اقتصاد » بورصة واسهم

الدرس الصيني في الاقتصاد

في 2018/11/01

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

أسابيع قليلة تفصل المملكة عن تطبيق أول ميزانية، في تاريخها، تم الإعلان عن ما يعرف بالبيان التمهيدي لها، في مؤتمر لوزير المالية محمد الجدعان، والهدف كما قال الوزير تعزيز الشفافية والإفصاح، وعرض توجهات الحكومة في مجالات النفقات والإيرادات والعجز والتمويل وتقديراتها، على المدى المتوسط، مع إمكانية مراجعة هذه التقديرات في ضوء المستجدات المالية والاقتصادية المحلية والدولية، حتى تاريخ صدور الميزانية العامة للمملكة للعام المالي 2019م، بنهاية العام الحالي.

أهداف وزارة المالية من إعلان البيان التمهيدي تتمحور حول مؤسسات التقييم الدولية، التي تشترط الشفافية في عرض البيانات المالية للحكومات، مع دخول المملكة –لأول مرة في تاريخها أيضًا- لأسواق المال العالمية كمستدينة، لمواجهة العجز السنوي المستمر، رغم ارتفاع أسعار النفط، خلال العام الحالي، وبلوغها مستويات قياسية، انعكست على زيادة الإيرادات المقدرة، كما كشفتها بيانات وزارة المالية ذاتها.

في سعي الوزارة، ومن ورائها نظام الحكم لنيل الرضا الدولي، ممثلًا في شهادات "الإنجاز والاستقرار"، تتناسى مؤسسات الحكم أن تقارير مؤسسات التقييم الدولية لا تصلح لبناء دولة أو تسمح بانتقال دولة من عصر إلى عصر، هي مجرد شهادات لها ثمن، وثمنها المعروف هو المضي بحماس وراء اعتماد النموذج الغربي في الإدارة، ورضا الغرب عن سياسة الدولة ككل.

ومؤسسات التقييم الدولية، مثل "فيتش" و"موديز" كان تقييمها لبنك "ليمان براذرز"، ليلة إفلاسه، -A، في عام 2008، أي أن التقييم لم يكن سليمًا، ولم تكن الأرقام والشفافية والإفصاح شروطًا لمسيرة اقتصادية جيدة.

والمؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، لا تضع في اعتبارها مؤشرات غير رقمية، تخص الدولة محل البحث، مثل شبكات الأمان الاجتماعي، والنظام الكفء لتحصيل حقوق المجتمع "الضرائب"، ومدى مؤسسية الفساد، أي تفشيه في أعلى مستويات الإدارة العليا، والأهم: الرضا الشعبي عن سياسات الدولة، وهو مؤشر مهم لبيان مدى تقبل –والمساعدة في- عمليات الإصلاح الجارية.

الصين، على سبيل المثال لا الحصر، وهي الاقتصاد الأول عالميًا، طبقًا لناتجها المحلي الإجمالي مقومًا بحساب تعادل القدرة الشرائية، تقوم بخطوات بسيطة للحصول على "شهادة الثقة" من الأسواق العالمية مباشرة، بطرح سندات سيادية، وآخر طرح لها كان في شهر أكتوبر/تشرين الأول العام الحالي، بقيمة 3 مليارات دولار، وهو مبلغ تافه مقارنة بالصادرات الصينية، أو بالاحتياطي الأجنبي الهائل لديها.

وفي تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أكتوبر/تشرين الأول 2017، فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين يبلغ 23.19 ترليون دولار، فيما يبلغ نظيره الأميركي 19.41 ترليون دولار.

وتبلغ قيمة الاحتياطي الصيني نحو 3 ترليونات دولار، كما أنها تحقق مليارات الدولارات شهريًا من فائض ميزانها التجاري مع دول العالم كافة.

لكن الإقبال العالمي على الطرح الصيني كان يهدف إلى جذب انتباه المستثمرين الأجانب، وإلى تخفيف الضغوط على أسواق الأسهم لديها، في ظل احتدام الخلاف التجاري مع الولايات المتحدة، وهو ما حققته الحكومة هناك بسهولة بالغة.

ومع يقيني بأهمية مناقشة الأرقام، الواردة في بيان الوزارة، فإن ثاني أهم أهداف الحكومة الحالية، ومن قبلها ولي العهد محمد بن سلمان، هو نقل الدولة إلى مرحلة ما بعد النفط، وهو هدف عسير في تحقيقه بالنسبة لنظام حكم قوي مستقر، وبالتأكيد فإن الظرف السياسي المستجد، بعد عملية "قتل" المعارض جمال خاشقجي في تركيا.

الأرقام الحكومية المعلنة، في نهاية 2015، عن الصادرات وتوزيعها، والواردات، لا تترك مجالا للزعم بأن ثمة إصلاح يجري، ولم تختلف تركيبة الصادرات كثيرًا عن الأعوام السابقة، سوى في نقل منتجات البتروكيماويات من الصادرات البترولية إلى صادرات سلعية، وهو أمر يشبه الدجل المحاسبي، لمحاولة صنع إنجاز ليس له مردود على أرض الواقع.

بلغت الصادرات السلعية للسعودية في عام 2015، والأرقام حسب الهيئة العامة للإحصاء، 763 مليار و313 مليون ريال، منها 573 مليار و 412 مليون ريال صادرات نفطية، أي ما يعادل 75.1 % من مجموع تلك الصادرات، بينما بلغت الواردات لنفس العام 655 مليار و 33 مليون ريال.

وتمثلت الواردات في أجهزة وآلات ومعدات كهربائية، بقيمة 178 مليار و321 مليون ريال. ما نسبته 27،2% من الواردات، ثم معدات نقل، بقيمة 120 مليار و516 مليون ريال. ما نسبته 18،4%، ومواد غذائية، بقيمة 91 مليار و928 مليون ريال. ما نسبته 14%،، ثم معادن عادية ومصنوعاتها، بقيمة 64 مليار و473 مليون ريال. ما نسبته 9،8%، ومنتجات كيماوية ومعدنية، 55 مليار و253 مليون ريال. ما نسبته 8،4%، وأخشاب ومجوهرات، 28 مليار و199 مليون ريال. ما نسبته 4،3%، ومنسوجات وملابس، 21 مليار و627 مليون ريال. ما نسبته 3،3%، وسلع أخرى، 94 مليار و716 مليون ريال. ما نسبته 14،5%.

ببساطة فإن المملكة تستورد كل شيء، مقابل ما تصدره من النفط، فهل كان من الأجدى صرف مئات المليارات من الريالات على مشروعات سياحية وترفيهية، أم التأسيس لصناعة وطنية، كانت ستجد أكبر سوق عربي وأضخم اقتصاد أمامها مفتوحًا ينتظر فقط علامة "صنع في السعودية".