خاص الموقع

مهاتير والسيسي.. نماذج التبعية

في 2018/05/29

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

داعبت عودة أكبر الحكام سنًا في العالم، إلى سدة رئاسة الوزراء في ماليزيا، خيالات العديد من الحكام العرب، بأعوامه الـ92 يقدم مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي، شاهدًا على إمكانية الاستمرار في الحكم إلى نهاية الحياة، وهو أمر يرغبه أي حاكم عربي، من المتسلطين على شعوبهم.

الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عضو الحلف العدواني على الشعب اليمني، والحليف الأوفى للمملكة، كان أول من التقط طرف الخيط، في أحد مؤتمراته الرئاسية، التي يعقدها للشباب بمصر، في ظل زيادة وتيرة إجراءات إصلاح اقتصادي مثيرة للجدل، فرضها صندوق النقد الدولي على الحكومة المصرية، لقاء قروض يبلغ 12 مليار دولار، مخصص لعلاج الاختلالات بالميزانية العامة المتعثرة.

وجد "السيسي" في مهاتير محمد فرصة لإعلان رغبته في البقاء، وفرصة للتذكير بأن الإصلاح الاقتصادي المصري سيؤدي إلى شيء مماثل لما جرى في ماليزيا، التي يعتبر الإعلام العربي تجربتها الإصلاحية "نهضة" كاملة الأوصاف، وفي غياب أي رد من الحاضرين، الجاهزين بالتصفيق على كل حرف دون تفكير، قرر الحاكم فورًا أن ما يحدث في ماليزيا دليل على صدق رؤيته وسلامة اختياراته.

والحقيقة أن ما جرى يعد سطحية كاملة وتفاهة في التناول، رغبة في الكلام لمجرد إشباع حب الظهور، وبالتالي "خفة" في تناول الحدث الفارق، وظهر غير قادر على الحكم السليم، نتيجة عدم استناده لمنظومة منطقية في مقاربة أعمق كثيرًا من السن.

أي محلل مبتدئ سيرى في أزمة ماليزيا، اللي أدت لعودة أكبر الحكام سنًا للحكم، دلالة على هشاشة الإصلاحات الماليزية، ونتيجة مباشرة لعصفه بخصومه السياسيين، وحتى المحتملين منهم، ما أنتج دولة ذات مؤسسات خاوية، مقاعد قيادتها رهينة لعدد من أتباعه، ممن لا يجيد سوى السمع والطاعة، وتعذر على بنية الدولة إخراج جيل ثان، يستطيع استكمال المشوار.

مهاتير كطاغية، في ثوب حداثي، ربط وجود دولته بشخصه، وبطبائع النفس الإنسانية وقدراتها في سن متقدمة جدا -92 سنة- لن يستطيع استدراك الكارثة التي صنعها.

الإصلاح الماليزي قدم بمرور الوقت، الذي جعله ناضجًا كفاية للحكم، شاهدًا أوفى على إصلاح مرتبط بشخص الحاكم، إصلاح مفروض ومصنوع، ما إن غاب صانعه لـ15 عامًا فقط، وهي مدة في عمر الشعوب قصيرة للغاية، إلا وارتد على عقبيه متراجعًا، بفعل هشاشة البنية.

التجربة الماليزية للإصلاح تعد ملهمة للعديد من الكتاب، بفعل تحقيق معدلات نمو هائلة، وصلت إلى 7.9%، خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، وتجاوزها للأزمة المالية التي عصفت في العام 1997 بالعديد من النمور الآسيوية، وعلى رأسهم تايلاند وإندونيسيا، لكن من المهم تفكيك ملامح تلك التجربة، للوقوف على سبب الأزمة، الذي يكمن في بنية النظام الذي ورثه نجيب رزاق، رئيس الوزراء المعزول.

اليابان وكوريا الجنوبية كانتا السبب الجوهري وراء صنع "اقتصاد مثال"، لدول جنوب وشرق آسيا، يخاصمان التوجه الاقتصادي للاتحاد السوفياتي السابق والصين، نموذج تنمية يغازل خيالات الشعوب قبل الأنظمة، للالتحاق بركب التبعية للأميركي، ومن ثم كسب مواقع جديدة للأقدام، خلال الحرب الباردة، التي كانت كما يعرف العالم حربًا دعائية، أكثر منها صراعًا عسكريًا.

تحملت اليابان الدور الأهم بالثورة الصناعية، في ماليزيا-مهاتير، وتم هندسة البلد فعليًا من خلال رأس المال والتكنولوجيا اليابانية في الثمانينيات والتسعينيات، كجزء من مجهود غربي أراد صناعة التجربة وتسويقها، ثم قامت الشركات والعمالة الكورية الجنوبية بدور أساس في بناء رمز ماليزيا الحديثة، أي برجي "بتروناس" التوأم، في العاصمة كوالامبور.

صادرات ماليزيا ترسم الوجه الآخر لعملة "النهضة المزيفة"، فالتقدم الماليزي الحقيق بدأ مع الكشف عن البترول في بحر الصين الجنوبي، لتتدفق الأموال، منذ بداية الثمانينات، ما منح مهاتير فرصته لإعادة بناء البلد، وصياغة المجتمع على النموذج الغربي، ووفرت فوائض أموال مكنته من بداية مشروع صناعي، مدعوم تمامًا من "المحور الأميركي"، وكان العمال والمهندسون القائمون في البداية على الصناعة من كوريا الجنوبية خصوصًا.

وتبقى نقطة أخرى عن ماليزيا، هي أن عدد سكانها يقترب من المملكة، حيث لا يتجاوز 30 مليون نسمة، وبهم عدد من العمالة من جنوب شرق آسيا، كما هي الحال في المملكة بالضبط، أي أنها لا تعاني على المستوى السكاني من انفجار، كالذي يميز باقي دول آسيا، أو مصر، التي يبلغ عدد سكانها 104 ملايين نسمة.

"السيسي"، في حديثه عن نهضة ماليزيا، التي يتخيلها، نحى جانبًا كل ما هو مهم فعلًا، وركز فقط فيما يهمه، ويطمع فيه، أنه يكمل حتى أرذل العمر، طالما هيأت له نفسه، وأجهزته أنه ضرورة لمصر، مع إنه وللغرابة، منذ بدء تداول اسمه وصورته في الصحف، عقب تعيينه وزيرًا للدفاع، لم يستطع أو يجرؤ أن يسير في شارع، أو يلتقي بمصريين حقيقيين، سوى مقابلات إعلامية بائسة، مرتب لها، وفق سيناريو، وكل شخوصها مجرد ممثلين.