قضاء » سجون

"مخابرات السوشيال ميديا".. بداية سجن مظلم في الإمارات

في 2018/09/15

وكالات-

أصبح امتلاك حساب على مواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيق "واتساب" دليلاً كافياً ليكون سبباً في ملاحقة ناشط اجتماعي أو سياسي وإدانته، لينتهي به المطاف داخل سجون الإمارات.

الأمر ذاته يقع على المواطن الإماراتي العادي، فربما يجد نفسه أيضاً عرضة للسجن بسبب رأي كتبه خلال سنوات طويلة مضت عبر منصّات التواصل الاجتماعي، ويلاحقه هاجس يتلخّص في سؤال واحد: "هل ما كتبته يقود إلى السجن؟".

وإن كان جزء كبير من التهم الموجهة لهؤلاء المعتقلين، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو حتى زائرين، هي "التجسّس" أو الإساءة أو التعبير عن رأي مخالف للدولة؛ فإن الأمر يشير بشكل واضح إلى كيفية رصد كل هذه المكالمات أو المحادثات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكشفت مجلّة "تليراما" عام 2017، أن أبوظبي استوردت منظومة متطوّرة للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق من شركة "أميسيس" الفرنسية، لتكون عين التجسّس على الآلاف من مواقع التواصل، سواء داخل الإمارات أو خارجها.

وأشارت المجلة الفرنسية إلى أن تلك المنظومة تساعد الأجهزة الأمنية على اختراق البريد الإلكتروني واعتراض الرسائل، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة.

وقد سبق تلك المعلومات إقدام السلطات في أبوظبي على اختراق جهاز "آيفون" للناشط الإماراتي أحمد منصور، عام 2016، حيث تبيّن عبر مؤسّسة Citizen Lab الأمنية أن الإمارات سعت لاختراق ضخم لجهازه، وأن البرمجية الخبيثة هي من تطوير شركة "إن إس أو" (NSO) الإسرائيلية.

وهذه الشركة تتعامل معها الحكومات المختلفة وتشتري منها الفيروسات والبرمجيات الخبيثة، والتي تستخدمها للتجسّس على الناشطين والمؤثّرين في المجتمع واستهدافهم، وعلى أثرها حدّثت شركة آبل نظام IOS لأجهزتها وسدّت تلك الثغرات.

ولاحقاً سعت أبوظبي لاختراق هاتف الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، التي تتعرّض لحصار مشترك من قِبل الإمارات والبحرين والسعودية، وفق ما كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

وقالت الصحيفة، بحسب رسائل بريد إلكترونية مسرّبة قُدّمت في قضيّتين ضد "إن إس أو"(الشركة المصنِّعة لبرامج المراقبة التي استعانت بها أبوظبي، وتتخذ من "إسرائيل" مقراً لها)، إن مسؤولين بالإمارات طلبوا تسجيل مكالمات أمير قطر الهاتفية.

وبيّنت أن قادة الإمارات يستخدمون برامج التجسّس الإسرائيلية منذ أكثر من عام، حيث حوّلوا الهواتف الذكية للمعارضين في الداخل أو المنافسين بالخارج إلى أجهزة مراقبة.

تجارب اعتقال مريرة

من خرج من السجون الإماراتية بتهمة "جريمة إلكترونية" تكون عادة بسبب تعبير عن رأي عام، أو انتقاد قضيّة محلية أو عربية أو حتى دولية؛ يتحدّثون أن زيارة الإمارات "مغامرة"، لا سيما أنك لا تعلم حيثيات عملية الاعتقال إن جرت.

المواطن العُماني محمد صالح العويسي، آخر الضحايا الذين أُفرج عنهم قبل يومين، حيث اعتُقل بعد دخوله إلى الإمارات، لتُجرى محاكمته بالسجن 30 شهراً بتهمة "السخرية من الدولة على تطبيق واتساب".

ووفق ما تناقلته مواقع التواصل من تسجيل مصوّر، فور الإفراج عن العويسي، فقد أدلى بكلمات عبّر فيها عن واقع الحال: "مو (لست) مستوعب.. أنا أحلم وإلا كيف؟!"، مُعبّراً عن فرحته الغامرة لإطلاق سراحه، وكأنه فقد الأمل بالخروج من سجون الإمارات.

في السياق ذاته أوضح مصدر محلي، لصحيفة "راصد" العمانية الإلكترونية، أن العويسي (29 عاماً)، من سكان ولاية جعلان بني بوحسن، قضى سنتين و6 أشهر في السجن، قبل أن يُفرج عنه، الاثنين الماضي.

تيسير النجار

أما الصحفي الأردني تيسير النجار، الذي انتقل إلى العمل في مؤسّسة "الأجواء الثقافية" بإمارة أبوظبي عام 2015، فما زال مغيّباً في سجون الإمارات بتهمة "إهانة رموز الدولة"، بعد كتابته منشوراً عبر صفحته على فيسبوك.

وجاء في منشوره آنذاك أنه أشاد بالمقاومة الفلسطينية وصمودها في حرب غزة 2014، وانتقد خذلانها من النظام العربي الرسمي، مطالباً كلاً من مصر والإمارات بعدم خنقها والتضييق على مقاوميها عبر هدم وإغلاق الأنفاق بينها وبين مصر.

ورغم أن المنشور كُتب قبل دخوله الإمارات فإنه مُنع من السفر، وخضع لاعتقال استمرّ أشهراً دون محاكمة، قبل أن تُصدر محكمة إماراتية، في مارس الماضي، حكماً بسجنه 3 سنوات وتغريمه نصف مليون درهم.

رجال أعمال ليبيون

الأمر يتكرّر مع مختلف الجنسيات؛ فقد تحدّثت "هيومن رايتس ووتش" بشكل منفصل مع 3 معتقلين سابقين وأقاربهم كانوا ضمن مجموعة من 10 رجال أعمال ليبيين اعتُقلوا في الإمارات؛ في أغسطس وسبتمبر 2014.

ووصف المتحدثون مجموعة من الانتهاكات؛ منها الضرب والإجبار على الوقوف، والتهديد بالاغتصاب والقتل، والصعق الكهربائي. وهذه الرواية تتوافق مع روايات سابقة عن التعذيب في مراكز أمنية في الإمارات.

كما اعتقلت تلك الأجهزة رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد كيه، دون معرفة مكان اعتقاله أو التهم الموجّهة إليه، أو المكان الذي قادته إليه الأجهزة الأمنية الإماراتية.

رجل أعمال سوداني

كما اعتقلت قبل أشهر رجل الأعمال السوداني أيمن المأمون، بعدما وصل إلى الإمارات من أجل متابعة بعض أعماله التجارية والاستثمارية. وأصدرت محكمة استئناف أبوظبي الاتحادية، في يونيو الماضي، حكمها بالسجن المؤبّد بحقه، وإلزامه بالمصاريف القضائية.

وكانت نيابة أمن الدولة الإماراتية قد وجّهت لمجموعة مكوّنة من 5 أشخاص عرب، بينهم إماراتي، تهمة "التخابر" عن طريق تسليم معلومات حساسة، بعد إلقاء القبض عليهم، في السابع والعشرين من سبتمبر 2017، حيث يؤكّد ذوو رجل الأعمال السوداني أن القضية سياسية وأن التهم الواردة ملفّقة وغير صحيحة.

وتواجه الإمارات انتقادات دولية متصاعدة بسبب التجاوزات الكبيرة التي يتعرّض لها المحتجزون من المواطنين والمقيمين داخل مقار الاعتقال، فضلاً عن عدم تمكينهم من محاكمة عادلة.