صحة » اجراءات

هاربون من العقوبة بادعاء المرض النفسي..!

في 2017/03/13

ادعاء المرض النفسي بعد ارتكاب بعض الجرائم أصبح ذريعة لدى بعض المنحرفين بل بعضهم يخطط جيداً لهذا الأمر حيث يذهب إلى الطبيب النفسي في زيارة أو زيارتين ويصبح لديه ملف في العيادة النفسية، وذلك ليتملص من العقوبة التي سيطبقها الشرع في حقه، وهناك أيضا بعض مرتكبي الجرائم عندما يشعرون بمحاصرة القانون له، ويرى أنه لا مفر من تطبيق القانون بحقه، يبدأ بالادعاء أنه مصاب بأحد الأمراض النفسية التي تدفعه لارتكاب هذه الجرائم ومن ثم يبدأ في الادعاء والتمثيل ليضلل المحققين وينفذ من الجزاء باعتبار أن المرض النفسي يحول بينه وبين إيقاع العقوبة، ولكن ادعاء المرض النفسي ليس أمراً سهلاً، خاصة مع الأطباء ذوي الخبرة في مجال الطب النفسي الشرعي.

تحايل وخديعة

بداية يؤكد د. عبدالله الوايلي -رئيس قسم الحماية المشددة بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض- على أن قضية ادعاء المرض النفسي ليست جديدة على مجتمعنا بل هي مشكلة حقيقية موجودة ومتأصلة لدى البعض حيث تعتبر جريمة تقليدية مستجدة يستخدمها المحتال أو من يترافع عنه في ظل غياب الضمير بهدف الوصول إلى انتفاء المسؤولية الجنائية وبالتالي عدم حدوث العقوبة القانونية أو تخفيفها.

ويصنف د. الوايلي الاحتيال بادعاء المرض النفسي بقوله: يأتي على جانبين إما مرضي فعلاً وهو ما يعرف بمتلازمة مانشاوسن (Munchausen’s syndrome)، وما يعرف أيضا بالاضطراب المفتعل حيث إنه عبارة عن حالة نفسية وسلوكية يتظاهر فيها الشخص بالمرض من خلال بعض الأعراض المعينة التي يقوم بها في سلوكيات مفتعلة إما لأمراض نفسية أو جسدية فيلعب دور المريض دائما من أجل جذب انتباه الآخرين والاهتمام من الأسرة أو ممن يحيط به نظراً لما يعانيه من قصور عاطفي غالباً لا من أجل تحقيق منفعة مادية، بينما يأتي الادعاء المرضي من جانب آخر من أجل التحايل على النظام لتحقيق أهداف مشروعة بطرق غير مشروعة كالحصول على مميزات مادية أو معنوية بالإضافة للتهرب من المسؤولية القانونية حول فعل مجرم.

وبيّن أن هناك فرقا شاسعا بين الطب النفسي والطب النفسي الشرعي، مضيفاً: "الطب النفسي يعالج الاضطرابات التي تصيب السلوك وتصيب الحالة الانفعالية للإنسان دون أن يكون هناك خلل عضوي في أعضائه أو أجهزته، بينما الطب النفسي الشرعي هو تخصص دقيق يتم فيه تطبيق كافة المعارف والخبرات الطبية النفسية الجنائية لحل القضايا المنظورة أمام القضاء بهدف تحقيق العدالة والقانون.

رأي استشاري

وحول إذا ما كان رأي اللجنة الجنائية النفسية رأيا استشاريا أو إلزاميا للقضاء أوضح د. الوايلي بأن رأي اللجنة من الناحية القانونية رأي استشاري فقط أي من أجل الاستشارة الطبية النفسية عندما تطلبها الجهات ذات الاختصاص وخاصة هيئة المحكمة التي لها الحق بإقرار توصيات اللجنة النفسية والعمل بها أو رفضها نظراً لعدة أمور أهمها المعرفة والإلمام بكل جوانب القضية ومستجداتها أي أن حكمها كلي بينما اللجنة الجنائية النفسية حكمها جزئي يختص بالمرض النفسي فقط كما أن الأمراض النفسية متعددة ومختلفة وليس كل مرض نفسي يعني عدم المسؤولية القانونية.

جريمة لا أخلاقية

ونفى د. الويلي قبول اللجنة النفسية الجنائية لأي تدخل خارجي بالقرار الطبي النفسي، مضيفاً: مجرد التفكير في قبول التدخل الخارجي من وجهة نظري الشخصية يعد جريمة لا أخلاقية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى لأنها تخالف جميع القوانين الشرعية منها والوضعية وحتى الأعراف الاجتماعية، موضحاً أن عمل اللجنة النفسية الجنائية عمل تكاملي يهدف إلى تقييم الحالة العقلية والنفسية والسلوكية للشخص وفق آلية واضحة ومنظمة تطبق فيها السياسات العلمية والمهنية بدقة متناهية والتي لا تقبل التدخل أو التطفل أو التأثير من أي كائن من كان خاصة في ظل حرص وزارة الصحة والدعم المباشر وغير المباشر من إدارة مجمع الأمل التي تمنع وترفض أي تدخل خارجي في قرار اللجنة مما يساعد أعضاء اللجنة الجنائية على أداء مهمتهم بشكل جيد وبأريحية تامة وفق القواعد والشروط القانونية اللازمة.

ظاهرة ملفتة

ومن الناحية القانونية، أوضح أحمد المالكي -محامي- بأن المرضى المتهمون على نوعين، : إما مريضا بالأساس ويرتكب فعلاً إجرامياً بسبب مرضه، وهذه الحالة نظمتها بعض القوانين وتتدرج به من تخفيف للعقوبة إلى إلغاء المسؤولية وبالتالي يودع في مصحة للعلاج العقلي حتى لا يشكل خطراً على المجتمع أو على نفسه، فيما هناك من يدعي المرض العقلي والنفسي بعدما يرتكب الجريمة بهدف تخفيف العقوبة كأن يمثل على المحققين بإصابته بانهيار يؤدي إلى الجنون، وللأسف تحول مدعي المرض النفسي والعقلي إلى ظاهرة تحتاج إلى الرصد والمتابعة والبحث ولاسيما أن هذا الدفع من الدفوع الجوهرية في القضية أمام المحكمة وتلزم القاضي بالرد عليها والبحث فيها ولا يمكنه تجاهل الدفع بانعدام المسؤولية الجنائية.

ويواصل المالكي: ادعاء المرض النفسي أو العقلي بعد ارتكاب الجريمة يعطي الحق الكامل للقاضي بإحالته للطب النفسي الشرعي لإثبات مدى صحة وسلامة عقله أثناء ارتكاب الجريمة، لافتاً: ليس كل مرض نفسي يعتبر جنونا، وليس كل مريض نفسي يعفى من العقاب، مشيراً إلى أن الأشخاص الذين يلجؤون إلى هذه الحيل والادعاءات هم أشخاص عديمو الضمير يتظاهرون بـالمرض النفسي للتهرب من المسؤولية القانونية.

حيل المحامين

وحول لجوء بعض المحامين لخيار ادعاء المرض النفسي لموكله المتهم أكد المالكي أن المحامين نوعان فهناك محامٍ يريد كسب القضية ولا يأخذ في الاعتبار ثقة المحكمة فيه وهذا المحامي يتمسك بهذا الدفع سواء لإطالة أمد القضية أو للتأجيل، وهناك محامٍ يريد كسب القضية مع الحفاظ على ثقة المحكمة فيه، وهنا أيضاً يدفع به إذا كان ذا أثر في القضية ويعد دفع جدي وليس بغرض إطالة أمد القضية أو التأجيل، كما يجوز للمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها إذا كان الجنون ظاهراً، وعموماً المحامي الذي يسعى للمحافظة على سمعته وجديته لا يلجأ إلى الحيل في الدفاع بل يتمسك بالدفوع الجدية حتى لا يفقد ثقة المحكمة واحترامها له.

الرياض السعودية-