علاقات » اميركي

السعودية و«ترامب».. مزيج بين الأمل والقلق

في 2017/02/04

تراقب الأسرة الحاكمة في السعودية الإدارة الأمريكية الجديدة بمزيج من الأمل أنّ الرئيس «دونالد ترامب» سيكون الإجابة على مخاوفهم بشأن إيران، لكن مع تخوّف عميق أيضًا لكن صامت من أن تمثّل لهم الإدارة الجديدة مشكلة حقيقية.

وقد هللت وسائل الإعلام السعودية للمحادثة التي تخطّت الساعة بين الملك «سلمان بن عبد العزيز» و«ترامب» يوم 29 يناير/كانون الثاني. وقال صحفيون على اطّلاعٍ جيّد أنّ المكالمة ستقود إلى تعاونٍ أوثق في كلٍ من المجال العسكري ومجال مكافحة الإرهاب. وأكّدوا على أنّ الزعيمين قد اتّفقا على أنّ إيران هي الدولة التي تهدد الاستقرار الإقليمي، وألقوا الضوء على أنّ مستشاري «ترامب» البارزين يرون أيضًا أنّ إيران هي المشكلة في المنطقة على عكس ما كانت تراه إدارة «أوباما» السابقة بأنّ إيران جزء من الحل لتوترات المنطقة.

وبدون التطرّق لحظر «ترامب» على سفر مواطني 7 بلدان مسلمة، يبدو أنّ المشهد خلف الكواليس يشهد ترحيب الرياض بسبب ردّ إيران بالمثل وهو ما سيزيد من التوتّرات بين الولايات المتّحدة وإيران. وسيكون مزيدا من الخلافات والعقوبات موضع ترحيب في الرياض، وعلى وجه الخصوص إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتّحدة. ويبدو أيضًا أنّ الزعيمين اتّفقا على أنّ الاتفاق النووي الإيراني ينبغي أن يطبّق بصرامة، وليس التخلّي عنه بالكلية.

ويشعر السعوديون بالسرور مع دعوة «ترامب» لمناطق آمنة بسوريا. فالرياض تريد من واشنطن أن تكون فاعلة أكثر في سوريا، وخاصةً في القتال ضد إيران وحزب الله. ولا تريد الحكومة السعودية أن يبقى «بشار الأسد» وحلفاؤه في إيران وروسيا متفوّفون على المعارضة السنّية. وتلقي السعودية باللوم على جماعة الإخوان المسلمين والقاعدة بتحويل المعارضة السنّية الشرعية نحو التطرّف. وبالنظر إلى دعم السعودية لسنوات لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا وميلها إلى تسليح أي جماعة معارضة للرئيس «بشّار الأسد» بغض النظر عن تطرّفها، تعدّ هذه قراءة متضاربة للتاريخ.

ولم يكن الملك «سلمان» عدائيًا تجاه جماعة الإخوان المسلمين مثل سلفه الملك «عبد الله»، لكنّ الديوان الملكي الآن يرحّب بالحديث حول إدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظّمة إرهابية. وتقول قراءات السعوديين للمكالمة أنّ الزعيمين قد ذكرا أنّه يزعم أنّ «أسامة بن لادن» كان عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي أدّى به إلى التطرّف. إذًا فالقاعدة تعدّ إحدى خطايا الإخوان وإن كانوا معارضين لهم. وبالطبع فإنّ علاقة «بن لادن» الوثيقة من الأسرة الحاكمة في السعودية في الثمانينات، قد تمّ تجاهلها في المكالمة.

يوجد توتّر كبير خلف الكواليس في القصر. فقد لاحظ السعوديون أنّ العديد من الأمريكيين قد طالبوا بضم السعودية للبلدان السبعة المحظورة مؤقتًا والتي يتعرّض مواطنوها «للتدقيق الشديد». فقبل كل شيء، هناك 15 من الخاطفين الـ 19 من أعضاء القاعدة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول كانوا سعوديين، والذين نجحوا في الحصول على تأشيرات لدخول الولايات المتّحدة. ويقاتل اليوم مئات السعوديين مع القاعدة و«الدولة الإسلامية». ومن شأن حظر على سفر السعوديين للولايات المتّحدة أن يكون مدمّرًا للكثير من الأسر السعودية، وستصبح الأسرة الحاكمة بين مطرقة حلفائهم الأمريكيين وسندان شعوبهم الغاضبة داخليًا. وهذا هو الوضع الذي تحاول الأسرة الحاكمة تجنّبه، لكنّه خارج سيطرتهم.

وينصّب التاج السعودي نفسه خادمًا للحرمين الشريفين وزعيمًا للمسلمين حول العالم. ويعدّ خطاب الكراهية من بعض مؤيّدي الإدارة مقلقًا للسعوديين. ولم تزل المكالمة بين «ترامب» و«سلمان» من القلق السعودي العميق إزاء هذه المسألة. ويعلمون أنّ الرأي العام الأمريكي ضدّهم. وإثارة المزيد من الأسئلة حول أسباب عدم شمول السعودية في إجراءات التدقيق الشديد هي فقط مسألة وقت.

ويوجد قلق أيضًا حول ما إذا كانت السفارة الأمريكية سيجري نقلها من تل أبيب إلى القدس. وقد تشجّع السعوديين بعد تلميحات قد تعني أنّ «ترامب» غير عازم على تلك الخطوة، لكنّهم يعلمون أنّه لا يمكنهم الثقة في هذا الصدد. والقدس هي قضية جوهرية للسعوديين، ولن يكون وقع نقل السفارة جيّدًا في الرياض.

ولم تأخذ اليمن حيّزًا كبيرًا من المكالمة الهاتفية بعيدًا عن إشارات مبهمة لملاذات آمنة. ويرغب السعوديون في دعمٍ أمريكي غير محدود في حربهم هناك، لكنّهم يبحثون أيضًا عن طريق مشرف لإنهاء هذا التدخّل العسكري الذي يقارب العامين. وقد حقّق السعوديّون وشركاؤهم في التحالف تقدّمًا متواضعًا على الأرض بمحاذاة البحر الأحمر، لكنّ الحوثيين بعيدين عن الهزيمة، وإيران سعيدة للقتال حتّى آخر يمني.

لم يسارع السعوديون بزيارة واشنطن، وهذا ليس أسلوبهم. وكان الملك «عبد الله» قد رفض دعوات متكررة ويائسة من الرئيس «جورج دبليو بوش» لقمة لأكثر من عام بسبب تحسّسه من ميل بوش ناحية (إسرائيل). وسمح الملك «عبد الله» بأن يأتي «أوباما» إليه عام 2009 بدلًا من زيارة البيت الأبيض. وبالتأكيد لاحظ البلاط أنّ الملك «عبد الله الثاني» ملك الأردن قد حظي بمقابلة مع نائب الرئيس، «مايك بنس»، فقط يوم 30 يناير/كانون الثاني. وهذا جيّد بالنسبة للمملكة الهاشمية، لكنّه ليس كافيًا للأسرة الحاكمة بالسعودية.

ومثل أي شخصٍ آخر، يترقّب السعوديون رؤية كيف ستتطوّر مراكز القوى في الإدارة الجديدة. وزير الدفاع الجديد «جيمس ماتيس» هو شخصية معروفة منذ أيام القيادة المركزية. ووزير الخارجية المفترض، «ريكس تيلرسون»، مألوف لديهم أيضًا كمدير تنفيذي سابقًا بشركة إكسون موبيل. وكان جهاز الاستخبارات الأمريكية حليفًا للرياض لوقتٍ طويل، ومن المتوقّع لمديره الجديد، «مايك بومبيو»، أن يزور الرياض في وقت مبكّر من ولايته. وقد كان ولي العهد «محمد بن نايف» على علاقة جيّدة بكل مدراء المخابرات الأمريكية منذ «جورج تينيت».

ويشعر النظام السعودي بالضغط بالفعل مع أسعار النفط المنخفضة والصراعات الإقليمية وتغيّر جيل خط الخلافة، ويواجه الآن تحدّيات مع حليف المملكة القديم. ومنذ عام 1943، كانت العلاقات القوية للأسرة الحاكمة مع الولايات المتّحدة، حتّى مع تعرّضها للاختبار عام 1973، مرساة الأمان الخارجية الحقيقية والحرجة.

بروس ريدل/ المونيتور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-