ملفات » رؤية المملكة السعودية 2030

«تسونامي ديموغرافي» في السعودية

في 2016/07/15

تسعى رؤية 2030 لمواجهة التحديات الاقتصادية في السعودية، ولكن الحلول السريعة لا يبدو أنها تلوح في الأفق.

لقد أسالت خطة التحول الوطنية السعودية ورؤية عام 2030 بالفعل لعاب المجتمع المصرفي والاستشاري. وبطبيعة الحال، فإن أصحاب المصلحة هؤلاء يبحثون عن رسوم الاكتتاب في أرامكو، وإصدارات السندات القادمة والاستثمارات والعائدات. وفي الواقع، فإن التفاؤل بشأن التغيير هو أمر غير مؤكد، هذا مع خضوع العمالة الوافدة للضريبة لأول مرة.

إن المشاكل في السعودية لا يمكن أن تحل عن طريق الهندسة المالية، حيث تعاني البلاد اختلالا عميقا، بسبب سنوات من فائض عائدات النفط وخلق ثقافة الاستحقاق عند السكان السعوديين.

ومع كون سعر النفط حاليا أقل بكثير مما يلزم لمعادلة ميزانية المملكة العربية السعودية فإنه من المحتمل أن تظل هذه الحالة ويمكن أن تستمر لبضع سنوات قادمة.

«تسونامي» ديموغرافي

هذه هي المشكلة الأبرز في رؤية 2030. لا يمكن للسعودية أن تستمر في دعم أنماط حياة الرفاه والمشاريع الكبرى. والحقيقة هي أنه ما بين الآن وعام 2030، فإن الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للفرد الواحد سينخفض بشكل كبير، وكل السعوديين باستثناء أعضاء الأسرة المالكة سوف يصبحون أكثر فقرا، خاصة الشباب السعوديين الذين تلقوا تعليما وكانوا يتوقعون حياة جديدة. لا يمكن أن نتوقع على وجه التحديد كم الألم الذي يمكن أن يتحملوه في هذه العملية ولكن هذه البيئة سوف تكون أرضا خصبة لنمو أفكار سياسية جديدة. وهذا ينطوي على خطر عظيم. 

في الوقت الحالي، تأتي حوالي 70٪ من الإيرادات الحكومية السعودية من النفط. ويعمل في القطاع العام السعودي أكثر من ثلثي السعوديين إضافة إعانات البطالة والإعانات الأخرى. وهذا بالطبع لا ينطبق إلا على المواطنين السعوديين، وليس للعمال الأجانب وأسرهم علما أن المغتربين يشكلون حوالي ثلث السكان، أي حوالي 10 مليون من أصل 30 مليون نسمة. وهذه العمالة الوافدة هي التي تقوم بالغالبية العظمى من العمل الاقتصادي الفعلي في قطاعات البترول، والبناء، والخدمات الشخصية، وتجارة التجزئة، والتصنيع، والهندسة، والسفر والسياحة والمرافق والقطاعات الزراعية.

وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية لا يوجد لديها ديون وتحتفظ بحوالي 600 مليار دولار من قيمة الأصول الثابتة مثل أرامكو، فإن التركيبة السكانية هي «تسونامي» لن تكون الحواجز المالية قادرة على احتوائه.

 إن نصف الشعب السعودي تحت سن 25 سنة، وبحلول عام 2030 سيكون عدد السعوديين الذين ستتراوح أعمارهم بين 15 سنة وما فوق قد ازداد بنحو 6 ملايين و سيؤدي لجلب حوالي 4.5 مليون شخص إلى سوق العمل.

وستكون النتيجة أن العرض المحتمل من العمالة السعودية سيتضاعف تقريبا إلى حوالي 10 مليون من 5.5 ملايين حاليا. وسيرتفع هذا العدد مرة أخرى إذا سعت أعداد أكبر من النساء السعوديات للدخول إلى العمل أيضا. قارن هذا مع 1.7 مليون فرصة عمل، معظمها من القطاع العام، قد تم إنشاؤها للسعوديين خلال 10 سنوات من الطفرة النفطية بين عامي 2003 و2013.

تقدر «ماكينزي» مؤخرا أنه حتى لو أوقفت الحكومة هجرة العمال الوافدين، وتم استبدال العمالة الوافدة الحالية وتوظيف السعوديين، فإنه من الآن وحتى عام 2030 سوف يبقى هناك نقص كبير في فرص العمل المتاحة، ونتيجة لذلك، فإن معدل البطالة بين السعوديين سيرتفع فوق 20 ٪ مع انخفاض مماثل في متوسط دخل الأسرة أيضا. وهذا لا يأخذ في الاعتبار التخفيضات المقررة في الإعانات أو الزيادات في الضرائب.

هناك مشكلة رئيسية أخرى: وهي ثقافة العمل بين المواطنين السعوديين. في المتوسط، ستتكلف الشركة ما بين أربعة وستة أضعاف لتوظيف ذوي المهارات المتدنية من سعوديي الجنسية على عكس المغتربين، ولن يكون السعوديون على استعداد لقبول أي وظيفة و هناك كثيرون يرفضون قبول بعض المهن بحجة أنها «مهينة».

يجني عمال القطاع العام من السعوديين في المتوسط أكثر بحوالي 70٪ من نظرائهم في القطاع الخاص. وعلى هذا الأساس، فإن القطاع العام لا يمكن له استيعاب الملايين من السعوديين القادمين إلى سوق العمل دون حدوث عجز عملاق. والقطاع الخاص أيضا لا يستطيع استيعاب هذه الأعداد دون إفلاس، ما لم يكن السعوديون على استعداد لقبول الوظائف والأجور على قدم المساواة مع العمال الوافدين.

توقعات

هذا هو المأزق الذي وصفه الأمير «محمد بن سلمان» والذي تسعى خطة التحول الوطنية لمعالجته. ولكن لا يوجد حل مرجح غير قدرة الشعب السعودي على التعايش مع مستوى أقل بكثير من المعيشة، بدلا من شغل وظائف مختلقة في القطاع العام، والأهم هو تقبل كل هذا الألم دون مطالبة أي جهة سياسية بتوضيح الطريقة التي يتم بها اتخاذ هذه القرارات.

إن المفقود في رؤية 2030 هو التفكير بأن السكان السعوديين يمكن أن يؤثروا على أسرة آل سعود نفسها، وهذا هو خط الصدع الذي من المرجح أن يتطلب إعادة التفاوض على العقد الاجتماعي الحالي.

فير أوبزفر - | ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد