دعوة » مؤتمرات

قمة العزل في كوالالمبور.. أين موقع السعودية في العالم الإسلامي الجديد؟

في 2019/12/20

مبارك الفقيه- راصد الخليج-

اجتمع ممثلو نحو نصف العالم الإسلامي في قمة دعا الرئيس الماليزي مهاتير محمد لعقدها في كولالمبور، هي قمة دول خمس كبيرة غابت عنها المملكة السعودية استنكاراً وتشكيكاً بأهدافها وخلفياتها ونتائجها المتوقّعة، فضلاً عن أن المملكة لم تكن في أصل تشكيلها ومن أركانها، فالذي هندس هذه القمة ورتّب حياكتها كان قد حدّد أقطابها وهي: ماليزيا وتركيا وقطر وباكستان وإندونيسيا، وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان كان من المحرّكين الأساسيين لعقد القمة مع مهاتير وأردوغان، إلا أنه تغيّب عن الحضور كرمى لعيون الملك سلمان ولعدم اتخاذ موقع مواجهة مع أحد، واعتلت إيران منبر القمة لتشارك في صياغة مسار أُريدَ له أن يسلّط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي ومسلمي العالم البالغ عددهم 1.75 مليار نسمة، وإيجاد الحلول لها، دون النقاش في الأمور الدينية والمذهبية.

هذه القمة الإسلامية مصغّرة وتضم عدداً قليلاً من الدول، وليست بديلاً عن منظمة التعاون الإسلامي، وتناقش "دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية"، قال مهاتير. إلا أن نظرة فاحصة إلى الحضور الأساسي من الدول الكبرى فيها يلغي الالتفات إلى غياب باقي الدول الصغرى، وهي لا تملك أساساً أي نسبة من التأثير على مجريات تشكيل القرار الإسلامي، وبالتالي فالعبرة ليست في العدد بقدر ما هي بالدور الذي تلعبه الدول المشاركة في مجالين أساسيين في ظل تجمّع يحمل الهوية الإسلامية وهما: القدرات المالية والاقتصادية، والقدرات العسكرية، وهما مجالان كافيان مركزياً لتكوين قوة قطبية هائلة تترك بصمتها المؤثرة، ليس في صياغة القرار الإسلامي فحسب، بل في تشكيل المعادلات الدولية.

تعلم قيادة المملكة علم اليقين أن هذا النسق من القمم ليس وليد الساعة، فقد سبقها خمس قمم تمهيدية بادرت قطر في إحداها بالإشتراك مع ماليزيا وتركيا، وهدفت إلى إنشاء 3 مراكز مالية عالمية تشمل الدوحة وإسطنبول وكوالالمبور، لتغطية جميع المعاملات المالية الإسلامية حول العالم، وانضمام إيران إلى هذا التشكيل يضيف زخماً كبيراً على صعيد عمليات النمو الصناعية والتبادلات المالية والتجارية، فضلاً عن التقدّم المضطرد في الاعتماد على تقينات النانو والطاقة النووية، أضف إلى ذلك الخزانات البشرية الهائلة التي تمتلكها هذه الدول لوحدها، دون أن نغفل المنظومة الفكرية والسياسية التي تجمع في ما بينها، فضلاً عن المنظومة الثقافية والدينية التي تتضمّن الكثير من القواسم المشتركة، وتبتعد في ذلك عن المملكة السعودية جملة وتفصيلاً.

كان مهاتير مباشراً في خطابه الذي افتتح فيه قمة كوالالمبور حين قال إن "الهدف ليس النقاش في الدين بل في إيجاد حلول لمشاكل العالم الإسلامي الذي يفتقر إلى وجود دولة مسلمة واحدة توصف بالمتقدّمة.. وعلى الرغم ممّا لدى الدول الإسلامية من ثروات، إلا أنها لا تزال مصنّفة في طور الدول النامية، وضعيفة وغير قادرة على حماية الأمة الإسلامية"، وهنا بيت القصيد الذي لا بد لقيادة المملكة من الوقوف عنده مطوّلاً لأنه يشير إلى فشل السعودية في تزعّم العالم الإسلامي وتصدّر قضاياه والتصدّي لمعالجة مشاكله، بل إنها بالغت في الاندفاع نحو الأمركة والتغريب من جهة، والغرق في مستنقع الحرب مع اليمن من جهة ثانية، وهو ما دفعها إلى اتخاذ موقع الخصم بدل أن تلعب دورها في موقع الأخ الأكبر الجامع للعائلة العربية والإسلامية.

وعلى قاعدة "إعرف نفسك من عدوّك" لم تخفِ إسرائيل خشيتها من النتائج والمواقف التي ستسفر عنها قمّة كوالالمبور، وتصبّ في خانة العداء لإسرئيل "بشكل صارخ" بسبب توجّهات الدول الممثّلة في القمة من تل أبيب، وفق توقّعات تقرير أصدره "مركز القدس لدراسة المجتمع والدولة"، وذكّر معدّ التقرير يوني بن مناحيم بالهجوم الذي شنّه مهاتير محمد ضد "منظمة التعاون الإسلامي" لعدم إقدامها على تحرّكات جدّية لدعم القضية الفلسطينية والوقوف ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني، وربط بن مناحيم ذلك بمشاركة وفد يمثّل حركة "حماس" في القمة بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، ولفت إلى الحملات التي شنّتها وسائل الإعلام السعودية ضد القمة ما يعكس خوف الرياض من توظيف القمة للمسّ بمكانتها، بحيث تُقدَّم بديلاً من منظمة التعاون الإسلامي، معتبراً أن أحد أهم أهداف القمّة مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا وعمليات التنكيل التي يتعرض له المسلمون في أرجاء العالم.

غابت المملكة عن هذه القمة تاركة المجال لماليزيا وإيران وتركيا وإندونيسيا بمعيّة قطر رسم خارطة العالم الإسلامي وفق رؤية جديدة لا ولن تتفق بأي شكل من الأشكال مع رؤية ولي العهد محمد بن سلمان 2030 للمنطقة، بل إن هذا الغياب مع دفع باكستان للنأي بنفسها عن الحضور قد يعمّق الفصل بين البلدان الإسلامية ويجعل ممّا تبقى من مجلس التعاون الخليجي مجرد كيان إسمي يلهث ليأخذ دوره في مستجدّات المرحلة الكونية المقبلة، فإن مجرد الإطلاع على الأرقام البشرية والمالية والاقتصادية لمجموعة الدول الخمس في كولالمبور يعطي صورة عمّا يمكن أن تشكّله هذه الدول من قوة جديدة تنحو باتجاه الشرق للتحالف مع روسيا والصين وتقترب بالضرورة من الهند ولا تبتعد عنها باكستان، فأين الحكمة في هذا التغيّب؟! قد ترى السعودية أن هذه القمّة لن تؤدي بالضرورة إلى قيام حلف إسلامي جديد بغض النظر عن التسمية، ولكن الحكمة تقتضي الإقلاع عن سياسة التغاضي والاستخفاف، فالعالم اليوم يتجه شرقاً في ظل الضعف المتنامي للتأثير الأمريكي في دول الشرق، وأثبتت التجربة، لكل الدول وليس للسعودية فقط، أن الرهان على الغرب عموماً وعلى الأمريكي خصوصاً لم يثمر يوماً سوى المزيد من التأزم ومزيد من الاستنزاف لمقدّرات الشعوب الإسلامية.