علاقات » اسرائيلي

تطبيع العرب مع "إسرائيل" يُعبّد طريقها إلى تشاد

في 2018/11/05

نادر الصفدي - الخليج أونلاين-

قبل 40 عاماً، أغلقت جمهورية تشاد الإسلامية باب العلاقات الرسمية وغير الرسمية مع "إسرائيل" نهائياً، وانحازت حينها إلى موقف الدول العربية والإسلامية الموحد، الذي طالب بقطع كل الاتصالات معها في أعقاب حرب 1973.

الباب التشادي لم يبقَ مغلقاً، فالتطورات المتصاعدة في المنطقة، والتقارب الحاصل مع "إسرائيل"، وقطار التطبيع الذي وصل إلى محطات مهمة داخل بعض الدول، دفعت تشاد لفتحه قليلاً، ودخول بعض الرياح الإسرائيلية الخفيفة، بأمر من الرئيس التشادي، إدريس ديبي إتنو.

فقبل 3 أشهر، اتخذت تشاد القرار الأجرأ وقررت تغيير موقفها من "إسرائيل"، حين سمحت لأول مرة بدخول وفد إسرائيلي رفيع المستوى، ترأَّسه أحد مساعدي "مئير بن شابات" مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أراضيها والاجتماع بمسؤولين تشاديين من بينهم محمد ديبي، نجل الرئيس التشادي، الذي يتولى قيادة أحد الأجهزة الأمنية.

وما زاد الأمر وضوحاً، ما كشفته القناة العبرية الثانية قبل يومين، إذ قالت إن وثائق رسمية تؤكد أن الرئيس التشادي ينوي توريث ابنه السلطة، وهو معنيٌّ بإقامة علاقات مع "إسرائيل"، وقد عبّر عن رغبته في إرسال ابنه إلى هناك لنقل "رسالة حساسة" إلى نتنياهو، ومناقشة تجديد العلاقات بشكل علني.

وبيّنت القناة أن تشاد تُقيم علاقات مع "إسرائيل" منذ 90 يوماً، وفي حال وصلت إلى تطبيع رسمي، فإنه يُتوقع أن تتبعها إقامة علاقات مماثلة مع دول أفريقية مسلمة أخرى مثل مالي والنيجر.

ما الفائدة من القارة السمراء؟

لماذا تشاد؟ وما مصلحة "إسرائيل" في هذه الدولة؟ وهل ستفتح الطريق لدخول قطار التطبيع في عمق القارة السمراء؟ أسئلة طرحها "الخليج أونلاين" على مراقبين ومحللين، لإيجاد إجابات واضحة.

الخبير في الشؤون العربية والمحلل السياسي فايز أبو شمالة، يؤكد أن "إسرائيل ستنجح في اختراق القارة السمراء، وخلال الفترة المقبلة ستكون لها علاقات قوية ومتينة مع العديد من الدول هناك عبر بوابة تشاد".

ويوضح أبو شمالة لـ"الخليج أونلاين"، أن نتنياهو سبق أن التقى رؤساء دول أفريقيا في إثيوبيا، "وجميعهم جاؤوا بحثاً عن المال والتكنولوجيا والمخابرات وتطور الصناعة".

ويضيف: "السد العربي الواقف ضد التطبيع انهار، وتشاد لن تكون عربية وفلسطينية أكثر من العرب والفلسطينيين (في إشارة إلى التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال) أنفسهم، الذين يتهافتون على لقاء إسرائيل واستقبال وفودها، والتعاون الأمني معها على المستويات كافة".

ويشير الخبير في الشؤون العربية إلى أن "إسرائيل" تحرص على اختراق البلاد العربية والإسلامية والتطبيع معها علانية بعد أن كان الأمر سرياً لسنوات، مضيفًا: "اليوم جاء دور الإعلان الرسمي، فلم تعد تقبل بالعلاقة السرية، تريد عقد زواج رسمي، وحفلة إشهار لكل علاقة".

وضرب أبو شمالة مثالاً عن ذلك قائلاً: "نتنياهو التقى مع يوسف بن علوي وزير خارجية عُمان في ألمانيا بداية العام، والنتيجة كانت لقاء علني في مسقط قبل أسبوع. هذه العلنية مهمة لإسرائيل، لأنها وثيقة الاعتراف والتسليم لكفاءة الإسرائيليين، وتقدم إلى الدول الأفريقية والإسلامية".

وفي رده على سؤال لماذا تشاد؟، يُجيب الخبير في الشؤون العربية: "بداية اختراق أفريقيا ستكون منها، وهي تمثل بوابة الدول العربية على الجنوب، وستوصل إلى دولة إسلامية أخرى مثل الجزائر وليبيا وغيرها، وهذه سياسة الاحتلال".

ويوضح أن دولة الاحتلال تعتمد منهج حشر الدول التي لا تقيم علاقات معها، في زاوية الحصار والأزمات الاقتصادية، ليكون منفذها للتطور والحرية والنمو هي البوابة الإسرائيلية فقط، وذلك يتم من خلال التطبيع وتحسين العلاقات الثنائية.

وزاد على تصريحات أبو شمالة، تقرير إسرائيلي عبر فيه مسئولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية عن الإمكانية من الاستفادة من علاقات دبلوماسية قد تطورها مع تشاد الغنية باليورانيوم، نظراً لرغبتها في شراء الأسلحة والانكشاف على الخبرات الأمنية الإسرائيلية، وذلك في سياق "حرب تشاد على الإرهاب".

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، أن من أهداف "إسرائيل" لاختراق القارة السمراء، جاء لتأمين الجالية اليهودية المتواجدة بالقارة، ورغم أن أرقام الجالية اليهودية في أفريقيا ليست كبيرة، إلا انها تمثل مركزاً للقوة والنفوذ، خاصة وأن الدول الأفريقية تتسم بهشاشة البنيان المؤسسي والاجتماعي.

إضافة إلى ذلك، تسعى "تل أبيب" إلى تطويق الوطن العربي، وتهديد أمنه القومي عن طريق السيطرة على المنافذ الجنوبية للبحر الأحمر، ونزع الصفة العربية، وضمان التفوق العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي المُطلَق عبر التحكم في النقاط الإستراتيجية الهامة التي تُحيط بالوطن العربي، وذلك لجعل دوله تحت التهديد بالحصار والعدوان.

والهدف الأخير، على حد قول الصحيفة، يتمثل في توظيف التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء لصالح التكامل مع الخطط الأمريكية، وإفهام واشنطن بأن رأس حربتها الإستراتيجية في أفريقيا هي "إسرائيل".

يُذكر أن تشاد كانت قد أقامت علاقات مع "إسرائيل" قبل 40 عاماً، لكنها اضطُرت لقطعها لاحقاً تحت ضغوط عربية، كما يجب الإشارة أيضاً إلى أن جامعة الدول العربية بحثت قبل أعوام مسألة ضم الجمهورية الإسلامية إليها.

وفي سبتمبر الماضي تحدثت "إسرائيل"، عن اتصالات سرية مع تشاد لإعادة العلاقات بينهما، كما أكد نتنياهو مؤخراً أن حكومته تقوم بمساع حثيثة لتوطيد علاقات بلاده بمزيد من الدول في القارة الأفريقية.

اختراق الأنظمة العربية

"قطار التطبيع قد أنطلق فعلياً، وبعد أن حط في عواصم عربية أبرزها الرياض ومسقط وأبو ظبي، بعد القاهرة وعمّان، فهو سيتجه إلى أفريقيا، ليحُط في عواصم أخرى، قررت أن تفتح صفحة جديدة مع إسرائيل"، هذا ما قاله المفكر الفلسطيني عبد الستار قاسم.

ويضيف قاسم لـ"الخليج أونلاين" أن هذه الزيارات تؤكد أن قائمة المطبعيين تطول تدريجياً، وقد تنضم لهم دول أفريقية أخرى بعد أن وجهت دولة الاحتلال عيونها نحو القارة السمراء.

ويوضح أن التطبيع أصبح علنياً الآن، لافتًا إلى أن السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس، كانت سبباً للتطبيع مع "إسرائيل" كونه (عباس) كان أول المطبعين.

ويشير إلى أن هذه الدو قد أدارت ظهرها لفلسطين وقضيتها، "وما نشهده اليوم من تطبيع علني، يكشف مدى توغل إسرائيل في الأنظمة العربية وتحكمه في قراراتها وتوجهاتها السياسية"، متوقعاً أن تشهد المرحلة المقبلة الإعلان رسمي عن علاقات علنية تمهد لتكون دولة الاحتلال الحليف الرئيسي للعرب.

وفي ذات السياق، يؤكد خضر حبيب، القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي لـ"الخليج أونلاين"، أن الدول العربية همشت القضية الفلسطينية، وباتت تلهث خلف التطبيع، رغم كل الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقدساته.

وأوضح أن انضمام أي دولة لخط التطبيع التي تقوده الدول العربية الكبرى، يعد "خيانة" لدماء وتضحيات الشهداء الفلسطينيين، ويعطي شرعية للاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويوفر غطاء لجرائمه وتجاوزاته.

وناشد حبيب الدول العربية والإسلامية إلى دعم القضية وعدم تهميشها، واعتبار "إسرائيل العدو الأول ولا يمكن أن يكون حليفاً، مؤكدًا أن اللهث خلف التطبيع يضر بفلسطين ويخدم مصالح الاحتلال في التحكم بالمنطقة.

وشهدت المنطقة العربية غضباً واسعاً خلال الأيام الأخيرة، بعد زيارة نتنياهو إلى مسقط، واستقبال كل من قطر والإمارات وفدين رياضيين إسرائيليين، فضلاً عن رفع العلم الإسرائيلي في أبو ظبي.

وكان نتنياهو قد زار القارة الأفريقية خلال الثلاث سنوات الأخيرة ثلاث مرات، بهدف إنشاء علاقات مع دول لا تقيم علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، وكانت آخر محاولة عام 2016، حينها زار مدير الخارجية الإسرائيلي السابق، دوري غولد، الجمهورية.