ملفات » نيوم السعودية

إصلاح أم ترفيه.. مباريات المصارعة تجيب

في 2018/05/08

فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-

تتجه الدول إلى الإصلاح، مدفوعة برؤية، باحثة عن هدف نقل المجتمعات إلى حالة أفضل، لتحقيق الرفاهية، وضمان تأمين المستقبل، ولو بالتضحية بتحمل نصيبها من معاناة الحضر، خاصة لو كانت الدولة واقعة تحت تأثيرات ماضوية، عاجزة عن الانتقال بها إلى عالم جديد، تشكل منذ زمن.

ما سبق هو وصف حال للمملكة السعودية، التي تكافح للحاق بسباق التقدم الإنساني، والاستعداد –المتأخر جدًا- لتجاوز عصر البترول، وتهيئة الظروف لاقتصاد متنوع، يثبت الصناعة كمكوّن رئيس للقطاعات الاقتصادية، في وجود قدرات مالية هائلة، قادرة على التحول لإمكانيات تكنولوجية وصناعية تستطيع الثبات والمنافسة.

في نصف القرن الفائت، حاولت العديد من دول العالم التحول إلى مجتمعات قادرة على الدخول إلى مسيرة الفعل الإنساني، عن طريق إصلاحات ضخمة وعميقة وشاملة، جعلت من بعضها نمورًا وأسودًا، كما في تجمع "بريكس"، وجعلت دول أخرى على شفا حفرة من جرف هار، والفارق بين المصيرين كان فعلًا واحدًا هو: "الإرادة".

في الهند والبرازيل نجحت الحكومات المتتالية في وضع خطط التغيير، يدفع من رغبة داخلية أدركت مبكرًا التحديات في عالم متغير، ورؤية شاملة استهدفت الصناعة القادرة على الخروج لأسواق العالم، وتغيير المنظومة القيمية للمجتمع، التي يسببها التحوّل، وها هي البرازيل، التي بدأت متأخرة نسبيا، تحت حكم لولا دا سيلفا، تصبح واحدة من أكثر اقتصاديات العالم نموًا.

الإصلاح البرازيلي انطلق من رؤية داخلية، وشفافية كاملة في التعامل مع الأزمات، وخاصمت مبكرًا المؤسسات المالية العالمية، خصوصًا صندوق النقد الدولي، بعد رفض منح قرض إلى الحكومة، تخوّفًا من عدم قدرتها على السداد، بعد رفض الرئيس الأسبق "دا سيلفا" الشروط المرتبطة بالقرض، وبالتالي اضطر لانتهاج "روشتة" محلية تمامًا، ساهمت في تحويل البلد اللاتيني الفقير والمكتظ بالسكان، إلى واحد من أسرع اقتصاديات العالم نموًا.

كلمة السر في التفوق البرازيلي، كان برنامج "الرفيق الدائن"، الذي حوّل الطاقات المعطلة لدى الشباب إلى رغبة في مسايرة مسيرة التطور الصناعي، فافتتحت آلاف الورشات، لتوريد احتياجات المصانع الكبيرة، التي بدأت تتهافت على البلد، ما أدى إلى نهضة شاملة، وارتفاع في مستويات الدخول، بفكرة بسيطة لكنها عبقريتها تمثلت في قراءة جيدة للمجتمع.

المملكة التي يسير بها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، في خطة موضوعة للإصلاح، لا تمت إلى الشفافية أو المحلية بأي قدر، فـ"رؤية المملكة 2030" على سبيل المثال، خرجت من مكاتب استشارات دولية، ثم فرضت كإصلاح من أعلى، دون النظر لحاجات المجتمع الحقيقية، ويكفي أنها رفعت شعار "الترفيه"، والموجه للطبقات القادرة على حضور الاحتفالات الموسيقية أو مباريات المصارعة، بدلًا من المصطلح الأدق وهو "الرفاهية"، الذي يعني تغيير نمط الحياة لملايين يعيشون تحت خط الفقر.

وأعلنت الجهات الحكومية عن خطط لإنفاق 50 مليار ريال، بحلول عام 2020، في مبادرة لدعم وسائل الترفيه، والصحة، والرياضة، والتعليم، في إطار مساعٍ للتحديث طبقًا لتصريحات أحمد الخطيب، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، وهو شاهد لا يحتاج لتحليل، إذا ما وضع في سياق مباراة المصارعة التي جرت قبل أيام في المملكة.

ما يشي به واقع الحال، دون شبهة تجن، أن المسؤولين يستخدمون الفوائض المالية المتحققة من زيادة أسعار البترول، خلال العامين الماضيين، في الترويج لخطة إصلاح، لم ير منها المواطن شيئًا، إلا المعاناة المتعلقة بزيادات الأسعار القياسية، والضغوط المعيشية الناتجة عن تراجع الدخول الحقيقية.

في الحقيقية، فإن المملكة بحاجة لإحداث قطيعة حقيقية مع الوجوه التي تولي وجهها شطر الغرب، ولم تؤد إلا إلى التأخر والارتباط برهانات عفا عليها الدهر، بحاجة إلى روح جديدة تعبر عن المستقبل، وأماني المجتمع صوب عالم جديد وحر ومختلف، وغد جديد تعلو فيه منظومة مجتمعية تتمثل في الكفاءة والإنجاز معياراً للعمل الوطني، فالإصلاح المرسوم خارجيًا لن يصنع نهضة على الإطلاق.