دول » دول مجلس التعاون

لماذا فشلت دول الخليج في إسقاط «الأسد»؟

في 2016/11/19

في خضم الارتباك والنشوة والشعور بالخوف وعدم اليقين الذي يحيط بالانتفاضة السورية منذ 2011، كان هناك شيء واحد واضح، وهو أنّ كل دول مجلس التعاون الخليجي قد أجمعت على دعم المعارضة. حيث أخبرتهم حساباتهم أنّ سقوط «الأسد» سيمثّل ضربة قوية لنفوذ إيران في المنطقة.

ومع ذلك، فإنّ هذه الوحدة قد اهتزت في السنوات الأخيرة، واختلفت أولويات كل بلد. فدول مثل السعودية وقطر أصبحت تختار من يستحق الدعم من قوى المعارضة، ودول مثل البحرين والكويت والإمارات، خففت من حدة خطابها، وابتعدت عن لعب دور مباشر في الصراع، واكتفت بدورها الدبلوماسي والإنساني.

وبينما تلعب السعودية وقطر دور المحفز للولايات المتحدة للعب دور أكثر حزمًا في الصراع، تتعامل باقي دول الخليج بحذر مع فكرة تغير النظام، خشية صعود الجماعات السلفية الجهادية وحصولها على موطئ قدم في سوريا.

التحول ضد «الأسد»

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي عام 2011، شعرت دول الخليج بالتهديد وتبنت سياسات حازمة تجاه الشرق الأوسط في محاولة لاحتواء الوضع الراهن ذلك الوقت. وقد انتقد الملك «عبد الله بن عبد العزيز»، ملك السعودية في ذلك الوقت، المتظاهرين المنادين بالإطاحة بالرئيس المصري «حسني مبارك»، ووصفهم بدعاة التخريب والفتنة.

ولم تنجح محاولات السعودية في الحفاظ على حليفها الأول «حسني مبارك»، وبدأت السعودية خطوات حازمة للتدخل في شؤون الشرق الأوسط بشكل مباشر لمنع فقدان حليف آخر، وهذا ما فعلته السعودية بتدخلها في البحرين الدولة الخليجية، بعد اندلاع احتجاجات بها بعد شهرين من سقوط «حسني مبارك»، وتصدت لتلك الانتفاضة بعنف وقسوة عن طريق التدخل بقوات درع الجزيرة.

وعلى العكس من ذلك، حين اندلعت الاحتجاجات في سوريا ضد «نظام الأسد» حليف إيران، ورغم استمرار دعم السعودية والكويت لحكومة «الأسد» لفترة، بدأ التحول بداية من قطر التي كانت الدولة الأولى التي تغلق سفارتها في سوريا بعد هجوم ميليشيا موالية للأسد على سفارتها اعتراضًا على تغطية الجزيرة القطرية للثورة السورية، وتحولت دول مجلس التعاون الخليجي تباعًا للوقوف ضد «نظام الأسد» والوقوف بصف المعارضة.

وجاء التحول من قبل قطر مفاجئًا للأسد، فقد كانت قطر هي الأقرب لسوريا وإيران في دول التعاون الخليجي، لكن بعض العوامل بالإضافة إلى الخجوم الذي تعرضت له سفارتها في سوريا، قد سببت هذا التحول.

أولًا: بنجاحها في سياسة دعم الثورات في مصر وليبيا، رأت قطر أن دعمها للثورة السورية وسقوط نظام «الأسد» سيعزز من دورها الإقليمي ويزيد من نفوذها الجيوسياسي.

ثانيًا، بسبب طموحات الطاقة لدى قطر التي كانت تخطط لتصدير الغاز لأوروبا من خلال أنابيب عبر سوريا، لذا كانت تلك الفوائد الجيوسياسية والاقتصادية دافعًا لقطر للمخاطرة بعلاقتها بإيران وتبني دعم المعارضة السورية بحماس.

وفي أغسطس/ آب من العام 2011، ومع تزامن التحول القطري بزيادة العنف في سوريا وتبني المجتمع الدولي فكرة سقوط «الأسد»، ودخول روسيا وتركيا إلى الصراح، رأت باقي دول مجلس التعاون الخليجي الفرصة سانحة لتبني إسقاط «الأسد» علنًا، لكنّ «الأسد» لم يسقط بسرعة، ولم تدم هذه الوحدة كثيرًا.

الانقسام السعودي القطري

داخليًا، نشأ الانقسام داخل مجلس التعاون الخليجي بداية بين قطر والسعودية بسبب اختلاف وجهات النظر حول دعم جماعات المعارضة. فقد احتضنت قطر المجلس الوطني السوري الذي دعمته تركيا وكانت تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين. أما السعودية والإمارات والبحرين، التي كانت تخشى من صعود جماعة الإخوان المسلمين وتزايد نفوذها في المنطقة، فقد فضلت دعم جماعات معارضة أكثر اعتدالًا وأقل ارتباطًا بالسلفية الجهادية، وقامت بالتنسيق مع الأردن والولايات المتحدة بدلًا من التنسيق مع تركيا، وكانت البداية بإنشاء غرفة عمليات عسكرية مشتركة في الأردن. وقد أضرّ هذا الانقسام كثيرًا بالثورة السورية.

بنهاية عام 2012، دب الاقتتال الداخلي بين جماعات المعارضة على النفوذ والتمويل. زادت الدعوات الدولية لتوحد قوات المعارضة، وفي إشارة لفقدان قطر وحلفائها الأفضلية داخل سوريا، برز اسم الجنرال «سليم إدريس» رئيس أركان الجيش السوري الحر، بعد وعود بحماية الأقليات داخل سوريا أكسبته دعمًا دوليًا. ووافقت السعودية والإمارات أيضًا على توصيل الدعم من خلاله، وكانت إشارة أولى لعودة الوحدة.

مع ذلك، استمرت قطر في دعم أفراد وجماعات أخرى بشكل فردي، وهو ما زاد الخلاف مع السعودية بعد دعمها أحرار الشام، وهي جماعة سلفية تقاتل من أجل الإطاحة بـ«نظام الأسد» واستبداله بحكم إسلامي. وكرد فعل على ذلك، سحبت كلًا من السعودية والإمارات سفيريهما في قطر في مارس/ آذار عام 2014.

جاءت تلك الخطوة في محاولة للضغط على قطر من أجل تغيير سياستها في سوريا، بعد إدراك السعودية لوجود توحد دول الخليج على قلب رجل واحد لتستطيع تحقيق أهدافها.

عزلة الخليج

خلال الصراع، عبّرت دول الخليج عن إحباطها المتزايد من تراجع الولايات المتحدة عن لعب دور أكبر في الصراع، وخاصةً بعد تراجع «أوباما» عن تهديده بالتدخل العسكري في حالة استخدام «الأسد» للأسلحة الكيميائية. وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013، أصبحت السعودية هي الدولة الأولى في التاريخ التي ترفض مقعدًا في مجلس الأمن، بسبب استمرار الأزمة في سوريا، قائلةً بأنّ «هناك أدلة دامغة على أنّ مجلس الأمن عاجز عن تحمل واجباته ومسؤولياته». وكانت تلك الخطوة المفاجئة من السعودية تعبيرًا صارخًا عن رفض المملكة لنهج المجتمع الدولي تجاه الأزمة السورية.

وتعبيرًا عن زيادة الغضب، وصف الأمير «تركي الفيصل»، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، أنّ سياسات «أوباما» يرثى لها. وزادت انتقادات السعودية للإدارة الأمريكية بعد تغير نهج الإدارة تجاه إيران أيضًا.

شراكة جديدة في الخليج

في يونيو/ حزيران عام 2013، أعلن أمير قطر الشيخ «حمد بن خليفة» تخليه عن الإمارة لصالح ابنه صاحب الـ 33 عامًا والذي حصل على تعليمه في بريطانيا، الشيخ «تميم بن حمد». وكانت تلك إشارة إلى تغير مسار بعض السياسات القطرية الخارجية. ومع تخلي الولايات المتحدة عن دورها، رأت السعودية وقطر تنحية خلافاتهما جانبًا، والتعاون في ملف الأزمة السورية.

وبعد جهود وساطة قادها أمير الكويت، أعادت دول مجلس التعاون الخليجي فتح سفاراتها في الدوحة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014. في المقابل، طردت قطر شخصيات الإخوان المسلمين البارزة، وأعلنت دعمها الكامل لرئيس مصر الجديد «عبد الفتاح السيسي».

وبعد أن أثبتت الولايات المتحدة عدم نيتها في ترجيح كفة الإطاحة بـ«الأسد»، تعاونت السعودية مع تركيا وقطر بعيدًا عن الولايات المتحدة في دعم تحالف للمعارضة تحت اسم جيش الفتح يضم جبهة النصرة، التي كانت تتبع القاعدة رسميًا، في موجة جديدة من مواجهة «نظام الأسد»، واستطاع جيش الفتح استعادة مدينة إدلب من يد قوات النظام في مايو/ أيار عام 2015.

كان هذا القرار بدعم جماعات سلفية جهادية راديكالية، خطوةً في اتجاه مواجهة السعودية للنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة. ودفعت السعودية باتجاه تعاون مشترك بين مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وعمل تدريبات عسكرية مشتركة بين 20 دولة. لكن بتدخل روسيا وإيران عسكريًا في خريف عام 2015، عادت كفة الرئيس السوري «بشار الأسد» لترجح من جديد. وحدثت تحولات دراماتيكية في هذه الفترة. فقد عاقبت السعودية لبنان على فشلها في إدانة الهجوم على السفارة السعودية في طهران بمنع مساعدات عسكرية للبنان تبلغ قيمتها 4 مليار دولار. ورأت السعودية أنّ عدم إدانة لبنان للهجوم يرجع لتزايد النفوذ الإيراني داخل لبنان، وأنّ هذا المنع ربما يعطي السياسيين الفرصة في مراجعة النهج السياسي تجاه إيران.

تزايد مخاوف الدول الأصغر

في الوقت الذي دعمت فيه السعودية وقطر الجماعات الراديكالية، اتخذت باقي دول الخليج مسارًا آخر. فتلك الدول الصغيرة في مجلس التعاون الخليجي رأت أنّ التهديد الداخلي لديها يشكل خطورة أكبر من تهديد النفوذ الإيراني. وداخليًا، وجدت دولة مثل الكويت نفسها في حرج بسبب تصاعد التوترات الطائفية داخلها وجمع التبرعات من جهات مختلفة لصالح جهات مختلفة متورطة في الصراع السوري، وهو ما دفع الكويت لتمرير قانون عبر برلمانها يجرم جمع الأموال لتمويل الجماعات الإرهابية، كما أنشأت وحدة للاستخبارات المالية للسيطرة على الأمر.

في الوقت نفسه، تسبب صعود نجم تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق بتزايد المخاوف الإقليمية والدولية من انعدام الاستقرار والأمن في المنطقة. وبدأت دول مثل الإمارات تؤكد تنسيقها مع مختلف الدول الإقليمية بشأن مكافحة الإرهاب ومقاومة توسع «الدولة الإسلامية». وقادت السعودية تحالفًا من دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء عمان لشن هجوم عسكري ضد الحوثيين في اليمن. كل ذلك أدّى لتغير الدفة بعيدًا عن الأزمة السورية.

ولم تعد الدول الصغيرة في مجلس التعاون تنادي بصخب وحماس بإسقاط «الأسد»، بل أصبحت ترى إزاحة «الدولة الإسلامية» أكثر إلحاحًا، بل إنّ دولًا مثل الكويت والإمارات أصبحت تنسق مع روسيا بشأن الأزمة السورية، ولم تعد تلك الدول تشترط إزاحة نظام «الأسد» كشرط لحل سياسي.

الأدوار الدبلوماسية والإنسانية لدول الخليج

بالإضافة للتدخل العسكري المباشر وغير المباشر، حاولت دول الخليج لعب أدوارًا إنسانية في محاولة للحد من الآثار الخطيرة للأزمة السورية. وكانت عمان هي الدولة الوحيدة من دول المجلس التي أبقت على علاقات دبلوماسية مع دمشق. واستغلت ذلك في محاولة لعب دور دبلوماسي بالتوسط بين الأطراف المختلفة لحل الأزمة، وساعدها في ذلك لعبها دورًا وسيطًا في إتمام الاتفاق النووي الإيراني.

ورغم نفي الكويت لعب أي دور وسيط في الأزمة السورية، فإنّها لعبت دورًا هامًا بالتوسط لإنهاء الخلاف بين قطر ودول مجلس التعاون.ومع ذلك، كان الدور الأهم للكويت في سوريا، استضافتها لمؤتمر الأمم المتحدة للدول الراغبة بإرسال المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

نجح المؤتمر في الاتفاق على مساعدات بقيمة 1.5 مليار دولار بما في ذلك التبرعين الأكبر من الكويت والإمارات بـ 300 مليون دولار من كل دولة. وذهبت غالبية المساعدات الإماراتية لمخيمات اللاجئين في الدول المجاورة لسوريا مثل الأردن ولبنان وتركيا والعراق.

خاتمة

تعاني الدولتان الخليجيتان، الأكثر إنفاقًا للإطاحة بـ«الأسد»، السعودية وقطر، الآن من العزلة أكثر من أي وقت مضى مع المجتمع الدولي. وكانت السعودية وقطر تأملان في تدخل حاسم للولايات المتحدة، وخاصةً بعد تخطي «الأسد» للخط الأحمر الذي وضعه «أوباما» باستخدام السلاح الكيماوي، لكنّ ذلك لم يحدث.

ومع دعم البلدين لجماعات سلفية جهادية، تحولت المعارضة شيئًا فشيئًا للتطرف، وهو ما زاد من تحفظ الولايات المتحدة على التدخل. واتفقت الولايات المتحدة وروسيا على «مركز تنفيذ مشترك» في إطار اتفاق وقف إطلاق النار في سبتمبر/ أيلول هذا العام، وهو ما يبعد التركيز عن إسقاط «الأسد».

ومع الوقت بدأ حلفاء رئيسيون للسعودية وقطر بالتحول للتعامل مع روسيا. وهو ما زاد من عزلة دول الخليج. فبعد أن كانت الأردن متعاونا رئيسيا مع السعودية للإطاحة بـ«نظام الأسد»، أنشأت الأردن في بداية 2016 مركزًا للعمليات في عمان مع روسيا للعمليات المباشرة في سوريا. كما أنّ الحليف الرئيسي لقطر، تركيا، قد أبدت هي الأخرى إمكانية التحول باتجاه روسيا في الصراع السوري. وفي عام 2016، قامت تركيا بتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) وروسيا، وقالت أنّها راغبة في عودة العلاقات مع سوريا إلى طبيعتها.

ورغم أنّ تصريحات تركيا لا تعني تخليها عن دعم المعارضة السورية، إلا أنّ تلميح تركيا لإعادة تقويم سياستها الخارجية يؤدي إلى عدم الارتياح داخل الرياض والدوحة.

جعل احتمال انتصار الجهاديين في سوريا من بقاء «الأسد» خيارًا أكثر أمانًا. ويبدو أن تحويل المعركة لصراع بين «الأسد» والجهاديين كان هو هدف الأسد الاستراتيجي من البداية. ولكنّه يعبر أيضًا عن فشل استراتيجية السعودية وقطر بدعم المعارضة الجهادية ثم تهميشها في وقت لاحق. وبالنسبة لمجلس التعاون الخليجي ككل، الذي كان من المفترض أن يتوحد ضد نفوذ إيران في الشام، يبدو أنّه بعيدًا كل البعد عن الوحدة حاليًا. وبالطبع يأمل قادة الخليج في تغير حاسم لسياسة الولايات المتحدة تجاه الأزمة السورية مع الإدارة الأمريكية الجديدة في يناير/ كانون الثاني عام 2017. لكن لا يبدو أنّ النهج الخليجي سيأتي بالنتائج المرجوة.

مركز الدراسات الاستراتيجية- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-