دول » دول مجلس التعاون

العمالة الأجنبية بالخليج ..تحديات ومخاطر متنامية

في 2016/05/02

شؤون خليجية-

في "عيد العمال" المألوف الحديث عن عمالة مهددة أو حقوق مهضومة أو حرف مهددة بالاندثار، وخطر العولمة وإغراق السوق بالسلع الأجنبية، أما بدول الخليج فالبوصلة تتجه صوب كيان ومستقبل الدولة التي يهددها عمالة أجنبية وافدة حولت بعضها إلى مدن أشبه بالمحتلة تشكل فيها أغلبية سكانية، محدثة خلل ديموغرافي وسكاني رهيب، يحمل تبعات خطيرة على هوية المواطنيين وخصوصيتهم الثقافية واللغوية إلى جانب التحديات الأمنية والتشوهات الاقتصادية.

الأكثر خطورة تأثير هذه العمالة الوافدة على هيكل العمالة الوطنية ومستقبلها ودورها، وفي ظل سيناريوهات انخفاض أسعار النفط والاتجاه لتقليص الميزانية سيتأثر هيكل العمالة الوافدة والأجور بنسب متفاوتة تبعا لمشروعات إحلالها بتوطين العمالة المحلية ونسب البطالة والركود أو الإلغاء أو التعثر للمشروعات أو الشركات ، بحسب محللين.

ولا توجد دول في العالم أكثر استقبالًا واحتضانًا للعمَّال الوافدين مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وينطبق هذا الواقع على العمالة الماهرة وشبه الماهرة وغير الماهرة على حدٍّ سواء، علمًا بأن نسبة ليست بالقليلة من العمالة الأجنبية في الخليج غير شرعية، ما يعني أيضًا تحويلات مالية غير رسمية لا يُعلم على وجه الدقة مقدارها.

 

خلل ديموغرافي كارثي     

حقائق خطيرة مثيرة للقلق تتعلق بالخلل الديموغرافي كرسته العمالة الوافدة، حيث كشفت دراسة بعنوان "العمالة الوافدة في دول الخليج: واقعها ومستقبلها" نشرها مركز الجزيرة للدراسات في 6 سبتمبر 2015 أعدها د. جاسم حسين  أن المنظومة الخليجية تتميز باحتضانها أعدادًا كبيرة من العمالة الوافدة، حيث تشكِّل العمالة الوافدة أكثرية القوى العاملة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست؛ فضلًا عن كونها غالبية السكان في أربع دول أعضاء، هي: الإمارات والبحرين والكويت وقطر؛ حيث يزيد حجم العمالة الوافدة في دول الخليج العربية عن 17 مليون فرد، ويرتفع العدد ليصل إلى نحو 23 مليون فرد بعد إضافة أفراد الأسر؛ مما يعني قرابة نصف سكان دول الخليج العربية. وتستقطب السعودية وحدها أكثر من 9 ملايين عامل وافد جُلهم من الدول الآسيوية؛ مثل: الهند، والفلبين وباكستان وبنغلادش وأندونيسيا وسريلانكا.

أما حجم العمالة الهندية في دول الخليج فقد ارتفع في غضون أربعة عقود من نحو 250 ألف عامل في عام 1975 إلى قرابة 8 ملايين عامل في الوقت الحاضر، مستفيدين من فرص العمل في السوق الخليجية؛ كما يُعَدُّ عمل الجالية الفلبينية في دول مجلس التعاون الخليجي لافتًا؛ إذ تستقطب السعودية والإمارات معًا نحو 40% من العمالة الفلبينية العاملة في خارج الفلبين. وفيما يخص العمالة الوافدة من الدول العربية، تستقطب السعودية على وجه الخصوص أعداد ضخمة من العمالة من مصر واليمن والسودان، بحسب الدراسة نفسها.

وترصد الدراسة أن قيمة الأموال المرسلة من المنظومة الخليجية تقدر بقرابة 80 مليار دولار سنويًّا، وربما أكثر؛ وهي أرقام كبيرة بالمستويات العالمية، وتُوَفِّر الأموالُ المرسلة سُبل العيش الكريم لملايين الأفراد، وخصوصًا في القارتين الآسيوية والإفريقية.

على الرغم من ذلك، يشكِّل عامل البطالة أو معضلة إيجاد فرص عمل مناسبة للمواطنين في بعض دول مجلس التعاون تحديًا لبقاء العمالة الوافدة بالمستويات الحالية.

يمثل عموم الوافدين القادمين من مختلف الدول ما لا يقل عن ثلثي مجموع القوى العاملة في المنظومة الخليجية وصولًا إلى 75% و85% في بعض الحالات؛ فقد شكَّل الوافدون ما نسبته 77% من مجموع القوى العاملة في البحرين في نهاية عام 2014، وتحديدًا 530,809 من أصل 687,147، والباقي 153,338 من المواطنين، وبالطريقة نفسها، ارتفع حجم القوى العاملة في البحرين في الربع الأول لعام 2015 إلى 694,837 موزعين ما بين 538,408 و156,429 للعمالة الوافدة والمحلية على التوالي؛ مما يؤكد احتفاظ العمال الوفدين بأهميتهم النسبية في سوق العمل؛ هذه الأرقام دقيقة بالنسبة إلى البحرين؛ التي تُعَدُّ أصغر بلد خليجي من حيث عدد السكان والمساحة والاقتصاد. بل تُعَدُّ إحصائيات العمالة الوافدة عالية ونوعية في كلٍّ من الإمارات وقطر والكويت.

البطالة وتوطين العمالة المحلية 

يقابل ملف العمالة الوافدة بالضرورة ملف توطين العمالة المحلية بدوره يقول د. جاسم حسين أن ديمومة التواجد غير العادي للعمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي يصطدم بظاهرة البطالة في أوساط العمالة المحلية؛ حيث تعتبر البطالة تحديًا في ثلاث دول خليجية على وجه الخصوص؛ هي: عُمان، والبحرين، والسعودية؛ فحسب تقرير حول البطالة في الدول العربية، صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا، تقف معدلات البطالة في عُمان والبحرين والسعودية عند 8.1%، 7.4% و5.6% على التوالي.

تُعَدُّ مسألة توظيف المواطنين حساسة في السعودية خصوصًا؛ إذ يُعتقد أن هناك مليوني مواطن سعودي من الفئة العمرية ما بين 15 حتى 19 عامًا، مما يوحي بأن نحو 400 ألف مواطن سعودي من الجنسين لديهم قدرة الدخول إلى سوق العمل بحثًا عن وظائف تتناسب وتطلعاتهم.ولتأكيد جدية معالجة مسألة الوظائف والبطالة في أوساط المواطنين، طرحت السلطات السعودية في عام 2014 ما يُعرف بنظام التأمين ضد التعطل أو "ساند".

كذلك بدأت السلطات السعودية منذ يوليو/تموز 2013 في تطبيق برنامج يعرف باسم "نطاقات"؛ الذي يهدف إلى تنظيم وإصلاح سوق العمل؛ وذلك من خلال الضغط على مؤسسات القطاع الخاص بتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين، ويُلزم مشروع "نطاقات" ضمان توفير نسب للعمالة الوطنية في القطاعات المختلفة تتوزع ما بين 6% في قطاع الإنشاءات، و30% في مجال الخدمات المالية، و50% في القطاع النفطي، ويتعلق الخيار بمنح أو الحدِّ من إعطاء تأشيرات للعمالة الوافدة بناء على مستوى توظيف المواطنين السعوديين.

وترصد الدراسة فيما يخص عُمان؛ أنه تبين أن إيجاد فرص عمل واعدة للمواطنين كان مطلبًا جوهريًّا للمتظاهرين في ربيع عام 2011؛ بغية تحقيق إصلاحات إدارية، وأعلنت السلطات العمانية عن خطة لإيجاد 40 ألف فرصة عمل في الدوائر الرسمية، وخصوصًا في قطاع الأمن والدفاع، كما شملت الخطوة منح كل عاطل -"لكن" باحثٍ عن عمل- منحة حكومية قدرها 390 دولارًا شهريًا. وفي هذا الصدد، يعتقد صندوق النقد الدولي أن هناك حاجة لإيجاد 45 ألف وظيفة سنوية.

أما البحرين كانت سبَّاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي عبر تدشين مشروع "التأمين" ضد التعطل الذي تم طرحه في منتصف عام 2007؛ حيث يتميز المشروع بإسهام العاملين في القطاعين العام والخاص بجانب من تكلفة التمويل.

أسعار النفط والعمالة الوافدة

تغيرات هيكلة من المحتمل أن يشهدها هيكل العمالة الأجنبية في ظل تداعيات أزمة انفط وخطط التحول الاقتصادي الوطنية، فقد حذر الكاتب السعودي جمال خاشقجي من أنه "لا يملك المخطط الاقتصادي في وزارة التخطيط السعودية غير التعامل مع رقم الـ30 مليوناً، مواطنين ومقيمين، عندما يحسب الإنفاق المترتب على الخدمات وتحلية المياه ودعم المحروقات والكهرباء وعدد السيارات والطرق والنقل العام والمباني والإسكان. لكن حبذا لو نطرح السؤال الجريء: "كم وكيف ستتغير خططنا؟ وما حجم التوفير الذي ستحققه الدولة لو نجحنا في تنفيذ التوجيه القديم الصادر عن مجلس الوزراء قبل نحو عقد من الزمن بألا يزيد عدد المقيمين في المملكة على 20 في المئة من عدد السكان؟"

وأضاف "خاشقجي" في مقال بعنوان "لماذا ننهض بالسعودية لغير السعوديين؟" بصحيفة الحياة اللندنية في 2 يناير 2016 "حينها سيُعاد رسم كل الخطط. وربما تعود «خطة التحول الوطني» إلى ورش العمل للتخطيط لسعودية قوامها 24 مليون إنسان، وليس السعودية الهائلة التي يقطنها اليوم أكثر من 30 مليوناً، متجاوزة بذلك «البصمة البيئية» التي قدرها الله لها بأضعاف عدة، ولا تزال مطاراتها تستقبل يومياً مزيداً ومزيداً من العمالة الوافدة.

اقتصاد مشوه

فلماذا نبقي هذا التشوه في اقتصادنا؟ تساؤل طرحه "خاشقجي" مضيفا سيقول قائل: «وكيف يمكن أن نزيد الإنتاج ونضاعف الدخل القومي من دون هذه العمالة؟». يجب أن نقتنع بأن هذه العمالة لا تستولي فقط على وظائف السعوديين. إنها تفعل ذلك ومعه ما هو أسوأ، حين تحول بينهم وبين اكتساب المهارات التي تصعدهم إلى درجات أخرى في الوظائف والتجارة والكسب، يجب أن نضع خطة موازية لمشروع «التحول الوطني» لتحرير السوق والاقتصاد السعودي من العمالة الوافدة. لتكن متدرجة عادلة".

العمالة المهنية واحتياجات المواطنين                  

كشف مسح ميداني أجراه المدير التنفيذي لمركز "إس إم سي" للاستشارات والدراسات الإعلامية جمال بنون في ديسمبر 2015، "أن سوق المهن والحرف الخاصة في السعودية تستحوذ عليها عمالة وافدة من 26 جنسية٬ منها 9 جنسيات تستحوذ على 70%، منها٬ هي باكستان واليمن ومصر والهند وبنغلاديش والأردن وفلسطين والسودان وسوريا٬ فيما تتقاسم الجنسيات الأخرى بقية المهن بنسب متفاوتة؛ من خلال رصد أهم 90 خدمة يحتاج إليها المواطنون يوميا، وجاءت العمالة السعودية في مرتبة متأخرة.

مخاطر اجتماعية

بشكل عام أرقام العمالة يزيد ولا ينقص، والحوالات تتزايد عاماً بعد آخر، والتستر والغش لم تتغير أرقامهما كثيراً، وتوظيف السعوديين تحول بعضه إلى «سعودة وهمية»، والسبب أن كل الأنظمة والقوانين لم تطق رأس المشكلة الأساسية لتختفي معها أعراضها.

وحذر خبراء من أن العمالة الوافدة أصبحت هاجساً يؤرق المجتمعات الخليجية، فقد تسببت وخصوصاً المخالفة لنظام الإقامة والعمل والعمالة غير الماهرة في رفع مستويات الجريمة، وأدخلوا أنماطاً وأنواعاً لم تكن معروفة مثل صناعة الخمور والترويج للمخدرات والتزوير والتزييف. وأدخلوا العديد من الأفكار والسلوكيات والتصرفات مما يؤثر سلباً على العديد من المواطنين فالواجب الحذر والانتباه لمجتمعنا وأسرنا من هؤلاء خاصة غير المسلمين أو من لديهم مذاهب هدامة أو بدع شاذة من تربية الصغار والناشئة.