ملفات » نيوم السعودية

بعد طول ازدهار.. هل يقضي انفتاح السعودية على "الطقاقات"؟

في 2018/03/29

وكالات-

في "ليلة العمر" كما يطلَق على يوم الزفاف، أو الليلة التي تسبقها، حيث الاحتفال والبهجة والمسرَّة، لا تكتمل الفرحة إن لم تحضر "الطقاقة"؛ فهي ملح السهرة بين النساء، وسرّ البهجة، وعنوان الفرحة، وسبب التجمهر والاكتظاظ.

الطقاقة -بحسب التسمية المعروفة في بلدان الخليج العربي- مهنة أخذت في الانقراض ببعض هذه البلدان، في حين يزداد الطلب عليها بالسعودية، وهو ما يجعلها مهنة مُغرية تشجع على امتهانها؛ لا سيما مع ما توفره من مدخول جيد.

ومهنة الطقاقة تحترفها النساء، والحرفة هي الغناء والعزف، ويكفي إن امتلكت إحداهن صوتاً جميلاً، وقدرة على حفظ أكبر عدد من الأغاني، فهي بذلك ستنال شهرة عند مختلف شرائح المستمعات.

وكانت طبيعة المجتمع الخليجي سبب ظهور الطقاقات؛ إذ يقدمن حفلاتهن للنساء فقط؛ فالعرف الدارج أن لا اختلاط بين الجنسين في المناسبات.

ومثلما للرجال فِرق تحيي حفلاتهم، بطابعها التراثي، للتعبير عن الفرح، لا بدّ من أن تفرح النساء أيضاً؛ ومن هنا كان وجود الطقاقات ضرورة ملحّة.

الانفتاح الذي شهدته بلدان الخليج كان وراء انتهاء عهد الطقاقات في بعض البلدان؛ فبالإمكان الاتفاق مع مطربة معروفة لإحياء الحفلات، أو الاكتفاء بموسيقى وأغانٍ تُبَث من خلال الـ"دي جي" في قاعات فخمة.

- الطقاقات صورة تراثية

بشكل عام، كانت مهنة الطقاقات وضيعة عند غالبية المجتمع الخليجي، لكن لا غنى عن وجودهن، وكنّ يتقاضين أجوراً غير مرتفعة نسبياً تجعلهن متاحات للجميع.

وكانت الطقاقات يرتدين ملابس حشمة كاملة، ولا ينزعن البرقع حتى مع وجودهن في الحفل المخصص للنساء فقط؛ ليخفين أشكالهن؛ كي لا يعرفهن الناس بأشكالهن.

وتجلس الطقاقة على كرسي أو وسائد تكون فيها مرتفعة عن الجالسات الحضور، وكانت غالباً تجيد استخدام الدف.

ولكل طقاقة فرقة من النساء يُطلَق عليهن "الرادودات"، مهمتهن الردّ بمقاطع الأغنية والعزف على آلات موسيقية تعتمدها الطقاقة.

الدفوف والعود هي الآلات الرئيسة التي تعتمد عليها الطقاقات، لكن بعضهن يكتفين فقط بالدفوف؛ لكون فقهاء الدين أباحوا الدف؛ بل إن بعضهن لا يغنين الأغاني المعروفة، التي تتطرق إلى الغرام والغزل؛ ويكتفين بأغانٍ فيها أذكار وتسبيح.

- الطقاقات يسايرن الحداثة

وتضم فرق الطقاقات اليوم عازفات على آلات موسيقية حديثة، بالإضافة إلى الآلات الإيقاعية، فقد أدخلن آلات عديدة منها "الأورغ"، ويعتمدن على هندسة الصوت من خلال آلات متطورة تساعدهن في الغناء وتحسين أصواتهن.

وأصبحن يعتمدن على الإعلام الحديث للترويج لأنفسهن من خلال إنشاء حسابات خاصة، وتنتشر مقاطع دعائية لهن على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

- في السعودية العمل مزدهر

كان الالتزام الديني الذي عُرفت به السعودية سبباً في ارتفاع عدد الطقاقات، وبقاء عملهن وازدهار هذه المهنة، فالاختلاط كان قبل الانفتاح الذي شهدته البلاد مؤخراً، ممنوعاً، وهو ما جعل حفلات النساء تعتمد على الطقاقات.

بحسب ما تتداوله الصحافة السعودية، فإن مهنة الطقاقة أصبحت مغرية؛ فالطلبات ترتفع باستمرار من قِبل العوائل لإحياء المناسبات.

وفي وقت سابق، ذكر موقع "العربية.نت" أن العائد المالي الكبير دعا أباً سعودياً إلى "إجبار" ابنته الطبيبة على أن تعمل "طقاقة".

ونقل الموقع السعودي عن الطبيبة (ر.ي) أن الصدفة أدت بها إلى أن تصبح مطربة مشهورة في قصور أفراح الرياض دون رغبة منها.

وبدأت قصتها بذهابها في إحدى المرات لحفلة إحدى القريبات.

وقالت: "قادتني الحماسة إلى أن أطلب الغناء مع الفرقة كإهداء للعروس، فوافقوا، ومن هنا بدأتُ، حيث أعجبت بي الطقاقة، وأصرَّت على أمي أن أذهب معها في حفلاتها، ورغم معارضة أهلي الشديدة في البداية، فإنهم وافقوا مقابل حصة كبيرة من كل حفلة".

وتضيف: "إلا أن والدي أجبرني على ذلك، بعد أن لاحظ المبلغ المادي الذي كنت أحصل عليه، والذي جعل حالتنا المادية تستقر، ما أجبرني على المضي في هذا الطريق، الذي أتمنى تركه يوماً".

بدورها، تطرقت صحيفة "اليوم" السعودية، في تقرير سابق، إلى سبب ارتفاع أجور الطقاقات.

ونقلت عن "طقاقة" -تحفظت على ذكر اسمها الصريح ورمزت لها بـ"س س"- قولها إن زيادة الأسعار ليست مسؤولية الطقاقات.

وأشارت إلى أن سبب ارتفاع أجورهن يعود إلى "موجة الغلاء"، فضلاً عن متطلبات أعضاء الفرقة المرافقة للطقاقة، ويتراوح عددهن بين خمس إلى ثماني نساء.

- هل يقضي الانفتاح على الطقاقات في السعودية؟

ازدهار عمل الطقاقات في السعودية الناجم عن انغلاق المجتمع، قد لا يستمر مع الانفتاح الذي تشهده المملكة.

فبعد قرارات يدعمها ولي العهد محمد بن سلمان، تشير الدلائل إلى أن عهد الانغلاق على المرأة أصبح من الماضي.

فقد سُمح للمرأة بالدخول إلى الملاعب، وفي يناير الماضي شوهدت سعوديات داخل مدرجات أحد الملاعب مختلطاتٍ مع الرجال، وأقيمت حفلات لمطربين ومطربات عرب حضرتها النساء.

ومن بين القرارات التي رفعت القيود عن المرأة، السماح لهنّ بقيادة السيارات، فضلاً عن إقامة عروض للأزياء، في حين تستعد الرياض قريباً لإقامة أسبوع الموضة العربي لأول مرة في المملكة.

ومثلما قضى الانفتاح على وجود الطقاقات في بعض البلدان الخليجية، يبقى التساؤل قائماً عما إذا كان الانفتاح الذي تشهده السعودية سيقضي على مهنة الطقاقات، فلا حاجة لدورهن الخاص بالنساء إذا عمّ الاختلاط مناسبات المجتمع السعودي.