ملفات » إنقلاب بن سلمان على بن نايف

خنق الحريات في ظل ابن سلمان يشرخ صورة "الحاكم المصلح"

في 2017/09/20

علاء جمعة - DW- بالعربية-

النفوذ المتصاعد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتغييرات الداخلية في البلد تفتح الباب أمام تساؤلات عن وجهة المملكة مستقبلاً، وهل يطمح الأمير الشاب لتطبيق تغييرات إصلاحية أم يسعى لإقامة نظام قمعي أحادي السلطة؟.

يعمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على تعزيز سلطته في السياسة والاقتصاد، بحسب ما يرى محللون، عبر استراتيجية مزدوجة: التصدي لأي معارضة، واستقطاب الجيل الشاب إلى حلقة طموحاته. واتخذ الأمير منذ تعيينه في منصبه في حزيران/يونيو الماضي إجراءات سياسية وأمنية عديدة بهدف توسيع نفوذه في المملكة قبل أن يتوج في المستقبل ملكا خلفا لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز.

 وفي مملكة نصف سكانها دون سن الخامسة والعشرين، بات ينظر إلى الأمير محمد (32 عاماً) على أنه الحاكم الفعلي، ولو من خلف الستار، للدولة الغنية التي تحتفل هذا الأسبوع بعيد تأسيسها الخامس والثمانين على يد جد ولي العهد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود.

 وشهدت السعودية في الأسبوعين الأخيرين حملة توقيفات شملت اكثر من 20 شخصا بينهم رجال دين بارزون وشخصيات معروفة، في إطار ما اعتبرته منظمات حقوقية حملة منسقة "ضد حرية التعبير". وقالت منظمة العفو الدولية إن حملة الاعتقالات هذه هي الأكبر خلال أسبوع واحد منذ سنوات. وأوضحت في بيان نقلته وكالة الأنباء الفرنسية أنه "على مر السنوات الماضية، لم نشهد أسبوعاً جرى خلاله اعتقال هذا العدد الكبير من الشخصيات المعروفة في وقت قصير"، وهو ما أثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الإجراءات الداخلية الجديدة.. إصلاح أم ماذا؟

ويرى المحلل والخبير في الشأن السعودي سامح راشد في حوار مع DW  عربية أن الاهتمام الإعلامي بولي العهد السعودي ليس بالجديد، لكن تزايد التسريبات حول قرب استلامه السلطة رسمياً، كان وراء تركيز وسائل الإعلام على طريقته في إدارة الأمور، خاصة بعد أن أصبح له اليد الطولى تقريباً في المملكة، وظهرت تغييرات ملموسة في السياسة السعودية داخلياً وخارجياً بفضله بحسب كلام الخبير.

ويرى راشد أن معظم ما يحدث من تغييرات في المملكة، يمكن اعتبارها تغييرات تحضيرية لتهيئة انتقال السلطة لمحمد بن سلمان، ومنها الاعتقالات التي جرت مؤخراً لرجال دين ومغردين وغيرهم، وتصعيد جيلي الوسط والشباب إلى مواقع قيادية على حساب جيل الكبار الذي يدين بالولاء للكبار أيضاً في العائلة الملكية "الحرس القديم"، بالإضافة إلى إصدار الرؤية الاقتصادية للمملكة (2030).

ويؤكد الخبير المصري أنه وبالرغم من أن هذه الإجراءات تحمد في طياتها إصلاحاً وتطويراً لبعض القطاعات، مثل الحد من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف ودعم دور الشباب، إلا أن هذه التغيرات ليست الهدف الأساس بحسب الخبير في الشأن السعودي، بل أن هذه التغييرات تهدف بالغالب إلى مغازلة صناع القرار في العالم الغربي وتحمل رسائل إلى الخارج أكثر منها إلى الداخل. ويؤكد ذلك تصريحات الشيخ عبد الرحمن السديس قبل أيام التي غازل فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو موقف غير مسبوق من جانب أحد أهم رجال الدين في المملكة.

الطبيعة السياسية والاقتصادية لحكم ابن سلمان

يصعب تحديد التوجه السياسية لمحمد بن سلمان حالياً، لكن توجد مؤشرات رمزية تساعد في قراءة طالع هذا الحكم. لعل أهمها تحركاته المنفردة وظهوره وحده دائماً، فنادراً ما يظهر مسؤولون آخرون برفقته. وكذلك صدور عدد من القرارات الاقتصادية بشكل مركزي، ثم تعديل بعضها لاحقاً.

ويؤكد رئيس اللجنة الخارجية لمجلس الشورى السعودي زهير الحارثي في حوار مع DW عربية على الأهمية الكبيرة التي توليها المملكة السعودية لجهود ولي العهد محمد بن سلمان، "خاصة أنها تأتي في مرحلة حرجة من تاريخ المملكة" بحسب قوله.

ويرى السياسي السعودي أن الخطة الاقتصادية لولي العهد شكلت أهمية كبرى وذلك من أجل التنوع الاقتصادي لموارد المملكة، وهو ما ساعده على بسط نفوذه سياسياً. ووصف الحارثي التحركات السعودية الداخلية الأخيرة بأنها عادية، وبأن من حق كل بلد أن تدافع عن مصالحها بفعل ما تراه مناسباً. ورفض عضو مجلس الشورى اتهامات بعض المراقبين التي  تحدثت عن خلافات داخلية سعودية، معتبراً أنها "محض هراء".

من جهته يرى الخبير المصري سامح راشد أن التحركات الداخلية الأخيرة تحمل مؤشراً يفيد أن هناك نية لتخفيف الطابع الديني وحصر ارتباط اسم المملكة بالدين بشكل عام، إذ ستتجه الأمور إلى درجة أعلى من التركيز على الهوية الوطنية للمملكة كدولة وطنية. والاهتمام بالنواحي الدنيوية، مثل الرياضة والتكنولوجيا. ومن إشارات ذلك حضور ابن سلمان مباراة السعودية واليابان في تصفيات كأس العالم لكرة القدم.

لذلك يمكن بسهولة توقع أن تحدث تغييرات أخرى في المؤسسات الدينية، مثل هيئة كبار العلماء. في اتجاه تقليل سطوة رجال الدين والحد من وزنهم النسبي في السياسة وتركيبة الحكم.

وفي الاقتصاد، تكشف رؤية (2030) عن توجه رأسمالي عام، دعمه اتخاذ إجراءات لتخفيف العجز المالي مثل رفع رسوم بعض الخدمات، والحد من مخصصات بعض الأمراء.

وهاجمت بعض مواقع التواصل الاجتماعي الخطة الاقتصادية لمحمد بن سلمان، مؤكدة أن السياسيين فشلوا في تعديد مصادر الدخل طوال السنوات الماضية وأثناء فترة الرفاه الاجتماعي، لذلك فمن غير المتوقع نجاحه في هذه المرحلة الحساسة.

هل المملكة في مأزق؟

ويرى مراقبون أن الصعود السريع لسلم السلطة، بحساباته وتعقيداته وحتى بجرأته، يحمل في طياته أبعاداً مثيرة، مثل لحظة تعيينه في منصبه خلفاً لابن عمه الأمير محمد بن نايف (58 عاماً) الذي خرج بشكل مفاجئ من الحكم. وأظهرت قنوات سعودية يومها الأمير الشاب وهو ينحني ليقبل يد ولي العهد السابق.

ويرى دبلوماسيون غربيون أن الأمير محمد بن سلمان يبرهن أنه قادر على حكم السعودية لنحو نصف قرن على الأقل، إلا أن النمو الاقتصادي البطيء والبطالة قد تقوض محاولات الأمير الذي يسعى إلى وقف الارتهان للنفط وتطوير القدرات الصناعية للمملكة وتعزيز الاستثمارات الخارجية فيها بهدف خلق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص للجيل الشاب.

من جهته يرى الخبير المصري سامح راشد أن المملكة السعودية تواجه بالفعل تحديات تصل أحياناً إلى درجة التأزم. خاصة من المنظور "الجيواستراتيجي"، حيث التحديات الإقليمية خطيرة وملحة وقائمة على الحدود مباشرة خصوصاً في اليمن والبحرين. والأخطر أن لها امتدادات داخلية تتصل بالبعد المذهبي. وهذا عبء كبير لا يزال من غير الواضح كيف سيتعامل محمد بن سلمان معه. خاصة مع بوادر تخليه عن الاعتماد على رجال الدين.

اقتصادياً، توجد تحديات كبيرة وهيكلية، تتمثل في الاعتماد المستمر حتى الآن على النفط. ولا توجد إشارات إلى قدرة ولي العهد على التخلص من هذه الاعتمادية. لكن نتائج هذا الوضع لن تظهر سريعاً. فالأصول والوفرة المالية المتاحة لرياض كبيرة وبإمكانها تغطية الاقتصاد لعدة عقود.

ويعتقد الخبير المصري أن الحكم في المملكة سيشهد اتجاهاً واضحاً نحو السلطوية وسيطرة أجهزة الأمن، ومزيداً من الاقتراب نحو شرعية الرضى الدولي والتوافقات الخارجية على حساب الشرعية التقليدية المبنية على المرجعيات الدينية وقواعد توارث الحكم