ملفات » الفساد في السعودية

الاتهامات بالفساد وضعف البنى التحتية تتجدد مع سيول المملكة.. ووزير البلديات: نحتاج 4 سنوات

في 2017/02/20

«نحتاج 4 سنوات لعلاج مشكلة المطر».. هكذا تحدث وزير الشؤون البلدية السعودية «عبد اللطيف آل الشيخ»، عن مساعي وزارته لحل أزمة السيول التي تضرب المملكة، والتي كان آخرها ما شهدته المنطقة الشرقية خلال الأيام الماضية.

فمن يسافر إلى مدن أوروبية أو أمريكية أو آسيوية يرى بعينيه كيف أنّ بعض تلك المدن تهطل عليها الأمطار بصفه شبه يومية، إلاّ أنّه لا يرى أي تجمعات للمياه في الشوارع؛ لأنّ كل دول العالم انتهت منذ أزمان طويلة من حل مشكلة تصريف مياه الأمطار والسيول.

وعلى الرغم من أنه مع بداية كل فصل شتاء، يرتفع مستوى التحذيرات والتنبيهات الصادرة من الجهات الأمنية السعودية المعنية كالدفاع المدني والجهات المدنية، كالهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، عن توقعات بهطول أمطار مستوياتها الغزيرة والمتوسطة والخفيفة، بالإضافة إلى الفلكيين والمهتمين في اتباع وسائل السلامة لمثل هذه الحالات، والابتعاد عن مجاري السيول والأودية وخلافها، إلا أن الأزمة مستمرة، دون حل جذري، وكل عام يسقط ضحايا من قتلىة أو مصابين، وسط خسائر تقدر بالملايين في البنى التحتية.

وأصبح موسم الأمطار في السعودية هاجساً مرعباً لدى الكثيرين، وذلك بعد حوادث الغرق التي راح ضحيتها الكثير من المواطنين بسبب سوء تصريف مياه الأمطار وسوء مشاريع البنية التحتية في كثير من المدن السعودية.

وسنويا، يقتل ويصاب العديد من المواطنين، وتحدث انهيارات صخرية، وانقطاع للطرقات، ودخول المياه إلى المنازل، نتيجة لهشاشة البنية التحتية خلال حالة الطقس المطرية التي تشمل مناطق عدة في السعودية.

يأتي هذا رغم الميزانية الضخمة المخصصة للوزارة، والتي وصلت العام الجاري إلى 51 مليار ريال، والتي قال عنها «آل الشيخ»، مطلع العام، إنها ستعزز من القدرة على إنجاز الكثير من المشروعات البلدية والتنموية، والارتقاء بجودة الخدمات البلدية، ومجالات الإصحاح البيئي، ومشاريع درء مخاطر السيول.

سيول وفيضانات جدة الكارثية عام 2009، كانت مفاجئة، أما اليوم وبعد مضي سنوات، ورغم الوعود الكثيرة لم تشهد المملكة، أي تغيير في تحديث أو إصلاح قنوات المجاري والتصريف، حيث نشهد الآن ولمرات متكررة سيناريوهات السيول في المملكة.

ضحايا

الجمعة الماضية، أعلنت المديرية العامة للدفاع المدني السعودية، إنقاذ 951 شخصا، وإخراج 650 مركبة، وإيواء 119 أسرة من جراء الأمطار والسيول التي اجتاحت مناطق الرياض والشرقية وعسير خلال الأيام الماضية.

وأوضح الدفاع المدني في بيان رسمي، أن مراكز التحكم والتوجيه بمناطق المملكة استقبلت منذ يوم الأحد وحتى صباح الجمعة، (4699) بلاغاً منها (3327) في مدينة الرياض، و(960) في منطقة عسير، و(412) في المنطقة الشرقية جراء الأمطار التي هطلت على تلك المناطق.

وأفاد أنه بلغ عدد المفقودين حالتين، إحداهما في الرياض والأخرى في عسير، فيما بلغ عدد الوفيات حالتين، في منطقة عسير وفي منطقة الرياض.

وأضاف أنه تم إنقاذ (951) شخصا، منهم (271) في الرياض و(492) في منطقة عسير و(173) في الشرقية و(15) في الباحة، مشيراً إلى أن أغلب الاحتجازات كانت داخل المركبات، حيث بلغ عدد المركبات التي تم إخراجها (650) وإخلاء وإيواء (119) أسرة وشخصا.

تضارب تصريحات

منسوب الأمطار التي ضربت المنطقة الشرقية، تضاربت حولها التصريحات بين المسؤولين، ففي الوقت الذي وصف فيه وزير الشؤون البلدية والقروية، الأمطار الغزيرة التي شهدتها منطقتا الشرقية وعسير بالفيضانات، معتبراً أنها حال مطرية نادرة تحدث كل أربعة عقود، ردت الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة بأن «المنطقتين سبق وأن شهدتا أمطاراً أغزر منها وبكميات أكبر».

وكان أمين المنطقة الشرقية «فهد الجبير» قال في «تغريدات» عبر حساب الأمانة على «تويتر» إن كمية الأمطار سجلت منسوباً تجاوز 400 ملليمتر بما يعادل كميات «موسم ونصف الموسم» من الأمطار، في تبرير لغرق مدن المنطقة الشرقية.

إلا أن المتحدث باسم الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة «حسين القحطاني»، أن ما تم إعلانه من أمانة المنطقة الشرقية في شأن كميات الأمطار ونسبتها أمر غير صحيح، ولا يستند إلى قياسات فنية، ولا سيما أن الأمانة ليست جهة اختصاص في ذلك.

وقال: «لدينا أرقام وكميات الأمطار التي هطلت حتى عام ١٩٧٨ بالأشهر وتوزيعات كميات الأمطار، وبالتالي فإن الأمطار التي هطلت على منطقتي عسير والشرقية سبق وأن هطلت أغزر منها وأكثر وبكميات أكبر، ولذلك أتمنى ألا يكون هناك أي اجتهادات من أية جهة في قياس معدلات هطول الأمطار».

أزمة متكررة

وتتكرر أزمة السيول التي تضرب السعودية، كل عام، حيث شهد العام الماضي، سقوط أكثر من 20 سعوديا، واحتجاز 1000 آخرين، جراء الأمطار التي ضربت المملكة، في أبريل/ نيسان.

وفي العام 2015، غرقت مدينة جدة بالكامل، بسبب السيول، وسط إلقاء التهم حول المسؤول عن مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول.

كما ضربت سيول شديدة مدينة مكة في مايو/ أيار 2014، أدت إلى قطع الكهرباء عن 25 ألف منزل في مكة، ونتج عنها وفاة مسن، وتضررت أعداد كبيرة من المنازل والسيارات، فيما لقيا طفلان مصرعهما بمنطقة جازان الحدودية مع اليمن أواخر أبريل/ نيسان، بعدما شهدت المنطقة أمطارا وسيولا.

وفي العام ذاته، ضربت سيول مدينتي جدة والمدينة المنورة، في نوفمبر/ تشرين الثاني، أدت إلى مصرع 12 شخصا، وألحق أضراراً ببعض الممتلكات العامة، وبعض ممتلكات المواطنين والمقيمين في عدد من المناطق.

وسبق أن شهدت جدة كارثة سيول ضخمة في 2009، راح ضحيتها نحو 100 شخص، وأصيب 350 آخرون، وذلك من خلال العبث بالأنظمة والتعليمات، والرشوة، والتسبب في إزهاق الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.

وبين «سيول جدة» في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، وغرق المدينة في الشهر ذاته من عام 2015، حيث مرت 6 سنوات، ولم تستطع المدينة بما أنجز من مشاريع امتصاص مياه الأمطار.

وعلى الرغم من إعلان السلطات، عن خطط وإجراءات بعشرات الملايين من أجل إصلاح منظومة درء أخطار السيول، إلا أنه بين الحين والآخر، يسقط عشرات الضحايا جراء السيول، في عدة مناطق بالمملكة.

يشار إلى أن 29 مدينة مهددة بمياه الأمطار، حيث إنّ مشروعات تصريف مياه الأمطار لا تغطي سوى 50% في المدن الرئيسة و10% في المحافظات، حسب ما تشير الدراسات والتقارير.

محاكمات

وخضع أكثر من 300 متهم في كارثة سيول جدة 2009، إلى التحقيق خلال الأعوام الماضية، من طريق لجان شكلت للنظر في القضية، إذ تمت إحالتها إلى هيئة الرقابة والتحقيق، قبل أن تتم إحالتها إلى القضاء، الت يلا تزال تنظر في ملفات المتهمين.

وأنهت الجهات المختصة في وقت سابق، تحقيقاتها مع 302 متهم في القضية، ووجهت إليهم جرائم «الرشوة، والتزوير، واستغلال النفوذ الوظيفي»، والتي استحوذت على ملفات القضايا التي وجهت إلى المتهمين الذين وردت أسماؤهم في مقدم قرارات الاتهام.

يذكر أن ملفات المتهمين في كارثة السيول حوت تهماً تتعلق بجرائم «تزوير، وإساءة الاستعمال الإداري، والعبث بالأنظمة والتعليمات، والتفريط في المال العام، وإزهاق الأرواح البشرية، وإتلاف الممتلكات العامة، وإهدار أكثر من 100 مليون من أموال الدولة».

مشروعات

يشار إلى أنه في يناير/ كانون الثاني 2012، كشفت وزارة الشؤون البلدية والقروية، إنه تم صدور الأمر ملكي حمل رقم (7942) بتاريخ 1/2/1433 هـ، بالموافقة على اعتماد مبلغ 5 مليار ريال، لتنفيذ مشاريع القنوات وشبكات تصريف مياه الأمطار والسيول بأحياء مدينة الرياض، وفتح وتهذيب مجرى وادي السلي، ومبلغ 900 مليون ريال لنزع الملكيات التي تعترض مسار الوادي توزع على 5 سنوات مالية.

قبل أن تعلن البلديات في يونيو/ حزيران 2015، الانتهاء من جملة من المشروعات لتصريف مياه الأمطار ودرء أخطار السيول والتي تم إنجازها بتكلفة إجمالية قدرها 343 مليون ريال، في مناطق مكة المكرمة والشرقية ونجران وتبوك وعسير، ضمن مشروعات الإستراتيجية الوطنية لدرء مخاطر الأمطار والسيول والتي تشرف الوزارة على تنفيذها.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول من ذات العام، اعتمد وزير الشؤون البلدية والقروية، ترسية 38 عقداً لمشروعات درء أخطار السيول، وتنفيذ شبكة تصريف مياه الأمطار، واستكمال إنشاء خطوط التصريف، بالإضافة إلى صيانة مجاري الأودية، وتدعيم بعض قنوات تصريف المياه، في مناطق الرياض، المدينة المنورة، الشرقية، عسير، القصيم، تبوك، جازان، حائل، ونجران إضافة إلى جدة، العاصمة المقدسة، والأحساء بلغت تكلفتها الإجمالية 906,3 ملايين ريال.

وعلى الرغم من إعلان الوزارة، الانتهاء من مشروعات مختلفة، وترسية مشروعات وبدء تنفيذها، إلا أن الكارثة مستمرة، والضحايا لا يزالون يتساقطون، دون جدوى.

حلول

ويكاد معظم مثقفي المملكة، يجمعون على أن الفساد هو السبب الرئيس بغرق العديد من مدن المملكة، ليبثوا شكواهم وغضبهم في أعمدة الصحف المحلية.

وتتلخص أسباب الأزمة في ضعف البنى التحتية لتصريف مياه الأمطار، وسوء التخطيط والتنفيذ لكثير من المشاريع، والإهمال في ردع المعتدين على أودية ومزارع حولوها لمساكن خاصة، وعلامات الاستفهام حول منح تراخيص البناء في بطون الأودية والشعاب، فضلا عن مدى وجود خلل مصدره المهندسون الذين تسلموا المشاريع من المقاولين، وتهاون بعض الجهات المعنية في هذا الشأن.

وتعد الاستراتيجية الناجحة لتصريف السيول بالقرى والمدن، تكمن في معالجة تجمعات مياه السيول، وإكمال تنفيذ الشبكات، لتغطية جميع الأحياء القائمة، وعدم اعتماد المخططات الجديدة إلاّ بعد إعداد دراسة تصريف السيول من قبل مكاتب هندسية متخصصة، بالإضافة إلى تنفيذ أنظمة تصريف السيول بالأحياء الجديدة قبل البناء، لتقليل التكاليف وسرعة الإنجاز وعدم تأخير المشروعات وتعثرها، وضمان عدم تعرض الأحياء الجديدة لمخاطر السيول.

ومن الحلول أيضا، فكرة حفر أنفاق كبرى داخل خطوط المدينة التحتية، من خلال التصاميم الحديثة لتصريف المياه، وهي التجربة التي نجحت في مدينة بانكوك، على امتداد قرابة 11 كيلو متراً تحت خطوطها الأرضية، وبعمق يصل إلى 45 متراً تقريباً، إلى جانب النفق الذكي في كوالالمبور، وسمي بذلك لكون ثنائي الغرض، فهو يستخدم كوسيلة مواصلات للسيارات لحل مشكلة الازدحام، لكنه يغلق في حال نزول الأمطار؛ ليعمل كمجمع للمياه التي تصب فيه عبر منافذ موصولة من أماكن مختلفة، وعلى أطراف النفق خزانات تجميع، يفرغ فيها النفق المياه ليتم استخدامها في أغراض أخرى.

كما أنّ اليابان تملك أفضل شبكة عالمية لتصريف مياه الأمطار والسيول.

بيد أن المسؤولين بالمملكة، لا يريدون مواكبة الدول المتقدمة في إنشاء بنية تحتية لحل كل المشاكل، ولعل أهمها تصريف مياه الأمطار والسيول، بالإضافة لمشكلة الصرف الصحي الأزلية منذ نشأة المدن.

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تقول عنها الجهات المعنية إنها تقوم بها، ودورها في تنفيذ المشروعات الخاصة بتصريف السيول في المملكة، إلا أنّ السؤال دائماً ما يتكرر حول الأسباب التي تتسبب في هذه الكارثة سنويا.

وفيما تتبادل الجهات الرسمية المسؤوليات والتهم، باتت كارثة السيول التي تهدد حياة الناس وممتلكاتهم كارثة سنوية لا يأملون لها كما لباقي الأزمات حلاً.

الخليج الجديد-