قضاء » قضايا

محامون لا قضاة

في 2016/05/17

قبل عدة سنوات قابلني أحد الأشخاص في محكمة من المحاكم وناقشني عن قضية توليت الدفاع فيها وكان غاضباً متمعر الوجه، فانقلب النقاش إلى احتساب عليّ بسبب دفاعي في تلك القضية، لأنه يعتقد أن المتهم مدان ويجب تعزيره لجرمه وأنه يجب ألا يُدافع عنه، ثم تلا عليّ بصوت جهوري (ولا تكن للخائنين خصيما)، ثم أدبر وهو يحوقل ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

من تلك الحادثة أيقنت أننا مازلنا بعيدين كل البعد عن القيم الأساسية لحقوق الإنسان والتي من أهمها حق المتهم في الاستعانة بمحام، وذلك تأسيساً على قاعدة افتراض البراءة (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، والتي تعد حجر الزاوية في العدالة الجنائية.

كيف يمكن لشخص أن يدين متهماً قبل أن ينال محاكمة عادلة، ومع ذلك يدعي أنه يؤمن بقيم العدالة التي جاءت بها كل الشرائع السماوية والأرضية ؟

تعجبي من ذلك الشخص المحتسب والتيار الذي ينتمي إليه أنه يقلب مهنتنا رأساً على عقب فيحولنا من محامين إلى قضاة ندين الناس خارج مؤسسات القضاء وبعيداً عن منصة العدالة التي يملك من يجلس وراءه الحق دون غيره بتقرير إدانة إنسان، أما المحامون فيتمسكون بالبراءة الأصلية ويتشبثون بقاعدة أن الأصل براءة الذمة فيدفعون عن المتهم إذا تشكلت عقيدتهم القانونية على براءته أو يعتذرون منه إذا كانوا غير قادرين على ذلك دون أن يسلبوه حقه الأصيل في الاستعانة بزميل آخر من المحامين، ودون أن يشنعوا عليه أو يؤلبوا عليه، لأنهم مدركون أن الدفاع عن المتهم لا يعني الدفاع عن التهمة، فالدفاع عن متهم بحيازة مخدرات لا يعني الدفاع عن (شرعية) حيازة المخدرات وتعاطيها وإنما الدفع الأساسي أن المتهم بريء من ممارسة ذلك السلوك المُجرَّم وهذا بشكل بسيط مهمة المحامي بكل بقعة من هذا العالم.

وإذا كنا نرى أن تولي الدفاع عن إنسان نعتقد إدانته؛ مخالفة شرعية فنحن نقول من حيث لا نشعر بأن المحاكم (الشرعية) تقبل بممارسة غير شرعية في المحاكم (الشرعية) من خلال قبولها لذلك المحامي بأن يترافع أمام منصاتها القضائية عن ذلك المتهم التي قد لا تروق لنا أفكاره ويجب أيضاً وصف وزارة العدل بأنها تخاصم عن الخائنين لأنها مكنتهم من توكيل محامين عنهم ودفعت أتعابهم من خزينة الدولة في قضايا مثل قضايا الإرهاب والذي عدم أكثر من أربعين منهم إلا إذا كنا نعتقد أن الإرهاب ليس خيانة.

ببساطة نحن محامون لا قضاة، وسنبقى كذلك ندافع عن العدالة وقيمها حتى وإن كره إخوتنا الغلاة.

عبدالرحمن اللاحم- عكاظ السعودية-