دول » دول مجلس التعاون

الشيخ «دونالد»: لماذا قد ترحب دول الخليج برئاسة «ترامب»؟

في 2016/12/20

أوضح لي أحد أفراد الأسرة المالكة بالكويت يومًا لماذا لا يوجد أحد مولع بـ«باراك أوباما» في هذا الجزء من العالم. ونوه أن القادة هنا يرون أنّه ساذج وغير راغب في إظهار القوّة الأمريكية. ولكن ما كان يسيئهم حقًا هي طريقته في القيام بالأشياء. وأوضح الرجل أنّ الرئيس السابق «جورج دابليو بوش» دائمًا ما كان على تواصل ليقول فقط مرحبًا، ويرسل برقيات التهنئة حين يفوز فريق كرة القدم المفضل لدى الأمير. أمّا «أوباما» فيتصل فقط حين يريد شيئًا.

وبعد 3 سنوات من هذه المحادثة، لا توجد مفاجأة في أنّ ملوك وأمراء دول الخليج العربي يهتفون لانتخاب «دونالد ترامب». ومثلما يريد أنصار «ترامب» في أمريكا تجفيف المستنقع ومحو 8 سنوات من سياسات «أوباما»، يرغب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط في شيء مماثل، وهو تغيير السياسة الخارجية التي يصفها المسؤولون والمثقفون هنا غالبًا بعبارات مثل «الكارثة التامّة» و «الفشل المدوّي».

وفي حوار المنامة نهاية الأسبوع الماضي، وهو مؤتمر أمني سنوي يستضيفه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، والذي يجذب العشرات من صناع السياسة والمسؤولين العسكريين والمتحدثين من كل أنحاء المنطقة، كان الجو العام مبتهجًا. وقال «محمد اليحيى، وهو زميل غير مقيم بالجلس الأطلسي ومستشار سابق للسفارة السعودية بلندن: «يوجد شعور بالتأكيد أنّ الأمور لن تسوء أكثر مما كانت عليه مع أوباما».

وبعد «أوباما»، سيرحب هنا بأي تغيير في البيت الأبيض. ويأمل القادة هنا أن يعيد «ترامب» كتابة سياسة واشنطن تجاه إيران وعقاب إيران على أنشطتها في العالم العربي، حيث دعمت الميليشيات والسياسيين والحكومات المارقة في العراق وسوريا واليمن. وأكثرهم على استعداد للتغاضي عن خطاب الكراهية ضد الإسلام كحماقة لن تتجاوز الحملة الانتخابية.

وقد أكّدت تحركات «ترامب» المبكرة في الجزء الأكبر منها توقّعات الخليج. ويرى السعوديون وآخرون في المنطقة اختيارات «ترامب» لحكومته باعثة على الاطمئنان. وقد غلب على اختيارات «ترامب» الشخصيات المعادية لإيران، مثل قائد القيادة الوسطى السابق «جيمس ماتيس» والجنرال المتقاعد «مايكل فلاين».

ويرجع تحمّس الخليج لـ«ترامب» أيضًا بسبب شخصيته كرجل أعمال. وبدلًا من «أوباما» المعروف بالتحوّط والحذر الفكري، فإنّ «ترامب» رجل يعيش على الصفقات والسياسة. وقال «عبد الله المناعي»، وهو كاتب عمود في صحيفة أخبار الخليج البحرينية: «رجال الأعمال يمكن توقعهم». وأضاف: «هو رجل أعمال، والخليج يرغب في عقد الصفقات، وهذا يشير إلى أنّ الفرص متاحة لدول الخليج من أجل علاقات جيدة مع ترامب».

متاعب الخليج مع إدارة «أوباما»

وتوجد قائمة طويلة من شكاوى دول الخليج من «أوباما»، ولكن يدور الخلاف الأساسي حول دور أمريكا في المنطقة. وتمّ انتخاب «أوباما» لإخراج الولايات المتّحدة من دوامة الحروب الإقليمية، وكان قد تحدّث باستمرار عن حدود قوة الولايات المتحدة وقاوم دعوات التورط العسكري، لاسيما في سوريا. وعلى العكس، رأى المسؤولون في الخليج سابقا القوة الأمريكية كواقع على الأرض وليس موضوعا للنقاش الفكري، مع الاستشهاد بوجود 58 ألف جندي أمريكي متمركزين في المنطقة.

وباختيار عدم التدخل في سوريا، أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإيران وروسيا للتحرك دون خوف من الانتقام. وكما تقول القصة هنا، أدّى تراجع الولايات المتحدة عن دورها إلى توسع خطير للنفوذ الإيراني والروسي والتسبّب في أزمة إنسانية مدمّرة في سوريا والعراق، والعديد من دول المنطقة التي تستقبل اللاجئين.

ولفت الحاضرون بحوار المنامة النظر إلى ما يعدّ تتويجًا لهذا الفشل في السياسة الخارجية، باسترداد قوات «الأسد»، المدعومة من روسيا وإيران، شرق حلب، ووجود مئات الآلاف من المدنيين تحت الحصار المروع والقصف العشوائي منذ أكتوبر/ تشرين الأول.

وقال «أديب الشيشكلي»، ممثّل المعارضة السورية أمام مجلس التعاون الخليجي، على هامش الاجتماع: «أي تغيير، هو تغيير جيد. لا يمكن أن تزداد الأمور سوءًا مما كانت عليه مع إدارة أوباما».

ويبدو أن الشعور متبادل في بعض النواحي. لم يخف «أوباما» خيبة أمله من مخاوف دول الخليج تجاه إيران، حتّى مع تفاوض إدارته لاتفاق يحد من الأنشطة النووية لإيران، وبيعها لتكنولوجيا أنظمة صواريخ لخصوم إيران.

ويبدو أنّ البيت الأبيض كذلك لديه أفكار أخرى حول دعم عملية التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والتي تهدف للإطاحة بالحوثيين المدعومين من إيران خارج العاصمة. وولّدت الضربات الجوية السعودية على مدى عام ونصف العام كارثةً إنسانية. وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول، ذكرت رويترز أنّ الولايات المتّحدة ستوقف بعض مبيعات الأسلحة للمملكة وتعيد التركيز على تدريب القوات الجوية السعودية على الاستهداف بشكل أفضل، من أجل تجنب مزيد من الضحايا المدنيين في المستقبل.

وفي زيارة أخيرة لوزير الدفاع الأمريكي «أشتون كارتر»، عبّر أمام الحاضرين في حوار المنامة عن استيائه من المطالبات الدائمة للولايات المتحدة ببذل المزيد. وبدت لهجة »كارتر» في ردّه على الأسئلة فيها شيءٌ من الازدراء، حيث كان يرد باستمرار أنّه قد أجاب تلك التساؤلات من قبل. وقال: «في الحقيقة، إذا كانت دول المنطقة قلقة من الأنشطة الإيرانية، وهو ما تشاركها الولايات المتحدة فيه، فعليها الاشتراك باللعبة. ويعني هذا قبول الشراكة معًا»، الأمر الذي جعل الحاضرين من دول الخليج يهزّون رؤوسهم غير مصدقين هذه النغمة المتغطرسة.

آمال الخليجيين

ويأمل المسؤولون في دول الخليج أن يعمل «ترامب» وإدارته على تحجيم راجع نفوذ إيران في المنطقة. فالاتفاق النووي بين إيران و6 من القوى العالمية قد فاقم من سوء سلوك طهران، وفق ما يؤكده مسؤولون بارزون هنا.

وصرّح الأمير «تركي بن فيصل آل سعود»، الرئيس السابق للمخابرات السعودية: «لم تثبت إيران أنّها دولة هادئة ترغب في التعاون مع جيرانها».

وقد ردّد «ترامب» نفس وجهة النظر، موضّحًا أنّ الاتفاق «صنع من إيران قوة». وأضاف: «لم يجف الحبر حتّى، وقد انتهكوا الاتفاق بالفعل».

وبالنسبة لمستشاري «ترامب»، فقد كانوا أكثر مباشرةً في هذه النقطة، فقد وصف «فلاين»، مستشار الأمن القومي القادم، إيران بأنّها «خطر واضح وقائم على المنطقة، بل وعلى العالم».

وكان «ترامب» قد طالب السعودية بمساعدة الولايات المتحدة اقتصاديًا من أجل الحصول على الحماية من إيران. وقال المناعي: «ستكون العلاقة الاقتصادية بسيطة للغاية: ادفع لي وسأبقي إيران بعيدًا. إنّها صيغة بسيطة: كلّما أعطيتني أكثر، ستحصل على المزيد منّي في المقابل».

ويمكن لدول الخليج، باعتبارها من أكثر المناطق ثراءً من حيث دخل الفرد في العالم، تقديم الكثير من المساعدة الاقتصادية وفي مشاريع البنية التحتية للولايات المتحدة. وفي المقابل، لدى زعماء دول الخليج قائمة من الأزمات الإقليمية التي يريدون من «ترامب» معالجتها. وهم يأملون في أنّ الإدارة القادمة ستبقي على الاتفاق النووي، ولكن ستربط رفع العقوبات بتحسّن سلوك إيران في المنطقة. كما ترغب دول الخليج في استثمار فترة السماح البالغة 15 عامًا، لتعزيز عمليات شراء الأنظمة الدفاعية من الولايات المتحدة. ويقول الأمير «تركي»: «على دول المنطقة اتخاذ تدابير كافية للتحضير لما بعد هذا الاتفاق. نحن نحتاج إلى برنامج خلال هذه الأعوام الـ 15».

وفي سوريا، يأملون في وجود أذن مصغية لاقتراحات توحيد الجهود بعد موافقة الحكومة السورية وحلفائها في إيران، وكذلك «الدولة الإسلامية».

وبالطبع كانت تصريحات «ترامب» خلال حملته الانتخابية غير مبشّرة لهذه الطموحات العالية. إدارة «ترامب» للعلاقة مع «بوتين» هي التناقض الأكثر لفتًا للانتباه. في سوريا، تعمل موسكو مباشرةً مع الحكومة وإيران في استعادة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون. وتقصف القوات الجوية الروسية بشكل شبه يومي قوات المعارضة التي تدعمها دول الخليج.

ويقول «الشيشكلي»، ممثّل المعارضة السورية: «نأمل إذا كانوا قريبين من روسيا، أن يتمكنّوا من الوصول إلى حل» لسوريا. ويضيف: «ربما يستطيع الأمريكيون إقناع روسيا بالتخلّي عن نظام الأسد».

وكان «ترامب» قد تساءل سابقًا عن دعم المعارضة في سوريا قائلًا: «لا نملك أدنى فكرة عن ماهية هؤلاء الناس»، وأراد اقتراح تحالف الولايات المتحدة مع أي جهة تقاتل «الدولة الإسلامية»، بما في ذلك روسيا والحكومة السورية.

وفي هذا الصدد قال الأمير «تركي»:«ربما لا يكون ترامب قد تمّ إبلاغه معلومات كافية حول الوضع في سوريا. وآمل أن يتم إبلاغه».

ويرغب أيضًا زعماء الخليج من «ترامب» أن يعمل على دحر نفوذ إيران في العراق، التي يعمل بها عشرات الميليشيات الشيعية لصالح طهران. ويأملون أيضًا في أن يعزز من الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، أو أن يغض الطرف عنها على الأقل.

التغاضي عن الخطابات العدائية

وهذا لا يعني عدم وجود مخاوف من مدى انغماس «ترامب» في الإسلاموفوبيا. ولكن البعض هنا على استعداد للتغاضي من أقوال السخرية والاستهزاء في حديث «ترامب» تجاه الإسلام، إذا كانت أعماله ستكون لصالح مصالحهم الوطنية، وهذا ما يعتقدون أنّه سيحدث. ولكن يوجد أيضًا بعض صناع القرار هنا يتحدّثون همسًا عن قلقهم تجاه «ترامب». وهم يقولون أنّ «ترامب» ليس «أوباما»، ولكن لا أحد يستطيع أن يعرف بدقة أي نوع من الرؤساء سيكون.

ويقول «البدر الشاطري»، الأستاذ بكلية الدفاع الوطني بأبوظبي: «هناك مخاوف من اندفاع ترامب. فترامب يحيط نفسه بمجموعة من الصقور. والأسوأ، العديد من مستشاريه المحتملين هم معادون للإسلام والمسلمين. وتشبه هذه التعيينات أن تعين معادين للسامية في مناصب عالية بالحكومة».

لكن بغض النظر عن أي سياسات أو موائمات، يظهر شيء واحد جليًا: يبدو أنّ زعماء الخليج سيحظون بعلاقات شخصية أفضل مع «ترامب» من تلك التي كانت مع «أوباما». والبيئة خصبة جدًا هنا لعقد الصفقات.

ويقول «المناعي»: «نحن تجّار بطبيعتنا». وأضاف: «لن يفهم الأوروبيون ذلك لأنّ جلّ حديثهم عن حقوق الإنسان والمساواة والوازع الأخلاقي، ونحن عمليّون. سنحصل على ما يمكننا الحصول عليه». ش

فورين بوليسي- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-