علاقات » اميركي

في التعامل مع «ترامب» وسياساته: حسابات الربح والخسارة

في 2017/02/13

ثمة مقولة شائعة، وصحيحة، في عالم السياسة والاقتصاد تحديدا: "لا تضع بيضك كله في سلة واحدة". وعلى ما في العبارة من بساطة، غير أنها تحمل بعدا إستراتيجيا لا يمكن إهماله.

القاعدة صحيحة. وهي ترمي، أولا وأخيرا، للحفاظ على المصالح بشكل مدروس. لكن أهميتها تزداد في حالات استثنائية، حيث تبدو الأمور مختلطة، وحين تظهر ظروف تضع أصحاب العلاقة فيما يشبه الحصار النفسي والفكري والعملي، بين ما يمكن أن يعتقد (مبادئ) كلية وشاملة من جهة، ويعتقد بأنه (مصالح) نفعية حصرا، من جهة ثانية.

لكن قواعد السياسة والعلاقات الدولية لا تسير وفق هذه الثنائية. وتحقيق المصالح العامة ليس محشورا في أسر ذلك الحصار.

بشيء من شفافية نعيد التأكيد على ضرورتها، وبحثا عن مقاربات تصيب الحقيقة في مثل هذه المواضيع، نحاول رؤية المشهد في إطار أكثر شمولا.

ثمة مواضيع ثلاثة مترابطة يجب أخذها بعين الاعتبار في هذه المرحلة. أولا، هناك قرارات وسياسات صدرت عن الرئيس الأمريكي وإدارته فيما يتعلق بكثير من القضايا، منها ما يمكن أن يصيب بالضرر سمعة الإسلام بشكل عام، وبعض المسلمين داخل أمريكا وخارجها.

ثانيا، أثارت تلك القرارات والسياسات زخما من الحراك الجماهيري والحقوقي والإعلامي والثقافي والسياسي، داخل أمريكا تحديدا، بشكل هائل. في هذا الإطار، كسب المسلمون تعاطفا غير مسبوق داخل الولايات المتحدة، حيث صعدت المشاعر الإيجابية تجاههم مثلا من 53% إلى 70% خلال الأشهر القليلة الماضية. وبما أن الرئيس الأمريكي يهتم جدا بانطباعات الناس ويتابع آراءهم، فمن الطبيعي أن يأخذها بعين الاعتبار في سياساته.

ثالثا، من قرارات وسياسات ترامب التي نتحدث عنها ما يتعلق بإيران. الدولة ذات الطموحات التوسعية الإمبراطورية الفارسية، والتي توظف الدين لأغراض سياسية دنيئة ومصلحية في كل المجالات، بشكل بات معروفا ولا يحتاج إلى دليل أو توصيف. الدولة التي كانت سياسات أوباما تفتح لها المجال واسعا لتحقيق أهدافها بشكل كامل.

وفي هذا المسار، تبدو قرارات وسياسات ترامب، حتى الآن على الأقل، الوسيلة الوحيدة لإيقاف المد الإيراني المسعور. والأهم من هذا، لحماية المنطقة وشعوبها وتراثها وهويتها من آثاره المدمرة المتعلقة بأصل وجودها.

ما هو الموقف الأمثل تجاه مثل هذا الوضع المعقد؟ لا توجد هنا مواقف مثالية، بمعنى قدرتها على التعامل مع الوضع بشكل يتجنب كل السلبيات ويحقق كل الإيجابيات.

نفهم، ونتفهم، الحديث عن (المبادئ)، بل ونوافق على خطورة إهدارها، حتى في عالم السياسة والعلاقات الدولية. لكن طبيعة الحياة المتشابكة، في موضوعنا تحديدا، تفرض التعامل مع الظاهرة برؤية شمولية.

كمثال فقط، يمكن لمن يركزون على ما يمكن أن يصيب المسلمين في أمريكا من أضرار نتيجة قرارات ترامب، قراءة التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية منذ أيام عن التعذيب في سوريا، خاصة في سجن صيدنايا، أو ما سمته "المسلخ البشري".

ويمكن لهم التفكير فيما عاشه الشعب السوري من أهوال بات صعبا الحديث عن إحصاءاتها، وبالدور الأساسي لإيران وميليشياتها الهمجية في مأساة العصر السورية، وفي كل ما حصل في المنطقة من عنف وقتل وتدمير على يدها ويد أتباعها المأجورين، وأخيرا، تخيل ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في غياب من يوقف إيران عند حدها.

عالم السياسة زاخر بالتحديات. لهذا، يتمتع أقطابها الحقيقيون بأمرين: المرونة، والإبداع. فلا يحاصرون أنفسهم في خيار واحد لا ثاني له.

ثمة توزيع أدوار، وثمة ما يمكن قوله همسا، بالدلائل والبيانات عن خطورة أي دراسة غير مدروسة إستراتيجيا، دونما ضرورة للبيانات الإعلانية، وشعاراتها، المزيفة أحيانا. وثمة دائما، في عالم السياسة المعقد، خيارات وبدائل تجمع ما يحسبه البعض تناقضات، سبيلا لتحقيق المصالح العامة.

د. وائل مـرزا- الشرق القطرية -