسم إعلان "صفقة القرن" بالبيت الأبيض، أكدت دولتا قطر والكويت حقوق الفلسطينيين وفق الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وتمسكتا بـ"حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية".

تحركات قطرية

وبعد يوم من إعلان الصفقة هاتف أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأربعاء (29 يناير)، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، معرباً عن وقوف الدوحة إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته، واستعداد بلاده لبذل الجهود للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية يستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

وثمّن أمير قطر خلال الاتصال "حالة الوحدة الوطنية التي تعيشها القضية الفلسطينية، والتي تجلت بدعوة الرئيس عباس للاجتماع الذي حضرته كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي في مقر الرئاسة بمدينة رام الله"، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، ونظيرتها القطرية "قنا".

وقبل الاتصال أكدت الخارجية القطرية أنها "ترحب بجميع الجهود الرامية إلى تحقيق السلام العادل والمستدام في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، لكنها أكدت إعادة حقوق الفلسطينيين.

وشددت على أن "نجاح أية مبادرة قائمة أو مستقبلية لحل هذا الصراع الذي دام لأكثر من سبعة عقود يبقى منوطاً بانخراط طرفي الصراع الأساسيين في مفاوضات جدّية ومباشرة على أساس الشرعية الدولية".

وأكدت الدوحة استعدادها لتقديم الدعم المطلوب لأي مساعٍ ضمن هذه الأسس لحلّ القضية الفلسطينية، موضحةً أنه "لا يمكن للسلام أن يكون مستداماً ما لم تتم صيانة حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على حدود 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي العودة إلى أراضيه".

الكويت.. على خُطا قطر

وانسجم الموقف الكويتي الذي أعلنته الخارجية الكويتية مع نظيره القطري؛ إذ قالت إن الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية "لا يتحقق إلا بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها "القدس الشرقية".

وأوضحت الخارجية الكويتية، في بيان صدر مساء الأربعاء (28 يناير)، أن موقف الكويت المبدئي والثابت يدعم خيارات الشعب الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والمرجعيات التي استقر عليها المجتمع الدولي.

كما قدرت مساعي الولايات المتحدة لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي الذي امتد لأكثر من 70 عاماً، وكان سبباً في معاناة مريرة لأبناء الشعب الفلسطيني، وعامل هدم لأمن واستقرار المنطقة".

دول حصار قطر تبارك

وعلى النقيض من موقف الدوحة والكويت لم تكتفِ السعودية والإمارات والبحرين بتقدير الجهود الأمريكية، بل أعلنت دعمها لتنفيذها على أرض الواقع، ودعت لمفاوضات مباشرة بين السلطة الفلسطينية و"تل أبيب" بناءً عليها كأساس للحل.

كما بدا مستغرباً تخلي الرياض عن مبادرتها العربية للسلام؛ التي تنص على دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب "إسرائيل" من كامل الأراضي التي احتلها بعد حزيران 1967، ومن ضمنها الجولان السوري المحتل، فضلاً عن حل عادل لقضية اللاجئين.

ودعت السعودية، التي يعتبر ولي عهدها محمد بن سلمان حاكمها الفعلي، إلى بدء مفاوضات مباشرة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تحت رعاية أمريكية، وطالبت بـ"معالجة أي خلافات حول أي من جوانب الخطة المطروحة من خلال المفاوضات".

ورغم أن صفقة القرن بعيدة كلياً عن المبادرة العربية للسلام فإن الثلاثي الخليجي أبدى حماسة في تأييدها وتشكيل غطاء عربي وإسلامي لتمريرها، متجاهلاً تضمّن الخطة إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة "أرخبيل" تربطه جسور وأنفاق بلا مطار ولا ميناء بحري، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة لدولة الاحتلال.

بدورها أعلنت الإمارات دعمها لصفقة ترامب، ونشرت سفارتها في واشنطن عبر موقعها الرسمي بياناً اعتبرت فيه أن "الخطة نقطة انطلاق مهمة للعودة إلى المفاوضات ضمن إطار دولي تقوده الولايات المتحدة".

وقال السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة في البيان: إن "هذه الخطة هي مبادرة جادة تتناول العديد من المشاكل التي برزت خلال السنوات الماضية".

وعلى الدرب نفسه أعربت البحرين عن تطلعها لأن تقوم الأطراف المعنية بدراسة ما تقدمت به الولايات المتحدة، وبدء مفاوضات مباشرة بين الجانبين برعاية أمريكية للتوصل إلى اتفاق يلبي تطلعات الطرفين.

أقلام تروّج صفقة ترامب

ولم يقتصر احتفاء الثلاثي الخليجي بالصفقة المشؤومة -وفق كثيرين- ببيانات رسمية؛ بل أوعزوا لكتابهم وأقلامهم في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة للحديث حول إيجابيات الصفقة، وضرورة اتخاذها أساساً ومنطلقاً للشروع في مفاوضات برعاية أمريكية، مع تحميل الفلسطينيين مسؤولية ضياع قضيتهم وعدم تحميل فشلهم على الدول العربية وغيرها.

الكاتب والمحلل السياسي السعودي تركي الحمد طالب القيادة الفلسطينية بتغيير استراتيجيتها والتخلص من قاعدة "كل شيء أو لا شيء"، وسلك مسار آخر قائم على قاعدة "خذ ثم طالب"، في إشارة إلى مطالبته بالقبول بالمعروض حالياً وفق الخطة الأمريكية.

 وشاطره الرأي مواطنه الكاتب عبد الرحمن اللاحم، متهماً الفلسطينيين بعدم رغبتهم بتحقيق السلام، ورغبتهم في استمرار الوضع الحالي من أجل "المتاجرة بالقضية الفلسطينية"، التي "تبيض ذهباً" على حد زعمه!

وفي محاولة منه لدرء الاتهامات الموجهة للرياض وأبوظبي والمنامة علاوة على مصر بالتسويق لصفقة ترامب، زعم عبد الخالق عبد الله، مستشار ولي عهد أبوظبي السابق، أن القيادات الفلسطينية وكافة الفصائل تتحمل ما أسماه "مسؤولية ضياع فلسطين"، وأن "لا أحد أساء للقضية الفلسطينية أكثر من قيادتها".

يقول مصطفى الصواف، الكاتب والمحلل السياسي: إن "الموقف الحقيقي يجب أن تكون فلسطين كل فلسطين للفلسطينيين، وإن الحل الأمثل هو إنهاء الوجود الصهيوني المغتصب لكل فلسطين".

وتابع في حديثه لـ"الخليج أونلاين" قائلاً: "أنا أذكّر الجميع بما قاله العرب: نقبل بما يقبله الفلسطينيون، وهذا ضمناً يعني نرفض ما يرفضه الفلسطينيون، وهذا القول هو شَرَك وُضع للفلسطينيين؛ لأنهم -أي بعض الأنظمة الخليجية- يكذبون على المستوى الرسمي الفلسطيني، الذي كان يذهب لهم ليشاورهم على الطريقة المثلى للتنازل عن فلسطين". 

وشدد الصواف على أن "الحلول الواقعية والتقاسم مع الغاصب والاعتراف به وبحقه في فلسطين هو خيانة للقيم والمبادئ، وخيانة لفلسطين ولشعب فلسطين، وأدعوهم للكف عن هذه الخزعبلات، وليعلنوها كما كانوا يعلنونها سابقاً؛ أن فلسطين كل فلسطين هي للشعب الفلسطيني، وأن وجود الاحتلال هو عمل طارئ وإن طال الزمن، وهو إلى زوال".

أبرز بنود صفقة القرن

وتنص خطة ترامب المقترحة على منح السيادة الإسرائيلية الكاملة على جميع أنحاء القدس لـ"إسرائيل"، وإعلانها عاصمة موحدة للدولة العبرية، إلى جانب ضم جميع مستوطنات الضفة الغربية التي يزيد عددها على 100.

وتمنح الخطة دولة للفلسطينيين لكن مقابل شروط تعجيزية ومجحفة؛ منها نزع سلاح المقاومة من قطاع غزة، والاعتراف بـ"يهودية إسرائيل"، في إشارة ضمنية لرفض عودة اللاجئين إلى ديارهم وأراضيهم التي هُجروا منها.

كما تنص بنود الخطة على "تجريد فلسطين من مراقبة الحدود، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على وادي الأردن، مع بسط النفوذ الإسرائيلي على جميع الأراضي المفتوحة في منطقة الضفة الغربية"، وهذا ما يمثل نحو 30% من الضفة الغربية.

صفقة القرن

وتقترح "صفقة القرن" 50 مليار دولار لتمويل المشروعات في المناطق المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية، في حين قالت تقارير عبرية وغربية إن السعودية والإمارات ستتكفلان بتمويل وتوفير المبلغ المالي المطلوب.

وعُقدت في البحرين، يومي 25 و26 يونيو 2019، ورشة للكشف عن الشق الاقتصادي لصفقة القرن، وسط مقاطعة عربية وحضور ذات الدول الخليجية التي شاركت في مراسم إطلاق الخطة رسمياً في "البيت الأبيض" لاحقاً.

صفقة القرن