سياسة وأمن » صفقات

ذر الرماد بالعيون.. الإمارات تتهرب من انتكاستها في الصومال

في 2019/07/25

الخليج أونلاين-

تحاول دولة الإمارات عبثاً إنعاش نفوذها في القرن الأفريقي، الذي أخذ يحتضر وينتكس في السنوات الأخيرة، إذ تمثلت جولاته الأخيرة في استعادة سيطرة الحكومة الصومالية على الموانئ الرئيسة ومراكز التدريب الأمني والمستشفيات وعدد من المؤسسات التي اتخذت حكومة أبوظبي موطئ قدم لبسط نفوذها، بحجة تقديم الدعم الإنساني والإغاثي والأمني للبلد الفقير.

سيطرة أبوظبي على مفاصل مهمة في الصومال، خلال العقد الماضي، لم تكن خافية على المتابع لتطورات الأحداث في القرن الأفريقي، وكانت حكومة مقديشو تعرف بذلك، لكنها كانت كثيراً ما تعتبر أنها تندرج تحت مظلة الدعم الإماراتي المقدم للبلد الذي تنهشه الصراعات الداخلية والإقليمية، إلى أن جاءت الأزمة الخليجية وحصار قطر في يونيو عام 2017 ليضعا حداً للنفوذ الإماراتي.

ثمن الحياد الصومالي من حصار قطر

موقف الصومال المحايد من حصار قطر رغم الضغوط التي تعرض لها من قِبل دول الحصار، الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، جعله يدفع الثمن، إذ دعمت أبوظبي وحلفاؤها الدولة العميقة في البلاد وقادة عسكريين وغذت الصراعات المحلية والاضطرابات بهدف الإطاحة بالحكومة الصومالية خلال العامين الماضيين.

فشل مساعي السعودية والإمارات للإطاحة بالحكومة دفع أبوظبي إلى البحث عن ملفات، لعلها تكون حجر عثرة أمام تصاعد الدور الاستراتيجي لقطر وتركيا في الصومال، الذي يأتي ضمن تنمية المصالح المشتركة بين جميع الأطراف، لتسرب تسجيلاً إلى صحيفة "نيويورك تايمز" باسم رجل أعمال قطري يدعى خليفة المهندي، وادَّعت أنه على صلة بهجمات إرهابية داخل الصومال، في محاولة مكشوفةٍ هدفها "ذر الرماد بالعيون".

حياد الصومال إزاء حصار قطر اعتبرته أبوظبي والرياض انحيازاً إلى الدوحة، لكن مقديشو تعي جيداً ملفات الضغط التي قد تستخدمها دول الحصار في تخريب علاقاتها مع الدوحة؛ وهو الأمر الذي دفع وزير الخارجية الصومالية، أحمد عيسى عوض، إلى الخروج بتصريحات يفند فيها مزاعم دعم قطر للإرهاب.

وقال: إن "موقف الحكومة الفيدرالية واضح، فدولة قطر لا تدعم الإرهاب وليست لها أي علاقة بالتفجيرات في الصومال، ولا بإقليم ونت لاند".

وأكد عوض خلال مقابلة مع "إذاعة صوت أمريكا" الناطق ةباللغة الصومالية، الأربعاء (24 يوليو 2019)، أن قطر أصدرت بياناً نفت فيه ما نُشر، وقال إنه قرأ تقرير الصحيفة شخصياً بالكامل ولم يجد فيه حقائق، "حيث كانت كلها اتهامات.. الحكومة الفيدرالية اقتنعت ببيان الحكومة القطرية الذي أوصله إلى وزارة الخارجية سفير دولة قطر لدى الصومال".

وأوضح المسؤول الصومالي أن "الشخص الذي كُتب اسمه في التقرير (تقرير نيويورك تايمز الأمريكية) ليست له علاقة مع دولة قطر، ولا يشغل أي منصب في الحكومة"، ليكشف بذلك حجم الأكاذيب التي تسوقها أبوظبي وحلفاؤها ضد قطر في المنطقة والعالم.

وأرسل الوزير الصومالي بهذه التصريحات رسائل واضحة، مفادها أن اتهام قطر بدعم أعمال العنف داخل البلاد ناتج عن قرارات سياسية ودبلوماسية إماراتية رداً على موقف مقديشو الحيادي من الأزمة الخليجية. ومنذ ذلك الوقت أخذت الأزمة السياسية بين الصومال والإمارات أبعاداً جديدة بعد سنوات من التناغم السياسي، الذي بلغ حد التعاون والشراكة في مجالات عديدة.

ويعتمد الوجود الإماراتي في القرن الأفريقي على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة؛ كما في حالتي عدن وجيبوتي وإثيوبيا، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية؛ كما في "بربرة" شمال غربي الصومال.

ولجأت الإمارات، منذ الأزمة الخليجية، إلى زعماء الأقاليم الفيدرالية في الصومال؛ بحثاً عن حشد مواقف سياسية مؤيدة لدول حصار قطر، وهي ورقة ضغط إماراتية تهدف إلى تغيير موقف الحكومة المركزية المحايد، وإشعال أزمة بين الحكومة والأقاليم، بحسب ما ذكره النائب الصومالي عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، محمد عمر طلحة، لوكالة "الأناضول"، في أبريل العام الماضي.

وأشار النائب البرلماني إلى أن "دول الحصار توظف كل أوراقها السياسية والمالية والاقتصادية لتركيع الدول المحايدة والمعارضة للأزمة الخليجية، والنظام الفيدرالي في الصومال كان نقطة الضعف للحكومة المركزية، للضغط عليها لتغيير موقفها".

واعتبر أن "الإمارات بددت رصيدها في الصومال، بسبب تدخلاتها ومواقفها السياسية المعادية للحكومة المركزية، ورغم الموقف الصومالي الثابت ما تزال الإمارات تخلط الأوراق السياسية في الصومال بكل السبل المتاحة لها".

ومنذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991، شابت مواقف الصومال الخارجية تبعية سياسية لدول الخليج، خاصةً السعودية، فمثلاً قطعت مقديشو علاقاتها مع إيران عام 2016؛ تضامناً مع الرياض، عندما اعتدى محتجون إيرانيون على سفارة السعودية وقنصليتها في إيران، رداً على إعدام رجل دين شيعي.

لكن وقوف حكومة الصومال إلى جانب السعودية في مواجهة إيران لم يشفع لها، وعملاً بمبدأ "من لم يكن معنا فهو علينا"، اعتبرت الرياض وأبوظبي حكومة الصومال خصماً، وبذلتا جهوداً كبيرة بهدف زعزعة الاستقرار في البلاد، بدعم أطراف مناوئة للحكومة داخل العملية السياسية وخارجها.

تصاعد الأزمة

انتقلت العلاقة بين البلدين فجأة من الدفء والتعاون إلى الشقاق وتبادل الاتهامات؛ فبعدما كانت مقديشو تثني على الدور الإماراتي في مساعدتها على مواجهة الاضطرابات والعنف، أصبحت تتهمها بتمويل الانفصاليين ودعم نشر الفوضى وشراء ولاءات في الداخل.

وبدأت أبوظبي تكيل التهم لحكومة مقديشو، بأنها أصبحت موالية لجماعة الإخوان المسلمين. وفي أبريل 2018، حسم رئيس مجلس الشعب الحالي ووزير الدفاع الصومالي سابقاً، محمد مرسل شيخ عبد الرحمن، موضوع الوجود الإماراتي العسكري في البلاد، ونقل المهام التدريبية، التي بدأت عام 2014، إلى قيادة الجيش الوطني.

وهذا الإجراء جاء بعد أيام من مصادرة سلطات مطار مقديشو الدولي، في الشهر نفسه، 10 ملايين دولار كانت على متن طائرة إماراتية خاصة، واحتجاز طائرة أخرى خاصة كانت تقلّ معدّات وأجهزة عسكرية حاول ضباط إماراتيون نقلها إلى بلدهم.

وفي أكتوبر 2018، كشف تقرير لخبراء لجنة العقوبات الدولية المفروضة على الصومال وإرتريا، التابعة للأمم المتحدة، أنه قبل يوم واحد من مصادرة قوات الأمن الصومالي حقيبة أموال كانت بحوزة السفير الإماراتي في مقديشو محمد أحمد عثمان، رصد فريق الخبراء الدوليين اجتماعاً بين دبلوماسيين إماراتيين ومسؤول سابق رفيع في الوكالة الوطنية للاستخبارات والأمن الصومالي بمطعم في العاصمة الكينية نيروبي.

وقال فريق الخبراء في تقريرهم: إن "تقويض الحكومة المركزية كان موضوع الاجتماع، من خلال جمع قادة الولايات الفيدرالية والنواب الفيدراليين وقادة الجيش الصومالي عن طريق الرشوة".

التحركات الإماراتية دفعت السلطات الصومالية إلى فتح تحقيق شامل حول مصدر الأموال المصادَرة ووجهتها ودوافع إدخالها للبلاد، ليكشف تقرير للأمم المتحدة حينها أن حكومة أبوظبي توجه دعماً مالياً ولوجيستياً مباشراً إلى "حركة الشباب" الصومالية الموالية لتنظيم القاعدة.

وفتحت الأزمة السياسية بين أبوظبي ومقديشو الباب أمام كثير من الأوراق والملفات المشبوهة التي كانت سلطات الإمارات تختبئ تحتها بحجة تقديم الدعم الإنساني والإغاثي هناك، فقد كشفت "الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات"، أيضاً أن أبوظبي جلبت أكثر من 3 آلاف مرتزق إلى الصومال بغرض تعزيز نفوذها في البلد المصاب بالفوضى.

وذكرت الحملة (مقرها باريس)، في بيان سابق، أن الجزء الأكبر من هؤلاء المرتزقة تمركز في قاعدة "بربرة" العسكرية التابعة للإمارات، وأماكن دعم لوجيستي في مناطق لا تخضع للسلطة المركزية الصومالية.

وتؤكد تقارير محلية ودولية أن الإمارات تسعى من خلال نشر الفوضى، إلى تعزيز وجودها العسكري بشكل غير مسبوق في الصومال؛ في إطار خطة لتوسيع انتشارها العسكري بمضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي، وفتح قنوات مع خيوط الدولة العميقة في البلاد، لكن الحكومة الحالية التي يقودها الرئيس الإصلاحي محمد عبد الله فرماجو، قطعت الطريق بذكاء أمام هذا النفوذ، وتقليصه إلى الصفر خلال السنوات الأخيرة، رغم التحديات والضغوط الخارجية.

وأعاد فرماجو هيكلة الجيش والقوات البرية والبحرية والجوية، ورفع قدراتها القتالية من خلال توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية مع تركيا ودول حليفة، وبناء معسكرات للتدريب، مقابل تحجيم دور الدولة العميقة التي تدعمها وتمولها أبوظبي.

واعتبرت الإذاعة المحلية أن التغييرات تأتي في إطار الجهود الحكومية لإعادة هيكلة بناء الجيش وتفعيله، من أجل رفع قدراته القتالية في مواجهة مقاتلي "حركة الشباب"، المحسوبة على تنظيم "القاعدة"، وتدعمها جهات خارجية منها الإمارات.

نقل الصراع إلى المجتمع الدولي

في مطلع مارس 2018، وقَّعت شركة "موانئ دبي" اتفاقية مع كل من إقليم أرض الصومال وإثيوبيا، بشأن الإدارة والاستثمار في ميناء بربرة على ساحل البحر الأحمر. وبلغت قيمة الاتفاق 442 مليون دولار لتطوير "بربرة"، من أجل استخدامه في أغراض عسكرية، بعدما كان يُستخدم بشكل أساسي في تصدير الماشية إلى منطقة الشرق الأوسط. وحصلت "موانئ دبي" على حق إدارة الميناء الذي يعد أهم موانئ أرض الصومال، بعقد يمتد إلى 30 عاماً.

وتصاعدت الأزمة عقب تصريحات صحفية لرئيس "موانئ دبي"، سلطان أحمد بن سليم، بأن إقليم أرض الصومال دولة مستقلة، وقرار الحكومة الفيدرالية بطلان اتفاقية ميناء بربرة مجرد تصريحات لا تؤثر، ولا تقف عائقاً أمام الاتفاقية التي يتم الشروع في تنفيذها.

وهذه التصريحات دفعت الحكومة الصومالية إلى رفع شكوى إلى الأمانة العامة للجامعة العربية تتهم الشركة الإماراتية بالتدخل السافر في الشأن الداخلي للبلاد والسعي لتقويض وحدتها؛ من خلال التعامل مع انفصاليين غير معترف بهم دولياً. وأصدرت الجامعة بياناً أكدت فيه ضرورة الحفاظ على سلامة مجالي الصومال الجوي والبحري بشكل يعزز وحدته وسيادته في مواجهة التدخل الخارجي.

وفي غضون ذلك طالبت الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، في يناير 2018، عدداً من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بوضع حدّ للدور "التخريبي" للإمارات في الصومال، منها دفع رِشا مالية للتأليب على الحكومة وتخريب الخريطة السياسية في البلاد.

وحذَّرت الهيئة من أن الإمارات "تخطط لقيادة انقلاب داخل الصومال، لبسط سيطرتها على القرن الأفريقي"، وهو الأمر الذي "يكون كارثياً على منطقة شرقي أفريقيا"، مشددة على أن أبوظبي "متهمة بتمويل جماعات مسلحة متطرفة تتبع حركة الشباب الصومالي، وهو ما يتطلب تدخلاً دولياً".