علاقات » خليجي

السياسة العمانية الخارجية والأحكام غير العادلة

في 2016/09/26

تفاجأ الكثيرون في سلطنة عمان وأنا أحدهم، بما نشرته جريدة الحياة اللندنية العريقة الأسبوع الماضي، وهي من الجرائد المحترمة التي نتابعها منذ عقود، بما نشرته من مراسليها من عدة أماكن من داخل اليمن وخارجه، "بالقبض على شاحنة تحمل أرقامًا عمانية، على الحدود اليمنية/ العمانية، محملة بالأسلحة والمتفجرات، وهي في طريقها للحوثيين، كما جاء في الصفحة الأولى لجريدة الحياة، وما تبعها من البعض من تعليقات، واتهامات للسلطنة، من دون أي دليل، وكأن الأحكام المسبقة، هي التي تدفع بهذه الاتهامات غير الصحيحة بما يقترب من التلفيق.

والذي نعرفه ـ وأنا من محافظة ظفار العمانية ـ التي تقع على حدود السلطنة مع الجمهورية اليمنية، أن السلطنة وضعت إمكاناتها العسكرية البرية والبحرية وفرقها الأخرى، في الوديان المحاذية للحدود، والصحاري الممتدة مع دول الجوار، لمنع أي تسلل أو اختراقات للحدود العمانية/ اليمنية، واستطاعت أن تحفظ حدودها بخطوات كبيرة من القوات على الحدود العسكرية ومن المراقبات الأخرى.

وتحاول في الوقت نفسه، إنهاء التوتر والإسهام في الحلول السلمية لإيقاف الدماء بين اليمنيين من خلال المبعوث الدولي ومن طرق سياسية كثيرة لحل النزاع، لكنها في سياستها الثابتة، مع شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، ومع مخرجات الحوار الوطني، ومع المبادرة الخليجية التي شاركت فيها السلطنة، في آليتها التنفيذية وقراري مجلس الأمن رقمي 2014 و2051 التي اقتضت تنفيذ حزمة من المهام والاستحقاقات لضمان إحداث عملية التغيير التي نشدها وتوافق عليها اليمنيون.

وفي مقدمة ذلك حل القضية الجنوبية حلا عادلًا يضمن أمن واستقرار ووحدة اليمن، وعليه فإن الوثيقة كما طرحت، تعكس وعي والتزام المكونات السياسية والاجتماعية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل بضرورة استكمال المهام التي احتوتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والتي بدأت بتوقيع المبادرة الخليجية وتنتهي بالانتخابات العامة". ولذلك فإن السلطنة مع شرعية هذه الاتفاقيات ومع ما تم الاتفاق عليه، ولن تكون إلا مع الشرعية التي ارتضاها الجميع، بمن فيهم الحوثيون، وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

فما قيل عن وجود أسلحة جاءت للحوثيين بسيارات عليها أرقام عمانية، ومن خلال الحدود العمانية، فهذا يبعث على الضحك، أكثر مما يدعو للبكاء، فما مصلحة عمان في دعم الحوثيين؟ وماذا ستجني من وراء استمرار الصراع في اليمن؟!

فالسلطنة عانت وستعاني من الحرب اليمنية/ اليمنية، وعندها مئات الجرحى والمصابين، غير الذين دخلوا للحدود العمانية، بسبب الأوضاع السياسية، وهذا في جانبه إنساني، خاصة من سكان جنوب اليمن، وربما النقد والاتهام كان سببه معروف، وهو عدم دخول السلطنة في التحالف، لدعم الشرعية القائمة، والسلطنة لم تعترض على التحالف.

ومن حق كل دولة أن تتخذ ما تراه يحفظ مصالحها وأمنها واستقرارها، فالسلطنة لها سياستها الثابتة، وهي أن دول مجلس التعاون هي عمقها الإستراتيجي، ولن تكون إلا معهم، وليس مع غيرهم مهما يقال هنا وهناك، لكنها ـ أي السلطنة ـ ترى عدم الدخول في الصراعات الداخلية لدول الجوار لأسباب تراها مقنعة، وقد عانت من تدخلات اليمن الجنوبي سابقًا، وهذا يعرفه الجميع، وبينها وبين اليمن اتفاقيات عدم اعتداء، بعد اتفاقية الحدود في العقد الماضي، لكنها لن تكون إلا مع الشرعية، ومع ما تم الاتفاق عليه ومع القرارات الدولية المعلنة، وهذا الموقف الذي لن تنحاز عنه.

وتنطلق السياسة العمانية التي اختطها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس في الحفاظ على أمن المنطقة من الحقائق الجغرافية الإستراتيجية، حيث إن السلطنة تشرف على مضيق هرمز الذي يعد أهم معابر تجارة البترول في العالم، ويقع بأكمله تقريبا في المياه الإقليمية العمانية مما رتب أعباء كبيرة في الإستراتيجية الأمنية في العقود الماضية مع بروز توترات عديدة أسهمت في تعزيز هذه الأعباء مثل الغزو السوفييتي لأفغانستان وانفجار الحرب العراقية الإيرانية وما ترتب على هذه المشكلات من قضايا ومنعطفات أبرزت التفرد الحكيم لسياسة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم في كيفية التعامل مع أخطر الأزمات وأكثرها سخونة تنم عن فكر سياسي حصيف، يدرك أهمية التحولات ومخاطرها على الاستقرار.

لذا سعى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس إلى إطلاق فكرة إقامة الترتيبات الأمنية والتعاون الإقليمي، وباتت تلك الرسالة بشأن أمن المنطقة أحد العناصر الرئيسية للسياسة العمانية وقال جلالته" نحن جميعا نهتم باستقرار الأمن في المنطقة كسياسة عامة، ولا ريب أننا إذا حققنا الأمن في المنطقة وتعاونا جميعا في هذا السبيل فإننا نكون بذلك قد أمنا أنفسنا ضد أي خطر خارجي، ولا ريب كذلك في الاتحاد قوة، وهو إذا ما أمكن تحقيقه فإنه سيكون الدرع الواقية للمنطقة (حديث لمجلة المصور المصرية 1973م).

كما تميزت السياسة العمانية بشأن مختلف القضايا العربية بالحرص على التعامل الصريح مع مستجداتها، وهي صراحة لا تخضع لازدواجية المعايير أو خلط الأوراق أو اللعب على التناقضات واستثمارها سياسيًا، أو المناورات الدبلوماسية التي لا تلامس حقائق الأمور وطبيعتها، ولا شك أن جلالة السلطان حفظه الله بنظرته الثاقبة قد وضع يده بسهولة ويسر على كيفية حل الأزمات والخلافات العربية من خلال أولويات الحوار البنّاء الذي يقوم على استبعاد عناصر الاختلاف والتنافر. ولعل ذلك يفسر لنا كيف اتبعت عمان منهجًا قويمًا في كيفية حل الخلافات الحدودية مع بعض الدول الشقيقة.

وجعلت من هذا الموقف مثلًا يحتذى على الصعيد الإقليمي والعربي والدولي. لذلك فإن السلطنة ستبقى ثابتة في سياستها مع دول مجلس التعاون، ومع محيطها العربي، وهذا من المستقرات والثوابت التي لن تكون إلا كما كانت وسارت عليه عبر التاريخ.

عبد الله علي العليان- الشرق السعودية-