مجتمع » أسرة

أي ترفيه نريد؟

في 2016/05/24

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج

بعد إعلان إنشاء هيئة للثقافة وهيئة أخرى للترفيه في السعودية كانت التساؤلات تصب حول المدى العملي للبرنامج أو المهام المناطة بهاتين الهيئتين، فلا أحد لديه علم بما يمكن أن تكون عليه الأمور، وكل ما في الأمر هو تلك الرغبة العارمة لدى كثير من مثقفي السعودية في تطوير الثقافة ورغبة أكبر لدى المجتمع في ممارسة هواياته الترفيهية بشكل طبيعي،  لكن لا أحد لديه التصور حول إمكانية تحقيق ذلك من خلال هاتين الهيئتين، ومن الصعب حاليا معرفة الأدوات أو المهام المناطة بهما، خاصة أن عددا من المهام سبق وأن كانت في إطار وزارات أخرى كوزارة الثقافة والإعلام، وفي وجود الهيئة يبرز عدد من التساؤلات من قبيل: هل ستكون هيئة الثقافة رافدا للوزارة أم ستكون مستقلة، وإذا كانت مستقلة فما معنى أن يكون وزير الأولى هو رئيس الثانية؟

الثقافة والترفيه جانبان فيهما من الاستقلالية الشيء الكثير، ومن المهم التفكير جديا في دفعهما إلى ذلك، وتمهيد الأرضية الثقافية والاجتماعية إلى تقبل الكثير من المشاريع الثقافية المستقلة، وما على الدولة إلا الحماية القانونية.

أيضا ما مدى تداخل هيئة الثقافة مع هيئة الترفيه؟ إذا علمنا أن من الأمور المعلن عنها في الترفيه المسارح والفنون وهي من المهمات التي تتولى رعايتها الثقافة، إضافة إلى سؤال مدى تداخل الترفيه مع السياحة والسياحة مع هيئة الثقافة؟

ثم الى حد ستتمكن هيئة الترفيه من اثبات نفسها واقناع المواطن بجدواها في ظل غياب اهم عنصرين ثقافيين من ثقافة الترفيه واعني السينما والمسرح؟

 

لا أحد يمكن له أن يدلي برأي واضح المعالم ما دام أنه لم يتم التصريح لا من قبل هيئة الثقافة، ولا هيئة الترفيه بأي شيء، ولم يتم الإعلان عن الآليات التي سوف يقوم العمل عليها والصلاحيات المنوطة بكل منهما.

لكن يبدو أن هاتين الهيئتين جاءتا من أجل أن تكون هناك مظلة رسمية لعدد من المشاريع الثقافية والترفيهية بعيدا عن البيروقراطية التي تتسم بها كثير من وزارات الدولة، وربما كان هذا هو المأمول من وجود هاتين الهيئتين، وهما في الأصل هيئتان لتفعيل رؤية السعودية 2030، ولكون الرؤية اقتصادية في جانبها الأكبر فإنه من المتوقع أن الجانب الثقافي والترفيهي يصب في الجانب الاقتصادي، وهذا الأمر فيه ما فيه من تسليع فكرة الثقافة وتحويلها إلى منتج اقتصادي مثله مثل أي جانب من الجوانب الحياتية، رغم أن الثقافة في طبيعتها تتمرد على هذا المفهوم.

في الجانب الترفيهي يمكن أن يكون الجانب الاقتصادي حاضرا أكثر من الثقافة، لكون الترفيه يحتاج إلى أرضية اقتصادية تنبني عليها كثير من المشاريع الترفيهية، لكن - كما قيل أعلاه في التساؤلات المطروحة - في الترفيه تم وضع المسرح والسينما في خانة الترفيه مع أن الجانب الثقافي فيهما أقرب إلى الترفيه، لكن هما أيضا يأخذان من الجانب الترفيهي الشيء الكثير، وهذا مفهوم إلى حد ما، لكن ما هي المساحة التي ستكون لهيئة الثقافة في أن تشتغل عليها إلا إذا كان الوضع لاحقا سوف يعاد تشكيل الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون بحيث تندمجان في مراكز ثقافية، فهذا أمر آخر سوف يضع إشكالية أخرى وهي تداخل الثقافة والترفيه مرة أخرى في الموضوع.

في الوضع السعودي، وبصورة براغماتية بحتة، من الجيد أن تكون هناك مظلة رسمية تعمل الثقافة والترفيه من خلالها، بحيث يكون أي مشروع ثقافي أو ترفيهي وفق الآليات الرسمية بعيدا عن تدخلات المسيئين الذين يمكن أن يفسدوا أي مشروع، كما حصل من تكسير لبعض المسارح أو التشويش على بعض معارض الكتاب أو المهرجانات الثقافية وغيرها، ولذلك فأنا أتفهم الضرورة (المؤقتة) لوجود هيئة مختصة بالثقافة، ووجود هيئة أخرى مختصة بالترفيه رغم كل الإشكاليات المطروحة حولهما، فبمثل وجود هاتين الهيئتين فإن كثيراً من المشاريع الثقافية والترفيهية سوف تكون بموافقة رسمية، ولا يمكن إيقافها إلا وفق الجهة الرسمية المنوطة بها، بحيث يمنع ذلك تدخل أي جهة أخرى على تلك المشاريع.

لكن الإشكالية أن الثقافة والترفيه جاءتا بقرار سياسي، وهذا فيه من المفارقة الشيء الكثير، كون هذان الأمرين: الثقافة والترفيه خارجين عن محددات الرؤية الرسمية والسياسية في كثير من جوانبهما، وعندما تأتي هاتان المسألتان وفق المشاريع السياسية فيعني ذلك مزيداً من تكريس الثقافة الترفيه على الثقافة التقليدية الموجودة خلف ذات الرؤية السابقة، أو هذا ما أخشاه، لأن البناء على أساس هش لا يمكن له أن يقيم مشروعا كبيرا ومؤثرا، وإلا فإن مؤسسات الدولة الثقافية كانت تقوم بمهماتها سابقا كما هو مطلوب منها، والأهم من كل ذلك هو في تحويل هذه المؤسسات إلى مؤسسات المجتمع المدني الذي هو عادة مؤسسات مستقلة، ومهمة الدولة ليست في دفع الثقافة والترفيه إلى الوجود أو رعايتهما اقتصاديا من خلال برنامج محدد المعالم، وإنما هي في تمهيد الأرضية الرسمية والحماية الأمنية لا أكثر من غير التدخل في نوعية هذه الأنشطة أو المشاريع الثقافية والترفيهية، فمهمة الدولة الحديثة تقتضي الحماية القانونية لمؤسسات المجتمع المدني وليست مهمتها تسيير المجتمع المدني، ومن هذه النقطة يمكن القول: إنه من المهم أن تتحول الثقافة ويتحول الترفيه إلى الاستقلالية التامة في إدارة ذاتها بذاتها، فالجانب الرسمي في الثقافة أو في الترفيه سيجعل الأمور تدور في أطر ضيقة، تسير وفق آليات محددة لا يمكن الخروج عليها لمزيد من التطور والتطوير، ولذلك فالترفيه والثقافة "الرسميان" لن يحققا إلا المزيد من التبعية للدولة، وهذا ما يجعل الجانب الاقتصادي في الجانبين - إن كان يراد لفكرة أن تدار اقتصادياً - أقل حظا من غيره في الجوانب الاقتصادية التي تطمح إليها رؤية السعودية 2030، فالثقافة والترفيه جانبان فيهما من الاستقلالية الشيء الكثير، ومن المهم التفكير جديا في دفعهما إلى ذلك، وتمهيد الأرضية الثقافية والاجتماعية إلى تقبل الكثير من المشاريع الثقافية المستقلة، وما على الدولة إلا الحماية القانونية، وإلا فإنني أشكك بوجود ثقافة وترفيه فاعلين مستقبلاً كما كنا نرجوه.

وعلى أي حال فان إنشاء هيئة عامة للترفيه مؤشرٌ على لم شمل الممارسات المتفرقة، ونقلها من العشوائية إلى المنهجية ، وترسيخ مفهوم أن العمل المؤسسي هو جزءٌ لا يتجزأ من رؤية 2030 التي لم تُهمل في استراتيجيتها الجانب الذي كان يُمارسه البعض وهم متوجسون ، بل وكأنه رِجس من عمل الشيطان؛ فوصولنا لتأطير ترفيه الناس وفق مرجعية رسمية يعني أن القيادة استشعرت وجود خلل في تعاطي المواطنين له ، ومن مسئوليتها تجاه رعاياها كان لزاماً أن تؤسس مرجعاً يُجسِّر الهوة بين ما هو واقع مُشتت، وبين ما هو مأمول يُخفف من وطأة الإقصاء عن كل مباح.

المُتتبع لتداعيات إنشاء هذه الهيئة يجد تنازعاً بين طرفي المعادلة غير المتوازنة في المُجتمع؛ فالطرف المتوجس خيفة بدأ في بث تحذيراته، وإبداء سياساته التي يجب أن تعمل الهيئة الوليدة في إطارها؛ لكي لا تقع في المحظور، وتكون وبالاً على المجتمع، وتجترَّه إلى مستنقع الممنوعات وفقاً لرؤيته التي تتحكَّم في كافة تفاعلاته !!، بينما تفرَّغ الطرف الآخر إلى إبداء فرحته العارمة التي تعكس حرماناً قاسياً مُورس ضده، ودفعه للبحث عن مصادر ترفيه خارج الوطن، وأخذ ينسج من خياله أفكاراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بهدف لفت انتباه مسئول الهيئة المُعيِّن لمعاناتهم؛ علّه يكون نصيراً لها ولهم.

وتأسيساً على ما سبق ؛ فإن بناء سياسة الهيئة المُستقبلية لابد وأن تأخذ في الاعتبار عدم الانسياق لطرف على حساب آخر؛ بل يجب أن تعمل على إحداث التوازن الذي يخلق ترفيهاً يتواءم مع ما يعانيه المُجتمع من ضغوط حياتية جراء ميكنتها التي لا ترحم ،

وتحقيق الاكتفاء الترويحي الذي يُعد مُولِّداً لمسار استثماري كبير كان يذهب أغلبه خارج حدود الوطن في هدرٍ غير مُبرر ، ناهيكم عن قدرته على تهذيب النفس من الشوائب العالقة بها جرَّاء زعزعة المُسلمات الواهنة التي أُكْتشف مع الوقت أنها لا تعدو كونها افتراضات لم تثبت صحتها عند اختبارها .

وما بين حسنات النظرية وسيئات التطبيق يبقى السؤال الاهم : أي ترفيه نحتاج واي ترفيه نريد؟