سياسة وأمن » مؤتمرات سياسية

في قمتها الـ37.. هل يُتوج نُضج الخليج السياسي بالاتحاد المنتظر؟

في 2016/12/05

على مدى 37 عاماً، حضرت على طاولة قمم مجلس التعاون الخليجي، أبرز قضايا العالم العربي وقضايا المنطقة والعالم، وناقشتها بنَفَس البحث عن حلول ومعالجة مشاكل، في حين اختمرت فيها قرارات مصيرية حظيت باهتمام الشارعين العربي والعالمي، وأصبح لكل قمة، بصمة ما زالت آثارها ملموسة حتى اليوم.

ولعل القمة الخليجية المرتقبة التي ستُعقد في العاصمة البحرينية المنامة، تأتي بعد تحولات تشهدها المنطقة والعالم، أبرزها فوز الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب المثير للجدل والمشهور بتصريحاته العدائية، إضافة لوضوح تغير السياسة الأمريكية، مقابل منح حرية لإيران لتستمر في مساعي التدخل في دول المنطقة الملتهبة، ومواصلة محاولاتها الدائمة للمزيد من النفوذ في الخليج العربي وزعزعة أمنها.

دفعت التحولات الجديدة التي تشير إلى بعض الصعوبات التي قد تواجهها منطقة الخليج، أمنياً واقتصادياً في المرحلة القادمة، إلى إعادة طرح مشروع "الاتحاد الخليجي" بقوة، وتركز وتشدد على طرحه مملكة البحرين المستضيفة للقمة القادمة للمرة السابعة في تاريخ المجلس، وهي من يصفها مراقبون بـ"خاصرة الخليج العربي"، وتُصر على أن تخرج بخطوات حقيقية حول الاتحاد في قمة المنامة.

قرارات مصيرية إذن، ينتظر أن تخرج من مناقشات ملوك وأمراء الخليج، في قمة 6 و7 ديسمبر/كانون الأول 2016، ستُضاف إلى نتائج بارزة أخرى خرجت من عشرات القمم السابقة.

نضوج سياسي

في القمة الأولى لمجلس التعاون الخليجي، أبو ظبي مايو/أيار 1981، خرجت القمة بإعلان إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتأكيد في بيانها الختامي على أن "ضمان الاستقرار في الخليج مرتبط بتحقيق السلام في الشرق الأوسط من خلال حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً".

فقد كانت القضية الفلسطينية، ومنذ تأسيس المجلس، على رأس أولوياته، في المطالبة بوقف الانتهاكات الإسرائيلية وإعادة الحقوق لأصحابها.

وبقمة الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، وافق دول الخليج على الاتفاقية الاقتصادية؛ وذلك بهدف إزالة الحواجز بين الدول الأعضاء وتقوية الترابط بين شعوب المنطقة ولتحقيق التقدم لدول المجلس.

وأقرت قمة المنامة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1982، توصيات وزراء الدفاع الهادفة إلى بناء القوة الذاتية لدول المجلس، وإنشاء مؤسسة الخليج للاستثمار برأسمال قدره 2.2 مليار دولار أمريكي.

أما الروابط السياسية والاقتصادية، والتنسيق في الشؤون الدفاعية بين الدول الأعضاء في ظل الحرب العراقية–الإيرانية التي كانت تجري آنذاك، فقد تم التباحث فيها بقمة الدوحة عام 1983.

فخلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، قدمت دول مجلس التعاون، الدعم اللوجيستي والاقتصادي لبغداد، وفتحت الكويت موانئها للعراق، في حين حصل العراق على قروض خليجية وصلت لقرابة 18 مليار دولار.

ولتنظيم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول المجلس، تمت الموافقة على الصيغة التي تنظم حق التملك للمواطنين في الدول الخليجية، في قمة الكويت عام 1984.

واتفق الخليجيون في قمة مسقط 1985، على وضع برنامج زمني لتنفيذ أنشطة التعاون الاقتصادي لدول المجلس والاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية وإقرار أهداف الاستراتيجية الأمنية.

واهتمت الاستراتيجية الأمنية، بتحقيق أهداف محددة، منها توطيد الأمن وحماية الحدود، وتنمية الوعي الأمني ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية، وتعزيز التعاون والتنسيق بين تلك الأجهزة، ومواجهة التحديات والمخاطر الإقليمية، والتعرف على مصادر الخطر والتصدي لها، ومكافحة الإرهاب والتطرف.

كما اهتمت بتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الجريمة، وتعزيز مشاركة وتعاون القطاع الخاص في تحقيق الأهداف الاستراتيجية والتفاعل معها، وتنظيم العمالة الوافدة مع عدم التأثر باعتبارات لا تتفق مع المصالح العليا لدول المجلس، وإنشاء جهاز الشرطة الجنائية لدول المجلس؛ وعقد دورات تدريبية في مجال المراقبة والبحث ومكافحة الجرائم الاقتصادية.

وفي قمة أبوظبي عام 1986، تم إقرار توصيات التعاون العسكري، والسماح للمستثمرين من مواطني دول المجلس بالحصول على قروض من بنوك وصناديق التنمية الصناعية في الدول الأعضاء.

وتم في قمة الرياض عام 1987، التصديق على نظام الإقراض البترولي بين الدول الأعضاء، والتفويض بالبدء بالمفاوضات الرسمية مع المجموعات الاقتصادية، لا سيما المجموعة الأوروبية.

وسُمح لمواطني مجلس التعاون في قمة المنامة عام 1988، بتملك أسهم الشركات المساهمة المشتركة والجديدة العاملة في الأنشطة الاقتصادية ومساواة مواطني دول المجلس في المعاملة الضريبية مع مواطني الدولة العضو التي يتم فيها الاستثمار.

وفي قمة مسقط 1989، تم بحث الوضع الأمني بالمنطقة وخاصة الأراضي العربية المحتلة، وأبعاد الانتفاضة الفلسطينية والوضع في لبنان، ومساعي اللجنة الثلاثية واتفاق الطائف والتغييرات التي شهدتها أوروبا آنذاك، والوضع الدولي بعد قمة مالطا.

وأدانت قمة الدوحة عام 1990، غزو النظام العراقي السابق للكويت، وأعلنت وقوف الدول الأعضاء حكومات وشعوباً مع دولة الكويت في محنتها، ومساندتها المطلقة وتضامنها التام مع شعبها وحكومتها.

وبعد تحرير الكويت، عقدت قمة خليجية في الدولة عام 1991، بحثت التطورات الإقليمية في الخليج إثر تحرير الكويت، ومطالبة النظام العراقي بالإسراع في تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالاحتلال، وفق قرار مجلس الأمن (687).

واستمرت أزمة الكويت في الحضور بقمم الخليج، وبرزت في قمة أبوظبي عام 1992، حين أشاد الأعضاء بالقرار الدولي رقم 773 الذي أكد ضمان مجلس الأمن حرمة الحدود الدولية بين دولة الكويت والعراق، والترحيب بالخطوات التي اتخذتها لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود على الأرض بين البلدين.

وبعد استقرار الأوضاع في الكويت، عادت القضية الفلسطينية إلى أولويات دول الخليج، فرحبت في قمة الرياض عام 1993، بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، كخطوة على طريق التوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية والنزاع العربي.

وبحثت قمة المنامة عام 1994، ظاهرة التطرف والغلو والعنف التي تؤدي إلى أعمال العنف والإرهاب، وتأكيد رفض المجلس التام وإدانته لهذه الممارسات بكل أشكالها ودوافعها ومنطلقاتها.

واستمراراً لرفض أشكال العنف والإرهاب بالمنطقة، بحثت قمة مسقط عام 1995، قضية انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وما تمثله من تهديد للأمن والسلام والدعوة إلى جعل المنطقة خالية من جميع أنواع تلك الأسلحة.

وناقشت قمة الدوحة عام 1996، مجالات التنسيق والتعاون المشترك بين الدول الأعضاء، واستعرضت قرارات اللجان الوزارية في مجال الشؤون العسكرية والشؤون الأمنية والشؤون الاقتصادية، والشؤون القانونية والشؤون الإعلامية.

وأقرت قمة الكويت عام 1997، أنظمة المحافظة على الحياة الفطرية وإنمائها والتعامل مع المواد المشعة وإدارة النفايات والإجراءات الواجب الالتزام بها في نقل النفايات الخطرة بين دول المجلس.

وفي قمة أبوظبي عام 1998، بحثت القمة الخليجية قضية طائرة لوكيربي وتطوراتها، ودعوة الأطراف للاستجابة للمبادرات الدبلوماسية المطروحة لحلها.

وقضية لوكيربي، هي حادثة تفجير طائرة أمريكية باسكتلندا 1988، وقد اتهمت أمريكا وبريطانيا ليبيا خلال فترة حكم معمر القذافي بتدبيرها؛ ما أحدث أزمة بين الطرفين قادت إلى تسليم المتهمين الليبيين ومحاكمتهما، ثم التصالح على دفع تعويضات للضحايا.

واستعرضت قمة الرياض سنة 1999، ما تشهده الساحة الدولية من تطورات اقتصادية، وتأكيد أن التعامل المتكافئ مع القوى العملاقة يحتم على دول الخليج أن تبادر للإسهام بفاعلية وتأخذ دورها من خلال كيان اقتصادي خليجي واحد.

ووُقّعت في قمة المنامة عام 2000، اتفاقية الدفاع المشترك، التي تنص على تعزيز التعاون العسكري فيما بين الأعضاء، ورفع قدراتها الذاتية والجماعية لتحقيق أفضل مستوى من التنسيق لمفهوم الدفاع المشترك، وتشير في هذا الصدد إلى استمرار تطوير قوة درع الجزيرة، ومتابعة تنفيذ التمارين المشتركة، وإعطاء أهمية لتأسيس وتطوير قاعدة للصناعة العسكرية وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال.

وتم في القمة نفسها، حثّ اللجان الاقتصادية المختصة على سرعة الاتفاق على القواعد واللوائح والإجراءات اللازمة لإقامة الاتحاد الجمركي بين الدول الأعضاء، واعتماد مثبت مشترك لعملات دول المجلس كخطوة أولى لتحقيق الاتفاقية الاقتصادية الموحدة، والعمل على توحيد العملة لتكون متممة للتكامل الاقتصادي المنشود فيما بينها.

واعتمدت قمة مسقط عام 2001، الاتفاقية الاقتصادية؛ لتحل محل الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي أقرت عام 1981، وإقرار بدء العمل بالاتحاد الجمركي في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2003، وتخفيض التعريفة الجمركية الموحدة ومنح المنشآت الصناعية في دول المجلس إعفاء من الرسوم الجمركية على وارداتها من مدخلات الإنتاج، كما أدانت القمة نفسها تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول وشددت على ضرورة التحالف الدولي للقضاء على الإرهاب.

وتابعت قمة الدوحة في 2002، تنفيذ البرنامج الزمني للاتحاد النقدي، والإجراءات التنفيذية التي اتخذتها الدول الأعضاء لاعتماد الدولار الأمريكي مثبتاً مشتركاً لعملات دول المجلس في المرحلة الحالية، وربط أسعار صرف عملاتها به.

وكان للحرب على العراق، عام 2003، تعاطف خليجي اتضح في قمة الكويت 2003، التي أكدت تعاطف دول المجلس وتضامنها التام مع الشعب العراقي في محنته التي يعانيها بسبب الأوضاع الأمنية.

كما شددت القمة على أهمية ربط دول المجلس بمختلف وسائل المواصلات التي تخدم تنقّل المواطنين وتعزيز تواصلهم وزيادة حركة النقل التجاري وانسيابها بين دول المجلس.

وطالبت قمة المنامة عام 2004، الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة العراقية المؤقتة لبذل الجهود اللازمة لوضع حل نهائي لإعادة الممتلكات الكويتية والأرشيف الوطني لدولة الكويت والتي استولى عليها النظام السابق خلال فترة احتلاله للدولة.

وشهدت قمة أبوظبي سنة 2005، اعتماد وثيقة "السياسة التجارية الموحدة لدول المجلس" التي تهدف إلى توحيد السياسة التجارية الخارجية لدول المجلس والتعامل مع العالم الخارجي كوحدة اقتصادية واحدة، إلى جانب تبني دول المجلس سياسة تجارية داخلية موحدة تسهل انسياب تنقل المواطنين والسلع والخدمات ووسائط النقل.

واعتُمد في قمة الرياض عام 2006، قانون (نظام) العلامات التجارية لدول المجلس بصفته قانوناً إلزامياً ينظم العلامات التجارية القابلة للتسجيل، وإجراءات تسجيلها ومدة حماية العلامات التجارية وإجراءات شطبها ونقل ملكيتها.

وفي قمة الدوحة عام 2007، جرت متابعة ما تم إنجازه لتحقيق متطلبات السوق الخليجية المشتركة، والإعلان عن قيامها اعتباراً من مطلع 2008، وإقرار تطوير قواعد ممارسة تجارة التجزئة والجملة بما يتوافق مع متطلبات السوق الخليجية المشتركة.

وباركت قمة مسقط سنة 2008، إنشاء المجلس التنسيقي السعودي–القطري لترسيخ العلاقات بين البلدين، وبحث تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها الاقتصادية وسبل التنسيق بين الدول الأعضاء لاتخاذ التدابير الكفيلة للحد من آثارها السلبية.

وفي قمة استثنائية بالرياض مطلع عام 2009، تم بحث مجمل قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وبصفة خاصة المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني في غزة عقب العدوان الإسرائيلي، وأشادوا بالجهود التي تقوم بها الدول العربية كافة في هذا الإطار.

وأقرت قمة الكويت في ديسمبر/ كانون الأول 2009، المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال التعليم الفني، وإقرار الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتطوير قدرات قوات درع الجزيرة والمشاريع العسكرية المشتركة.

وسُمح في قمة أبوظبي عام 2010، للشركات الخليجية بفتح فروع لها في دول المجلس وتطبيق المساواة التامة في معاملة فروع هذه الشركات معاملة فروع الشركات الوطنية.

وفي قمة الرياض سنة 2011، تم اعتماد الهوية الشخصية كإثبات هوية لمواطني دول المجلس في القطاعين العام والخاص بجميع الدول الأعضاء، واعتماد القواعد الموحدة لإدراج الأوراق المالية في الأسواق المالية بدول المجلس.

وصدّقت قمة المنامة 2012، على قرارات مجلس الدفاع المشترك، ومباركة إنشاء قيادة عسكرية موحدة تقوم بالتنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البرية والبحرية والجوية المخصصة والإضافية.

وأقرت قمة الكويت 2013، إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس، وتكليف مجلس الدفاع المشترك باتخاذ ما يلزم من إجراءات للبدء في تفعيلها. كما أدانت القمة استمرار نظام الأسد في شن عملية إبادة جماعية على الشعب السوري.

وصدّقت قمة الدوحة عام 2014، على قرارات وتوصيات وزراء الداخلية بشأن إنشاء جهاز شرطة خليجي مقره أبوظبي، والموافقة على تسريع آليات تشكيل القيادة العسكرية الموحدة للمجلس، معتمدين إنشاء (قوة الواجب البحري 81) الموحدة، واعتماد (إعلان حقوق الإنسان) لدول الخليج العربية.

وتبنت قمة الرياض في 2015، تعزيز التكامل بين دول المجلس والعمل الجماعي المشترك وصولاً إلى الاتحاد الذي نصت عليه المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس، وإقرار إمكانية الاتفاق بين عدد من الدول الأعضاء على أي إجراءات تكاملية تراها في إطار المجلس، على أن تتبعها بقية دول المجلس متى ما كان الوقت مناسباً لها.

أما القمة المنتظرة في المنامة 2016، فتعد من أهم ما مرّ على الخليج من قمم، وسط ارتفاع المخاطر الأمنية، والحاجة إلى تكاتف عسكري أكبر، وتم استباق القمة بعشرات المناورات العسكرية المشتركة، والتفاهمات حول درء المخاطر المتوقعة، ومعاناة دول الخليج من عجز في موازناتها، وهو ما سيتم معالجته في "الاتحاد الخليجي" الذي من المحتمل أن يتقدم خطوة تنتظرها شعوب الخليج.

قتادة الطائي - الخليج أونلاين-