علاقات » اسرائيلي

السلفيون: من الامتناع عن قتال إسرائيل إلى التعامل معها

في 2016/10/07

يجد الدارس لأدبيات التيارات السلفية (العلمية والجهادية والسياسية) تنوّعاً في طريقة تبرير الإحجام عن محاربة الكيان الإسرائيلي، لكنها تكاد تتفق على شطب هذا الأمر من سلّم أولوياتها. في ما يلي بعض هذه المبررات:
حجج السلفية العلمية
يحضّ المحدّث السلفي الشهير محمد ناصر الدين الألباني في إحدى فتاويه، على الهجرة من فلسطين بعدما صارت في أيدي اليهود، إذّ يقول: «هذه المقاومة لا تفيد شيئاً، فالواجب الشرعي على سكان فلسطين أن يفعلوا كما فعل المهاجرون الأولون.. فبقاء هؤلاء المسلمين تحت أيدي الكافرين هو خلاف الشرع الحكيم. («الحدود الفاصلة بين أصول منهج السلف الصالح وأصول القطبيّة السروريّة»، ص. 385). أما عن «الانتفاضة» الفلسطينية فيقول الألباني «إنّ هذه الانتفاضة لن تأتي إلا بالدمار، وهي غير إسلامية شئتم أم أبيتم، لأنهم لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّته. نحن نرى أنَّ هؤلاء الشباب يجب أن يحتفظوا بدمائهم ليوم الساعة» (ص. 419). يبخّس الألباني من قيمة نضالات المقاومة الفلسطينية، فبحسب رأيه أنّ «كل هذه المظاهر التي تُمجّد، وتُسمّى بطولات ما هي في الواقع إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء». وعن نضال النساء الفلسطينيات غير المتدينات يقول: «هؤلاء مساكين، يفعلن كالنساء اليهوديات. في ظنهن أنهنّ يجاهدن، لكن ليس هذا من الجهاد في سبيل الله إطلاقاً» (ص. 385). أما ابن باز فيدعو السلطة الفلسطينية إلى الصلح مع الكيان الإسرائيلي، وأن «يُحكّموا شريعة الله، وأن يُلزموا بها الشعب الفلسطيني، لما في ذلك من السعادة والمصلحة العظيمة للجميع» (ص. 419).

أولويات السلفية الجهادية
تعتمد الجماعات السلفية الجهادية على الفقه السياسي المختص بأحكام الردّة، وذلك في سبيل تبرير القتال والأعمال العنفيّة داخل المجتمعات الإسلامية، متحاشية أي تصادم مع الصهاينة. وهم يستخدمون كعادتهم فتاوى ابن تيمية التي تنص على «البدء بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب». بدوره اقتفى محمد عبد السلام فرج في كتابه «الفريضة الغائبة» الخطى نفسها بتأكيده على مقولة «قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد»، حيث يقول: «إنّ أساس وجود الاستعمار في بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام.. فلا شك أنّ ميدان الجهاد هـو اقـتلاع تلك القيادات الكافرة، واسـتبدالها أولاً بالنظام الإسلامي الكامل، ومن هنا تكون الانطلاقة». («الفريضة الغائبة»، ص. 15).
يكرّس منظّر تنظيم «القاعدة» عمر عبد الحكيم «أبو مصعب السوري»، صفحات قليلة من كتابه الموسوعي المؤلف من 1600 صفحة، للعناوين التالية: «انطلاق البرنامج التلمودي الإسرائيلي، مؤتمر يالطا والحضور اليهودي، تسلط اليهود على أوروبا وأميركا، مؤتمر بازل 1897، وهزائم العرب والمسلمين في منتصف القرن العشرين». لكنه يخصص أسطراً قليلة للقضية الفلسطينية، حيث يقول: «يؤمن الجهاديون كافة.. بأنّ فلسطين جزء من العالم الإسلامي من النهر إلى البحر، وبأنّها حق واجب في عنق أجيال الأمة وأنّ الجهاد فرض لاسترجاعها. وهم يرفضون مبادئ الصلح والتطبيع والسلام مع اليهود» («دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، ص. 793). إلا أنّ عبد الحكيم لا يتطرّق في كتابه إلى تجربة الجهاد ضد الكيان الإسرائيلي، وذلك برغم حرصه على التأريخ للحركات الجهادية في العالمين العربي والإسلامي، في النصف الثاني من القرن العشرين، وصولاً إلى العام 2004.
التبرير الأوضح صدر عن د. عبد الله عزام، الذي يشدد على البدء بالجهاد بأفغانستان قبل فلسطين، وإن كان لا ينفي بأنها: «قضية الإسلام الأولى وقلب العالم الإسلامي وهي الأرض المباركة». يورد عزام حججه التي تجعل الجهاد في أفغانستان أولوية على الشكل التالي: أولاً، «إنَّ الذين يقودون الجهاد في أفغانستان هم أبناء الحركة الإسلامية وليسوا «خلطاء» منهم المسلم الصادق ومنهم الشيوعي ومنهم المسلم المعادي كما هو الحال في قيادة المقاومة الفلسطينية. ثانياً، إنّ الراية في أفغانستان إسلامية واضحة. ثالثاً، إنّ القضية في أفغانستان ما زالت بيد المجاهدين، وما زالوا يرفضون المساعدة من الدول المشركة، بينما اعتمدت الثورة الفلسطينية كلياً على الاتحاد السوفياتيّ. رابعاً، إنّ حدود أفغانستان مفتوحة أمام المجاهدين، أما في فلسطين فالحدود مغلقة والأيدي موثقة» («الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان»، ص. ١٦ ـ ١٧). السبب الرئيسي إذاً في تقديم الجهاد في أفغانستان على فلسطين يعود إلى أنّ «الأغيار» قد سبقوا السلفية إلى النضال والثورة في فلسطين، فانتفت بذلك أولوية البدء بالجهاد من أجل أولى قضايا الاسلام وأرضه المباركة وقلب عالمه.

من المهادنة إلى التعامل
أما بالنسبة لموقف السلفية السياسية في مصر من العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، فقد شكّل لقاء رئيس «حزب النور» السلفي لشؤون الإعلام نادر بكار بوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني في «جامعة هارفرد» في نيسان الماضي، صدمة في الأوساط المصرية. هذه الواقعة دفعت ببعض الصحافيين إلى التعليق بالقول: «يحرّمون معايدة الأقباط، لكنهم يصافحون ليفني».
يبدو السلفيون على اختلاف مشاربهم كمن يتعمّد صرف اهتمام العرب والمسلمين عن محورية القضية الفلسطينية، كونها تنافس جهادهم. بهذا السلوك تسير المجموعات السلفية بعكس إجماع الفقهاء وبخلاف ما شدّد عليه أبرز قادتها ومنظّريها. فعن «جواز الاستعانة بالكفار» يستعرض د. عزام شروطاً للفقهاء الأربعة وأبرزها: «أن يكون المسلمون أقوى من مجموع المشركين الذين استعانوا بهم والمشركين الذين يقاتلوهم. وبعضهم كمالك والشافعي اشترط أن يكونوا أي المشركين خدماً للمسلمين». («الدفاع عن أراضي المسلمين»... ص ٣٤ ـ ٣٥).
في النتيجة يتشابه السلفيون في الامتناع عن إدراج محاربة كيان العدو على لائحة أولوياتهم، فيما يلجأ بعضهم إلى التعامل معه كما تفعل هذه الأيام «جبهة النصرة» وأخواتها في جنوب سوريا وريف القنيطرة تحديداً، حيث تستخدمهم إسرائيل للعب دور «حزام أمني سلفي» يقوم بوظيفة حماية حدودها في منطقة الجولان ذات الأهمية الاستراتيجية الفائقة.

علي مزيد- السفير اللبنانية-