مجتمع » أسرة

تكافؤ النسب.. هل يؤثر في بنية المجتمع؟

في 2016/05/18

قليل من الكتب أو مشروعات الدراسات والبحوث ما يلفت الانتباه ويغري بقراءتها، ومن ذلك ما قرأته أخيرا من طروحات مثيرة للاهتمام في كتاب «رؤية حول تعميق المواطنة في المجتمع السعودي» للكاتب العميق مشاري سليمان بالغنيم، ورغم أنه أشار في مقدمته الى أن ما يطرحه لا يعدو أن يكون خواطر وليست أفكارا مدروسة وكاملة وإنما يفتح من خلالها باب النقاش، فهو من خلال لغة رشيقة ودلالات تغوص عميقا في المعنى، تناول قضية تكافؤ النسب في المجتمع من جميع وجوهها، ووضعها تحت مجهر البحث والتجديد.

نظرا لحساسية القضية عند البعض، وسلبيتها على المجتمع الانساني، فأرى وجوب إعادة النظر فيها وتعريضها لمزيد من التشريح والتفكيك بمنظور إنساني واجتماعي وديني.

طرح بالغنيم مثير للاهتمام لأنه يجعل قارئه يشاركه بالفعل هاجس القضية بكل أبعادها دون أن يضطر الى تفصيلات ووقائع معروفة بالضرورة، وإنما المهم أن يصل مع قارئه الى حائط صد متعدد المحاور، أولها محور ديني، إذ لا يسند تكافؤ النسب نص موثوق مطلقا، والمحور الثاني، اجتماعي، إذ لا تحتفظ بهذه القضية من بين كل مجتمعات الدنيا إلا المجتمعات الخليجية، وذلك لا يميزها على الصعيد المجتمعي وإنما ينقصها ويدعو الى الانتقاد لتناقضها مع العقد الاجتماعي المتعارف عليه، المحور الثالث لصد القضية، إنساني، إذ لا أحد في مجتمعات العالم بقبائله وأعراقه من يتعامل مع الزواج في إطار النسب بالحيثيات التي توجد لدينا، ما يضعنا وكأننا نهدر أحد الحقوق الإنسانية الطبيعية، وهنا ندخل في وضع غريب وشاذ عن الآخرين يثير الاستهجان، ويدفع بنا الى مساحات حقوقية سلبية فيما ندعي أن ديننا يدعو الى مكارم الأخلاق وتغليب المحبة والتسامح وتحقيق السلام الداخلي، في النفس والمجتمع.

قد نجد أن المجتمع يتفرق بسبب قضية لا موقع لها من الإعراب الإنساني والديني والأخلاقي، ولذلك من الضروري الطرق على هذه القضية بغية تفكيكها، وإن ثبت تناقضها مع النص الديني وجب إقصاؤها من موروثنا الاجتماعي باعتبارها سلوكا باليا له تداعيات سلبية معقدة ومتعددة لا تستقيم مع زعمنا بتميزنا الاجتماعي والاخلاقي كخير أمة أخرجت للناس، وهنا أشير إلى أنه لم ينتقص من قدر الرسول الكريم الهاشمي القرشي أن تزوج مولاه زيد من بنت عمه زينب التي تزوجها بعده، كما لم ينتقص الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف وهو يزوج أخته لبلال بن رباح، وبحسب هذه الوقائع فقط يمكن استشعار واستكشاف أننا ربما نكون في غيبوبة دينية وأخلاقية نعجز معها عن الاقتداء برسولنا وصحابته وهم أرفع قدرا وشأنا وإنسانية، وربما نجد أننا قد تمسكنا بأوهام نتداولها ونتوارثها ونعتقد أنها مما يحث عليها الدين.

قدسية الزواج تقوم على الحب والوئام والسكينة، لذلك فإن مساعي البحث في هذه القضية يجب أن تستمر، لأنها ربما تكون حالة خاطئة ولا نجرؤ على الاعتراف بقدر الخطأ الذي فيها، وربما أننا نتعامل معها في إطار عاطفي غير صحيح على الإطلاق.

قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، ومع كل ذلك، وفي كل الاحوال، إن كان الحكم في المحاكم الشرعية في قضية بعينها خلاف ما يتفق عليه، فإنه يلزم المسلمين الخضوع للقضاء الشرعي مهما كان الحكم، لأن لكل قضية ملابساتها.

محمد السماعيل- اليوم السعودية-