ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

المخاطر السياسية الهائلة لاستراتيجية إصلاح قطاع النفط في المملكة العربية السعودية

في 2016/07/28

في 7 يونيو، وضعت المملكة العربية السعودية ” خطة التحول الوطني” لتحويل اقتصادها القائم على النفط. ومن أجل القيام بذلك، يعتزم مهندس الخطة، نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، من خلال الاكتتاب العام لشركة النفط الأكثر قيمة في العالم، أرامكو السعودية، ورفع الدعم عن بعض الخدمات. وبالنظر إلى كل التفضيلات، فإنّه من الصعب عدم التكهن بطموح الخطة وقابليتها للتطبيق والنجاح. قامت شركة “GE” برهان ضخم، ووعدت باستثمار ما لا يقل عن 1.4 مليار دولار في البلاد.  

ولكن حتى لو كان من الممكن أن نتحقق من جميع البنود المدرجة على قائمة رغبات الأمير، ربما لا يضمن الأمير نفسه مستقبل مزدهر لمملكته. عن طريق خفض الدعم والتنازل عن بعض السيطرة على الصناعة النفطية، قد تتخلى المملكة العربية السعودية عن أصل ينافس النفط في القيمة: النظام السياسي في المنطقة الغارقة في الصراعات.

والسبب الرئيسي في صعوبة الوضع هو تأخير دفع مرحلة ما بعد النفط. التحوّلات الاقتصادية الكبيرة تكون أكثر قابلية للتحقيق عندما تكون الخزائن ممتلئة والإيرادات مرتفعة. ومع ذلك، تحدّد المملكة العربية السعودية مسار التنويع الاقتصادي في ظل عجز مزمن في الميزانية وانخفاض أسعار النفط باستمرار.

إنّه من أجل إنشاء اقتصاد متنوع، ستحتاج المملكة العربية السعودية إلى إنشاء قطاع خاص لم يسبق له مثيل مع ستة ملايين فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030، وأكثر من ذلك إذا دخلت النساء في سوق العمل بأعداد أكبر. لقد أنتجت الطفرة النفطية بين عاميّ 2003 و2013 ثُلث هذا العدد فقط. وتأمل المملكة في توفير 450 ألف فرصة عمل غير نفطية قبل عام 2020. ومع ذلك، تحتاج البلاد إلى خلق 226 ألف فرصة عمل سنويًا لاستيعاب الخريجين الجدد.

احتمالية التحوّل السلس لم تعد ممكنة الآن. في السنوات الماضية، كان من الممكن أن تستثمر المملكة الاحتياطيات الهائلة من العملات الأجنبية في نفس المخططات والمشاريع التي تأمل الآن في تحقيقها. وبدلًا من ذلك، استخدمت المملكة العربية السعودية هذه الأموال من أجل سد العجز الذي يقترب من 100 مليار دولار سنويًا.

قارن ذلك بالاحتياطيات التي بلغت قيمتها 593 مليار دولار في فبراير الماضي والتي تنخفض بمقدار 10 مليارات دولار في الشهر. الأخطر من ذلك هو أنَّ استهلاك الوقود المحلي يهدّد بالضغط على مصدر الإيرادات الكبير الوحيد في المملكة العربية السعودية: النفط.

يعتمد المواطنون السعوديون بشكل شبه كامل على الديزل المحلي والغاز الطبيعي كمصادر رئيسية للطاقة. لكنَّ الطلب ينمو بسرعة وهذا سيؤدي إلى انخفاض بمقدار مليوني برميل يوميًا من الصادرات بحلول عام 2020 وفق المعدلات الحالية. ومن المفارقات أنَّ المملكة العربية السعودية تحتاج هذه الصادرات لتمويل مستقبل ما بعد النفط.

لقد استفادت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة من قيادة أسواق النفط العالمية والعائدات الهائلة التي تدرها عليها الثروة النفطية. والآن تحولت هذه النعمة إلى عبء.

يجب أن تجد المملكة العربية السعودية فرصة استثمار بقيمة 4 تريليون دولار، بحسب تقديرات شركة ماكينزي، من أجل دفع المملكة نحو مستقبل اقتصادي جديد. القيام بذلك من شأنه زعزعة استقرار المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم وحليف الولايات المتحدة.

أدى الجدول الزمني الضيق إلى العديد من القرارات غير المسبوقة، أبرزها الاكتتاب العام لشركة أرامكو السعودية. حتى لو تمّ بيع 5 بالمئة فقط من الشركة حسب الخطط الحالية، فإنّه سيكون أكبر طرح في التاريخ، يُقدّر بنحو 100 مليار دولار.

أطّر نائب ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، هذا الاكتتاب “من أجل مزيد من الشفافية، ومكافحة الفساد”. وبالتأكيد، فإنَّ التحدث علنًا عن بيع جزء من الشركة سيؤدي إلى مزيد من الشفافية حول الموارد المالية في المملكة. وقد تكون هذه هي المشكلة الرئيسية التي ستواجهها المملكة في المستقبل.

تحافظ المملكة العربية السعودية، بدرجة أكثر بكثير من كثير من الأنظمة الملكية والأنظمة الاستبدادية في المنطقة، على شبكة رعاية توسّعية معقدة من أفراد العائلة المالكة. في حين أنّه من المستحيل حساب إجمالي “المخصصات العائلية” التي تدعم هذه الشبكة، تشير بعض التقديرات إلى أنَّ قيمة تلك المخصصات بلغت 37 مليار دولار في عام 1996 مع ذهاب عائدات مليون برميل من النفط كليًا إلى “خمسة أو ستة أمراء”. وعلى الأرجح أنَّ هذا الرقم قد ازداد منذ ذلك الحين.

رواتب الأسرة المالكة توفر الاستقرار السياسي في البلاد دون التوريث المباشر وتأثير الفصائل المعارضة داخل الأسرة. ولذلك، فإنَّ الكشف عن مخصصات العائلة المالكة يخاطر بالاتفاق طويل الأمد الذي ينص على: الأموال مقابل الامتثال.

الرسائل غير العادية من كبار الأمراء تكشف أنَّ أفراد الأسرة المالكة طالبوا بتغيير النظام، وأعربوا عن استياءهم الشديد تجاه سياسة النفط الحالية وتجاه الأمير محمد بن سلمان نفسه. ونتيجة لذلك، فإنَّ فتح ملف أرامكو السعودية يمكن أن يعالج العجز المالي المتنامي في البلاد، ولكنه يغامر بتمرد من داخل الصفوف.

خطر النخبة في البلاد يماثل خطر الشعب، لا سيما مع بدأ السعودية بالفعل في إلغاء الدعم وخفض الإنفاق العام. وبالرغم من أن العديد من هذه النفقات هي دليل على عدم الكفاءة الاقتصادية، إلّا أنّها تشكّل أساس العقد الاجتماعي القائم على الدفع.

هذه التخفيضات تنذر باضطرابات في أحسن الأحوال، واضطرابات تشبه الربيع العربي في أسوأ الأحوال.

في وقت سابق من هذا العام، أحرق بعض عمّال البناء الحافلات في مكة المكرمة لأنهم لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور. وقال أحد مستشاري السياسة الخارجية السابق في البيت الأبيض: “الظروف التي أنتجت الربيع العربي قبل خمس سنوات لم تنتهي، ويبدو أنها أكثر صلة بالسعودية الآن.”

تجنبت المملكة العربية السعودية موجة الاضطرابات في عام 2011 وذلك بسبب نظام الرعاية الاجتماعية السخي الممول من النفط.

بطبيعة الحال، فإنَّ الحكومة السعودية تنفذ خطة الإصلاح تدريجيًا، لتجنب مثل هذه الحالة. ومع ذلك، فإنَّ التخفيضات تحتاج إلى أن تكون أعمق وأسرع لإعادة تنظيم الموارد المالية في البلاد. في يناير الماضي، ضاعفت المملكة العربية السعودية أسعار البنزين، ووصل سعر لتر البنزين إلى أربعة وعشرين سنتًا أو حوالي تسعين سنتًا للغالون الواحد، على بُعد خطوة واحدة نحو هدف توافق الأسعار مع السوق العالمية.

وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يرتفع عدد المواطنين البالغين السعوديين أكثر من الضعف في السنوات الخمس عشرة المقبلة، أي ما يعادل تخفيضات نظام المدفوعات والإعانات.

تعتزم المملكة العربية السعودية التخلص التدريجي من الدعم ليس فقط للمنتجات البترولية، ولكن أيضًا للماء والكهرباء على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتشمل الخطة مقدمة من المبيعات وضرائب الدخل وتخفيض الأجور الحكومية، وهذا يعني انخفاض رواتب أكثر من ثُلثي السعوديين.

ومع أول ارتفاع في أسعار البنزين، هرع السعوديون لملء خزانات سياراتهم في غضون ساعات قليلة. والقادم ربما يكون أسوأ. هناك تاريخ طويل راسخ يربط بين خفض الدعم وعدم الاستقرار السياسي. واليمن ونيجيريا هما أحدث الأمثلة حيث حرّض ارتفاع الأسعار على العنف.

ولذلك، فإنَّ شروع المملكة العربية السعودية في خطة التحوّل الوطني سيكون بمثابة قيود سياسية مختلفة عن الطفرة النفطية في المملكة العربية السعودية. وأولئك الذين يتوقعون التغيير الاقتصادي، مثل نائب الأمير ولي العهد، يجب عليهم الانتباه للتغيير السياسي كذلك.

ناشيونال إنترست – إيوان24-