اقتصاد » فرص عمل

لماذا لا تستطيع دول الخليج الاستغناء عن العمال الأجانب؟

في 2016/06/15

توقعات

(1) التحويلات المالية المتراجعة التي يرسلها العمال المهاجرون في دول الخليج إلى بلدانهم النامية سوف تنتعش عندما تستقر أسواق النفط، وتحقق خطط التنويع بعض النجاحات.

(2) من أجل استرضاء وتوظيف السكان المحليين الذين تتزايد أعدادهم، فإن دول الخليج سوف تقوم باستبعاد بعض المهاجرين من ذوي الياقات البيضاء لصالح المواطنين.

(3) مع كون عبء الضرائب الجديدة سوف يقع على كاهل الأجانب بشكل رئيسي، فإن دول الخليج سوف تضطر إلى الاعتماد على العلاقات العامة للحفاظ على تدفق المهاجرين.

تحليل                                 

يشكل النفط أساس ثروة دول الخليج. ولكن الانهيار الأخير في أسعار النفط جعل الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على علم بالمخاطر المؤلمة للاعتماد على هذه السلعة المتقلبة. الآن، تعمل المملكة العربية السعودية، الكويت، قطر، البحرين، سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة على الاستفادة من ثروتها الحالية من أجل تنويع قواعدها الاقتصادية، وهو جهد يتطلب تدابير مؤلمة تخاطر بزعزعة النظام السياسي القائم، كما سبق أن رأينا في تجربة إصلاحات الأجور الوليدة في الكويت.

سوف يتطلب الانتقال المنتظر أيضا المزيد من العمالة للعمل في مشاريع البنية التحتية والإنشائية الضخمة والمتنامية في قطاعات السياحة والمالية والتجزئة. تاريخيا، لم يبد المواطنون في دول الخليج اهتماما بالعمل في القطاع الخاص بدلا من ذلك، فإنهم يفضلون وظائف القطاع العام الأكثر أريحية.

وهكذا، وعلى مدى عقود، تحولت دول الخليج إلى بوابة للمهاجرين من جنوب وجنوب شرق آسيا لاستكمال القوى العاملة في كل القطاعات تقريبا. هناك حوالي 25 مليون من العمال المهاجرين في الوقت الراهن في دول الخليج يأتون في المقام الأول من دول الهند وبنغلاديش وباكستان والفلبين. هؤلاء العمال على استعداد للعمل بأجور أقل من أقرانهم المحليين في حين تعتمد الدول التي ترسلهم بشكل كبير على تحويلاتهم المالية. في عام 2015، مثلت تحويلات العمال المهاجرين في الخارج حوالي 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي للهند، و10% في الفلبين و7% في باكستان. هذه الأموال لا تساعد فقط هذه الدول على تحفيز اقتصادات بلدانهم ولكنها تدعم دخل الأسر في أسواق العمالة شديدة الوطأة وتوفر وسادة هامة لمنع الاضطرابات الاجتماعية.

ولم تكن العلاقات مع العمالة داخل إطار هذا النظام هادئة دوما. وقد أدى ارتفاع نسبة العمالة الوافدة في الخليج إلى الاحتكاك مع السكان المحليين الذين يشعرون بالاستياء بسبب جهل المهاجرين بثقافتهم المحلية. وعلاوة على ذلك، فقد تراجعت التحويلات المالية منذ عام 2015 بسبب انخفاض أسعار النفط، مما تسبب في تسريحات جماعية للعمال رغبة في خفض الإنفاق. وحتى مع ذلك، فسوف يبقى العمال المهاجرون في دول الخليج لاعبا أساسيا لبعض الوقت، بل إن أعدادهم من المرجح أن ترتفع في واقع الأمر. وسوف يتعين على الحكومات المضيفة أن تجد وسيلة لفرض الضرائب على العمال المهاجرين وتأمين فرص عمل كافية للسكان المحليين المضطربين من دون تثبيط التدفقات التي تشتد الحاجة إليها من العمالة الأجنبية.

تعافي التحويلات

تسبب التراجع الصارخ في معدل التحويلات العائدة إلى العالم النامي خلال العام والنصف الماضيين في وضع ضغوط كبيرة على بعض فئات الدخل في جنوب وجنوب شرق آسيا. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، فقد انخفض معدل التحويلات المرسلة إلى البلدان النامية من 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 0.4% في عام 2015. ولكن هذا الوضع ربما لن يستمر لفترة طويلة. من المتوقع أن يرتفع مرة أخرى في عامي 2016 و2017 ليسجل تعاف متسارع مقارنة بالركود السابق الذي وقع في عام 2008. وبسبب كون انخفاض أسعار النفط هو ما تسبب في خفض التحويلات المالية في عام 2015، فإن انتعاش سوق النفط العالمية من شأنه أن يؤدي إلى إعادة التدفقات وبخاصة في منطقة الخليج.

وبمجرد تعافي أسواق النفط، فإن دول الخليج سوف تبدأ من جديد في تكثيف إنفاقها العام. على عكس روسيا التي يعتمد اقتصادها أيضا بشكل كبير على إنتاج النفط ويمثل جزءا من التحويلات المالية لآسيا الوسطى، فقد تمكنت دول الخليج من الحفاظ جزئيا على إنفاقها خلال فترة التباطؤ الاقتصادي من خلال الاعتماد على الاحتياطيات المالية والاستفادة من أسواق الدين العالمية. على الرغم من أنها اضطرت إلى تأجيل بعض المشاريع وتسريح العمال في الوقت الذي تتعثر فيه شركاتهم، فإن معظم المبادرات قد حافظت على زخمها. مع انتعاش سوق النفط مع مرور الوقت، فإن منطقة الخليج سوف توسع من قوتها العاملة من أجل الاستفادة من المناخ الاقتصادي الأكثر ملاءمة لأجل تجاوز الاعتماد المفرط على النفط.

وفي الوقت نفسه فإن العمالة الأجنبية سوف تظل ثابتة، بل إنها قد ترتفع في بعض الحالات في عدد من القطاعات. وسوف يستمر العمال الأجانب ذوو الأجور المنخفضة في شغل معظم وظائف قطاع الخدمات بما في ذلك البناء، وخدمات الطعام والعمل المنزلي، كما فعلوا لعقود من الزمن. سوف يكون السكان المحليون أقل اهتماما بشغل هذه الوظائف. إضافة إلى ذلك فإن المشاريع والقطاعات الجديدة اللازمة للنمو والتي أطلقتها مبادرات التنويع سوف ترفع الطلب على الموظفين الأجانب ذوي الرواتب المرتفعة لشغل مواقع المديرين التنفيذيين والمديرين والمستشارين.

ولكن السكان المحليين سوف يمارسون ضغوطا كبيرة من أجل إبعاد الأجانب عن هذه الوظائف ذات الياقات البيضاء وعلى الحكومات أن تسعى إلى تهدئتهم من خلال إزاحة المديرين الأجانب لصالح المحليين في بعض القطاعات مثل الاتصالات والبنوك والهندسة. 

كانت مبادرات التوطين تلك تجري على مدار العقد الماضي ومن المرجح أنها سوف تستمر دون أن يكون لها تأثير كبير على عدد العمال الأجانب الذي يعملون في الخليج. في الواقع فإن وزير التنمية الاجتماعية السعودي أوضح في وقت سابق من هذا الشهر أنه على الرغم من تركيز رؤية المملكة العربية السعودية الجديدة 2030 على توظيف السكان المحليين، فإن الرياض لا تهدف إلى خفض عدد العمال الأجانب داخل حدودها. ونظرا لكون المملكة العربية السعودية هي ثاني أكبر مورد للتحويلات المالية في العالم فإنها تواجه التحدي الأكبر بين سائر دول الخليج في توظيف سكانها الشباب. لذا فإن إصرارها على الحفاظ على مستويات عالية من العمالة الأجنبية يبشر بالخير للحفاظ على توازن العمالة في بقية المنطقة كذلك.

هذا يعد خبرا سارا بالنسبة إلى دول جنوب وجنوب شرق آسيا التي ترسل عددا كبيرا من العمال إلى الخليج. من بين دول المنطقة، فإن الهند هي أكبر مستقبل للتحويلات الخليجية بواقع 1.25 مليار دولار تليها باكستان ثم الفلبين. في السنوات الأخيرة بدأت دول مجلس التعاون الخليجي تتجه للحصول على العمالة من غرب أفريقيا، حيث تجبر معدلات البطالة العالية العاطلين عن العمل على البحث عن وظائف في أي مكان.

أعباء المهاجرين

ولكن عل الرغم من التوقعات الإيجابية العالية بالنسبة إلى العمال المهاجرين في دول الخليج، فإن الأمر لا يخلو من صعوبات كبيرة أيضا. على الرغم من أن الخطط الطموحة للإصلاح الاقتصادي في المنطقة سوف تخلق طلبا مضطردا على العمل، إلا أنها سوف تكون مصحوبة بضرائب جديدة. ونظرا لأن المواطنين الخليجيين هم فقط من يحملون نفوذا سياسيا في بلدانهم، فإن معظم عبء ضريبة القيمة المضافة من المحتمل أن يقع على عاتق العمال الأجانب.

في الوقت الحالي، فإن الضرائب التي تجري مناقشتها هي ضرائب مسطحة على دخول الشركات. في يناير/كانون الثاني، قامت عمان بفرض ضريبة على الشركات بقيمة 15% تلتها الكويت في مارس/أذار بنسبة 10%. نفت المملكة العربية السعودية الأقاويل حول كونها تخطط لفعل الشيء نفسه، ولكنها قد تضطر في نهاية المطاف إلى فرض ضريبة الشركات. من الناحية النظرية، فإن حقيقة فرض هذه الضرائب على الشركات يعني أن عواقبها سوف يتم الشعور بها من قبل الأجانب والمحليين على حد سواء، ولكن خطط الحكومة لزيادة نسبة المواطنين العاملين في هذه الشركات سوف تحمي المواطنين بشكل غير مباشر من الضرائب الجديدة حيث ستقوم الشركات بضبط نفقاتها بما في ذلك الأجور بما يتلاءم مع التشكيل الجديد للعاملين لديها.

سوف يطالب المحليون بزيادة الأجور ولهم نفوذ سياسي للمطالبة بذلك، لذا فإن الاقتطاعات من الأجور سوف تركز مباشرة على العمال الأجانب الذين سوف يكونون مضطرين لالتقاط الفتات. سوف يثني الآثار المرتبة على هذه الضرائب بعض الوافدين عن العمل في الخليج، وتشير بعض التقارير ضيقة النطاق أن هجرات العمالة الوافدة قد بدأت بالفعل تظهر في سلطنة عمان والكويت وقطر.

من أجل وقف هجرة العمال الأجانب، فإن الدول الثلاث التي تعتمد بكثافة على العمالة الوافدة، المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، سوف تحرص على تسويق الصورة الإيجابية لأسواق العمل لديها في محاولة لمواصلة جذب المواهب التي تحتاج إليها. خلال العام الماضي، أعلنت وزارة العمل السعودية رفع الراتب الشهري للمقيمين لتبرير الضرائب المقترحة على التحويلات. كما إن وسائل الإعلام الخليجية تواصل إيراد تقارير عن الإصلاحات التي أدخلت على قوانين الكفالة شديدة التقييد. ولكن هذه التغييرات كان تجميلية بشكل كبير، حتى في دول الإمارات العربية المتحدة وقطر، والتي أثارت وسائل إعلامها ضجة كبيرة في عام 2015 بشأن الإصلاحات المفترضة للكفالة. كما أعلنت سلطنة عمان والبحرين والكويت خططا في عامي 2009 و 2010 لإصلاح نظام الكفالة، إلا أنها لم تحدث تغييرا ملموسا نظرا لأن هذه الدول هي أقل اعتمادا على العمالة الأجنبية من جيرانها. منحت دولة الإمارات العربية المتحدة بعض المرونة للعمال الأجانب من خلال السماح لهم بتبديل أرباب العمل، ولكن وزارة العمل الإماراتية لا تزال تسيطر بإحكام على حقوق العمال.

السعودية ... إصلاحات متأخرة

من بين دول الخليج، فإن المملكة العربية السعودية تواجه أكبر التحديات ذات الصلة بالعمل في السنوات المقبلة، حتى في الوقت الذي تحاول فيه تصدير تصورات إيجابية حول سوق العمل للمهاجرين في الخارج. مقارنة مع جيرانها، فإن المملكة العربية السعودية هي الأكثر تأخرا في مسيرة الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لتنويع اقتصادها. وعلاوة على ذلك، فإن لديها أكبر عدد من السكان تحت رعايتها. هناك العديد من الشباب السعودي الذي سيبلغ قريبا سن الرشد وسوف يكون في حاجة إلى فرص العمل والتدريب. ولكن بالمقارنة مع نظرائهم الأجانب، فإن العمال السعوديين منخفضو الإنتاجية، بما يعني أن القوانين التي سوف تدفع في توظيفهم محل الأجانب سوف تكون مكلفة اقتصاديا.

الواقع، إن المملكة تواجه بالفعل العديد من العقبات الفريدة في محاولة إدخال الأيدي العاملة المحلية في بعض القطاعات. وقد أدت تجربة العام الماضي بإحلال السعوديين محل الأجانب في جميع محلات الهواتف النقالة إلى إغلاق نصف محلات الهاتف المحمول في البلاد. كما فشل الإجراء أيضا في زيادة نسبة العمالة المحلية بسبب التباين في الأجور والإنتاجية بين السعوديين.

من أجل تشغيل مواطنيها، فإن دول الخليج الست قد أعلنت سلسلة من المشاريع والفعاليات الضخمة التي ترمي إلى خلق فرص العمل، بما في ذلك معرض إكسبو 2020 في دبي، وكأس العالم 2022 في قطر ومحاولات المملكة بناء برج ضخم خارج مكة المكرمة. ولكن هذه المشاريع سوف تحتاج تدفقات كبيرة من العمالة الأجنبية والتي سوف يكون استقطابها أمرا صعبا في وقت صارت فيه الضرائب والتوطين على رأس الأولويات في دول الخليج.

ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-