ملفات » نيوم السعودية

الفساد يحكم

في 2018/08/02

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

في طريق بلد يحاول الانتقال إلى عصر ما بعد النفط، يقف مشروع "نيوم" السياحي كتحد ورجاء، النجاح فيه يعني أن محمد بن سلمان قد عرف أخيرًا بداية الطريق الصحيح، أما الفشل فسيترجم فورًا إلى نكسة، تضاف إلى نكسات أخرى عديدة، منها الاقتصادي مثل فشل طرح "أرامكو"، والفشل الخارجي ممثلا في حرب اليمن، وجهود مواجهة واحتواء النظام القطري.

مخاطر المشروع الكبير عديدة، وعميقة، والميزانية المرصودة هي الأضخم لمشروع اقتصادي، باستثمارات معلنة تقترب من نصف تريليون دولار، يبدو أقرب للحلم الكبير، تحويل شواطئ البحر الأحمر إلى قِبلة للسياحة العالمية، وجعل منطقة شمال غرب المملكة رئة جديدة للاقتصاد السعودي، توفر فرص العمل، وتزيد المداخيل بالعملة الصعبة، وتعدّل من الموازنة القائمة على النفط، ما يعطي ثباتًا في خطط التنمية الاقتصادية، بعيد عن الأسعار المتقلبة للذهب الأسود، وهي كذلك بعيدة عن خطوط التماس مع الحدود المأزومة، سواء في الشرق، أو الجنوب.

المشروع الكبير يقام على أراضي المملكة ومصر والأردن، ويركز على 9 قطاعات استثمارية متخصصة، على أن تنتهي المرحلة الأولى منه في 2025، وتقع المنطقة شمال غرب المملكة، على مساحة 26 ألفًا و500 كيلومتر مربع، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 468 كيلومترًا، ويحيط بها من الشرق جبال ارتفاع 2500 متر.

 

مشروع نيوم يبدأ خطواته الفعلية الأولى، فى شهر أب المقبل، بعد الانتهاء من الاتفاقيات الدولية، مع مصر والأردن، وإعلان القوانين اللازمة للمشروع الكبير، والإعلان عن مجلس إدارة يتولى المسئوليات كافة، بصلاحيات كاملة وشاملة، لمنح المشروع بداية مثالية، على يد مجموعة غربية من المديرين التنفيذيين، مشهود لها بالكفاءة، ولها تعاملات مع الأسواق العالمية، بما يجعل "نيوم" أول مشروع حكومي في المملكة يطبق فكر الحوكمة والشفافية.

وضع ولي العهد على رأس مجلس إدارة المشروع واحد من الكفاءات الغربية الكبيرة، الألماني كلاوس كلاينفيلد، كمستشار للأمير في "نيوم"، مع احتفاظه بعضوية المجلس التأسيسي للمشروع، وهو رئيس تنفيذي ورئيس مجلس إدارة سابق للعملاق الألماني "سيمنز"، ثم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "أركونيك"، ورئيس السابق والرئيس التنفيذي لشركة "ألكوا".

وأعلن المجلس التأسيسي للمشروع، عن تولي "كلاينفيلد" مهامًا أوسع نطاقاً لتعزيز التنمية الاقتصادية والتقنية والمالية في المملكة، حيث تم تعيينه في منصب مستشار ولي العهد، رئيس مجلس إدارة مشروع نيوم، إضافة إلى تعيينه عضواً في المجلس التأسيسي للمشروع، اعتبارًا من 1 آب 2018، وساهم كلاينفيلد بشكل مباشر منذ حزيران 2017 في وضع لبنات إنجاز الخطوات الأولية في مشروع "نيوم".

بدأت حياة كلاينفيلد المهنية مديرا لإنتاج المنتجات الإستراتيجية في قسم المستحضرات الصيدلانية في شركة "CIBA-GEIGY" السويسرية، وفي عام 1987 انتقل كلاينفيلد إلى "سيمنز"، حيث عمل في مجموعة المبيعات والتسويق، وبعد ذلك بعام انتقل إلى قسم التخطيط والإستراتيجية للشركة، ليترأس بعدها إدارة "مجموعة سيمنز للاستشارات الإدارية". وفي عام 2001، أصبح كلاينفيلد المسؤول التنفيذي الأول في المكتب الإقليمي لشركة "سيمنز" في الولايات المتحدة، وفي 2005 ترأس كلاينفيلد "سيمنز"، لينتقل بعدها بعامين إلى "ألكوا"، حيث أصبح الرئيس التنفيذي شركة الألومنيوم، وفي أبريل 2017 ترك منصبه في "ألكوا".

هذه هي السيرة المهنية التي عُيّن على أساسها "كلاينفيلد"، في مناصبه العديدة بالمملكة، ليصبح مسئولًا عن استثمار نصف تريليون دولار، وبالتالي صاحب الدور المفصلي في الانتقال السعودي إلى عصر جديد، تتواري فيه عائدات النفط خلف عائدات "نيوم"، وفتح مجالات جديدة للقطاع الخاص، لممارسة دور أكبر في قيادة عمليات التنمية، في عصر جديد بالكامل.

لكن ما لم يقله ولي العهد، إن "كلاينفيلد" متهم بالرشوة والفساد، خلال رئاسته لـ "سيمنز"، وورّط الشركة بمخالفات مالية، وصلت قيمتها إلى 420 مليون يورو خلال 7 سنوات، ورفعت شركة "سيمنز" في 2008، قضية ضد 11 مديرًا في الشركة، منهم "كلاينفيلد"، بتهمة الإخفاق والفشل في الإدارة، ودفع رشاوى تبلغ قيمتها مليار و700 مليون يورو.

قائمة الاتهامات بحق " كلاينفيلد"، تحولت إلى إدانة، بعد فرض المفوضية الأوروبية في 2007 غرامة مالية على "سيمنز" بقيمة 419 مليون يورو بسبب التنسيق غير الشرعي في تحديد الأسعار في مجال إنتاج الطاقة، وبسبب فضيحة الرشاوى.

وفي 2007 انتقل كلاينفيلد إلى عملاق صناعة الألومنيوم الأميركي ألكوا، في البداية كرئيس لمكتب العمليات وابتداء من أيار كرئيس تنفيذي وفي الختام كرئيس مجلس إدارة شركة Arconic المتخصصة في المعادن المستخدمة في صناعة محركات الطائرات.

واضطر كلاينفيلد في نيسان 2017 إلى ترك منصبه على رأس هرم شركة Arconic، بعدما اتهم بالأداء المتواضع، وعدم تحقيق النتائج المرجوة!.

باختصار، فإن تعيين "كلاينفيلد" ينطبق عليه القول: "إن كان يعلم فتلك مصيبة، وإن كان لا يعلم فأنها كارثة"، السؤال الآن، هل مدير بهذه المواصفات هو الخيار الأفضل لبداية المشروع، الذي تضع عليه المملكة كلها آمال التحول إلى المستقبل، وتستثمر فيه مبالغ هائلة، أم أن الفشل –إن حدث- سيمر كالعادة بلا حساب.