سياسة وأمن » تصريحات

«السعودة».. ما الذي استفادته المملكة من تجاربها السابقة؟

في 2016/09/19

تظل عملية «السعودة» (إحلال السعوديين محل العمال والموظفين الأجانب) تمثل تحديًا كبيرًا، ولكن النهج الجديد للسعودية سوف يساعد على معالجة أوجه القصور في الجهود الماضية.

وتحظى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بفرص أفضل للنجاح هذه المرة، كونها المسؤولة عن تنفيذ برنامج السعودة الشامل، وهو ما لم يكن متوفرًا في المحاولات السابقة التي كانت عبارة عن استراتيجيات منفصة عن طريق عدد من الوزراء والوكالات.

لن يتم استبعاد العمال الأجانب بأعداد كبيرة دفعة واحدة. لكن من المنتظر أت تواجه العديد من قطاعات البيع بالتجزئة، ولا سيما تلك المستهدفة بـ «السعودة الكاملة»، بعض الاضطرابات.

تحليل

دون خشية من هواجس النتائج غير المرضية للحملات السابقة، عقدت السعودية العزم على المضي قدمًا بحملة جديدة في مشروعها طويل الأجل الذي يستمر لعقود، لاستبدال السعوديين بالعمالة الأجنبية، وهي العملية التي تعرف بـ «السعودة». وبدأت بوادر أولى خطوات الحملة الجديدة في وقت مبكر من هذا الشهر، بإعلان قطاع تجزئة الاتصالات (قطاع يختص بكل ما يتعلق ببيع وصيانة الهواتف الخلوية) وصوله إلى هدفه بتحقيق «السعودة الكاملة». ولم تعمل العديد من المحال بشكل جيد خلال الستة أشهر التي أعطيت لها كفترة توفيق أوضاع لإنجاز عملية «السعودة»، ما جعل بعض المحال تغلق أبوابها، وتم تغريم المحال الأخرى. وفي تحقيق لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية يبين مدى نجاح القطاع في تطبيق اللوائح الجديدة، فإنّها ستكشف عن عدد من حالات عدم الامتثال للوائح خلال الأشهر القادمة على الرغم من العقوبات الرادعة (تصل إلى السجن عامين، وغرامة 365 ألف دولار). وفي الأخير، تظل العمالة السعودية أكثر تكلفة من نظيرتها الأجنبية، بالنظر إلى ارتفاع الراتب وضعف الكفاءة، وهذا ما أفشل من جهود سعودية سابقة في نفس الشأن.

لكن الحكومة السعودية مضطرة للمضي قدمًا في هذه العملية، تظرًا للارتفاع الكبير في مستوى البطالة بين الشباب، مع تزايد السكان، وانخفاض مداخيل النفط. وعلى الرغم من أنّ هذه المبادرة ربما تكون مثل سابقاتها بعيدة كل البعد عن تحقيق هدفها، إلا أنّ الخطة الجديدة للحكومة لديها بعض الأفضلية عن سابقاتها، وهي ناتجة عن الدروس المستفادة من فشل تلك التجارب.

حاول.. وحاول مرة أخرى

على مر السنوات، انتهجت حكومة المملكة العديد من برامج «السعودة» وأنماطًا أخرى من برامج الإصلاح الاقتصادي، بمستويات مختلفة من الإلحاح. ودائمًا ما تناسب الاهتمام بهذه المبادرات عكسيًا مع أسعار النفط. فعندما ترتفع أسعار النفط يسير الإصلاح السعودي ببطء، وعندما تقل مدخولات النفط يعود الاهتمام بفكرة الإصلاح الاقتصادي. ورغم أن بداية الحديث عن ضرورة هذه العملية كان في الستينيات والسبعينيات، إلا أن أولى سياسات السعودية تجاه عملية «السعودة» قد ظهرت في سبتمبر/ أيلول من العام 1994. تم تعميم المخطط بعد ذلك في عام 2002، وتم تحسين نسخة جديدة منه في مارس/ أذار، وأبريل/ نيسان عام 2006.

على الرغم من الإخفاقات المتكررة، يظل أحد عوامل الفشل راجعا إلى عدم مراعاة اختلافات أحجام واحتياجات الشركات المختلفة داخل الصناعة الواحدة، وبين مختلف الصناعات، وأيضًا إلى ميل السعوديين للعمل في قطاعات معينة دون غيرها، مثل قطاع البناء. هذا بالإضافة إلى عدم توفير التعليم والتدريب اللازمين للسعوديين للوصول إلى الحد الادنى من المهارات المطلوبة للوظائف التي ستتاح لهم. علاوة على ذلك، لم يكن لدى الحكومة السعودية في السابق خطة موحدة أو توقعات واقعية تجاه العديد من المبادرات السابقة. في منتصف العقد الماضي على سبيل المثال، حاولت الرياض إجراء عملية «سعودة» راديكالية بين وكالات السفر في المملكة. في هذا الوقت، أعلن قطاع التجزئة، والذي يتضمن وكالات السفر، الوصول لشغل نسبة 11% من الوظائف بموظفين سعوديين، إلا أنّ الحكومة السعودية وبشكل مفاجئ، طالبت وكالات السفر في عام 2004، الوصول لنسبة 100% من شغل السعوديين للوظائف في أقرب وقت ممكن (ولم تعط وقتًا محدًا للتنفيذ). وقف أصحاب المصالح ضد هذا المرسوم واحتجوا بشدة بعدم واقعية هذه النسبة، وقصر الوقت المسموح للوصول لها. وبعد أن أغلقت قرابة الـ200 وكالة، وتم إلقاء القبض على عديد من الوكلاء، شكل ملاك الأعمال لجنة للتفاوض مع وزارة العمل، والتي رضخت لهذا الأمر، ووضعت مواعيد جديدة، ولوائح جديدة مربكة بعض الشيء لكنها أكثر مرونة. وكشفت هذه التجربة السيئة افتقار الحكومة السعودية للاستراتيجية اللازمة لتجاوز تحديات «السعودة»، وأن القطاع الخاص لديه القوة ليقاوم هذه الإصلاحات.

التعلم من الأخطاء الماضية

مع وضع دروس التجارب السابقة في الاعتبار، كشفت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عن خطة جديدة لـ «السعودة» في عام 2011. ويعرف هذا البرنامج بنظام (النطاقات)، وتم تقييم الشركات في هذا النظام على أساس نسبة شغل السعوديين للوظائف داخلها وتم تقسيمها إلى مجموعات تحت ألوان مختلفة، حيث تأتي الشركات ذات أعلى نسبة في تطبيق «السعودة» تحت ألوان (بلاتيني/ أزرق/ أخضر)، والشركات ذات نسب «السعودة» المنخفضة تحت ألوان (أصفر/ أحمر). نجحت الخطة على الأقل في البداية. حيث وجد في نهايات عام 2014، أن 14% فقط من الشركات السعودية جاءت تحت النطاقات باللون الأصفر أو الأحمر. ولكن بعد أن انخفضت أسعار النفط، انحدر الوضع المالي للملكة إلى الأسوأ. واليوم، تعاني السعودية من نسبة بطالة بلغت 11.6%، وجاء النمو في الوظائف بين المواطنين السعوديين في عام 2015 ليكون المعدل الأبطأ خلال 17 عامًا.

تأمل الحكومة السعودية في خفض تلك النسبة لتصل إلى 7% هذا العام. ولأجل تحقيق ذلك، فقد أطلقت نظامًا محدثًا من برنامج نطاقات كجزء من خطة تهدف لخلق ما بين 1.1 مليون و1.3 مليون وظيفة. وتهدف المرحلة الرابعة والأخيرة من البرنامج والتي تنتهي بنهاية هذا العام، إلى التغلب على العقبات والتحديات التي واجهت برامج «السعودة» السابقة. وعلى عكس الخطط السابقة، ستوفر النسخة الأخيرة المحدثة تواصلا أكبر بين وزارة العمل والحكومات المركزية والإقليمية والقطاعات المختلفة التي تنفذ «السعودة» بما يشمل القطاعات المستهدف لها «سعودة» كاملة مثل الاتصالات وصناعة النسيج. ويعد نظام نطاقات الجديد بالنظر في القضايا النوعية، مثل نسبة النساء التي توظفها الشركات، واستدامة الوظائف التي توفرها، وتقييم أداء الأعمال. ولعل الأهم من ذلك، أن المبادرة ستكون على الأرجح تحت إشراف وحيد من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهو النموذج الذي أثبت نجاحات سابقة في تجارب «سعودة» قريبة. وعمومًا، تكشف مكونات الخطة أنّ الرياض تدرك جيدًا أوجه القصور في برامج «السعودة» السابقة وتضع تلك المعرفة نصب أعينها.

التحديات المتبقية

حتى مع ما سبق، فإن خطة «السعودة» التي تتبعها الحكومة ستواجه العديد من التحديات. وأول هذه التحديات، أنّ العديد من القطاعات المستهدفة في برنامج «السعودة» الكاملة، تقدم وظائف منخفضة المهارة والتي يرفضها السعوديون تمامًا. ولا يزال الطلب مرتفعًا على العمالة الأجنبية في هذه القطاعات، ولاسيما قطاعي البناء والخدمات الصناعية، بغض النظر عن اللوائح الجديدة. وتوجد سوابق تاريخية لعدم التوافق بين الحكومة والقطاع الخاص مثلما حدث في منتصف العقد الماضي. وربما تنضم الشركات، خلال حملة التوظيف الجماعي للسعوديين، إلى القوات الضاغطة على وزارة العمل من أجل تقديم تنازلات مثلما فعلت وكالات السفر عام 2004. وأخيرًا، لا تواكب المبادرات التعليمية في المملكة أهداف «السعودة»، كما أن التوقعات المجتمعية للنساء لم تتغير كذلك. وبذلك، إن لم توفق الحكومة السعودية خطتها مع العادات المجتمعية في البلاد، فإنّها ستفشل مرة أخرى في الوصول للهدف.

من نواحٍ عديدة، تسير الخطة الأحدث للسعودية في رفع معدلات توظيف السعوديين بشكل أوثق من المحاولات السابقة، لكن تطبيق الخطة لن يكون مهمة سهلة. ورغم أن برنامج «السعودة» الجديد ملح بشدة لحل مشاكل المملكة الآنية، إلا أنّ الأمر يتطلب تحولات لأجيال للوصول لـ «سعودة» ناجحة.

ستراتفور - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-