دول » دول مجلس التعاون

شذوذ أوباما عن إجماع قمة التعاون الاسلامي

في 2016/04/29

محمد زاهد جول - الخليج أونلاين-

لم يكن متوقعاً أن يكون الرئيس الأمريكي أوباما مثيراً للقلق لدول الخليج العربي وهو في زيارة رسمية لها، وفي لقاء قمة أمريكية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، فقد كان الرئيس أوباما غير حكيم ولا سياسي، ولو من باب الدبلوماسية، في تصريحاته في الرياض بعد اجتماعه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في مؤتمر القمة الأمريكي مع قادة الخليج العربي الذي عقد بالرياض يوم الخميس 22/4/2016، فكان مما أكدته القمة الخليجية الأمريكية في ختام أعمالها بالرياض على الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين لتثبيت الاستقرار والأمن والازدهار في المنطقة.

فقد كان من المفترض أن تكون القمة الأمريكية الخليجية متوافقة مع قرارات قمة منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت مؤخراً في إسطنبول، والتي أصدرت إعلان إسطنبول، وفيه تحديد للتحديات التي تواجه العالم الإسلامي، وكان أبرز ما اتفقت عليه قمة الدول الإسلامية السبع والخمسين التنديد بالسياسة الإيرانية الطائفية، والتنديد بتدخلها في شؤون الدول العربية، وزعزعة استقرار المنطقة، وبالأخص التسبب بقتل وتشريد ملايين المسلمين في سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين وغيرها.

من ناحيته أكد خادم الحرمين الشرفين ما أجمعت عليه القمة الإسلامية في إسطنبول، وقال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عن القمة الأمريكية الخليجية: "إن القمة ستساهم في التعاون بين الطرفين"، دون الإشارة إلى أي نقاط خلاف مع أمريكا، بينما استغل الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجوده في الرياض للحديث عن وجود خلاف مع دول الخليج بشأن إيران، رغم الاتفاق على رفض الطرفين "تصرفاتها الاستفزازية"، وكان من أهم نقاط البيان الختامي للقمة الأمريكية الخليجية:

1 ـ ضرورة اليقظة حيال تصرفات إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة، من ضمن ذلك برنامج إيران للصواريخ الباليستية، ودعم طهران لجماعات وصفها البيان بالإرهابية مثل حزب الله اللبناني، وجماعات متطرفة أخرى تعمل بالوكالة لمصلحة إيران في كل من سوريا واليمن ولبنان.

2 ـ قال البيان إن دول مجلس التعاون مستعدة لبناء الثقة مع إيران على أساس حسن الجوار، وتؤكد أهمية عدم تدخل طهران في شؤونها الداخلية.

3 ـ اتفق القادة على أن حل النزاعات الأهلية في المنطقة لا يتم بالوسائل العسكرية، وإنما بالطرق السياسية والسلمية.

4 ـ التزامهم باتخاذ خطوات إضافية عاجلة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة.

5 ـ الحاجة إلى تحقيق الانتقال السياسي في سوريا دون نظام بشار الأسد، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة.

هذه النقاط وغيرها كانت متوقعة من القمة الخليجية الأمريكية، ولكن ما هو غير عادي وغير متوقع تصريح الرئيس الأمريكي أوباما في المؤتمر الصحفي عقب القمة بقوله: إن هناك "خلافاً تكتيكياً" بين واشنطن ودول الخليج فيما يتعلق بإيران، لكنهم متفقون على ضرورة مواجهة "التصرفات الاستفزازية لإيران"، لم يصرح أوباما بماهية الخلاف التكتيكي في هذا المؤتمر الصحفي، ولكنه عبر عنه في لقاءات سابقة في أمريكا نفسها، عندما قال إن أمريكا لن تقاتل إيران بالنيابة عن الدول العربية، أو لن تقاتل الشيعة بالنيابة عن السنة، أو ما شابهها من عبارات، بحجة أن ذلك مما يعتبره أوباما من المشاكل الداخلية بين المسلمين، وأن أمريكا لن تكون طرفاً في النزاع الطائفي، وهذه الحجة التي يتذرع بها أوباما يعلم بنفسه أنها غير حقيقية وغير واقعية، وإنما هي ذريعة أيديولوجية وسياسية غربية كاذبة، بل تريد السياسات الغربية تثبيتها إعلامياً وكأنها مسلَّمة واقعة، من أن العالم الإسلامي يعاني صراعاً داخلياً بين السنة والشيعة في العديد من بلاد المسلمين، بينما الموجود هو مشروع توسيع نفوذ إيراني في البلاد العربية يستغل أتباع المذهب الشيعي من العرب كبيادق لضرب الوحدة الوطنية في الدول التي يوجدون فيها، وهذا المشروع الإيراني الطائفي شجعته الاستراتيجية الأمريكية لأهداف تخصها موضوعة من عام 1984.

وكان مما قاله أوباما: "إن بلاده عندما وقعت الاتفاق النووي مع إيران كانت تدرك أن ذلك لا يعني إغفال أنشطتها المزعزعة للاستقرار، وإن التزام طهران بالاتفاق يتطلب تعاونها في وقف تسليح الحوثيين في اليمن، معتبراً أن التعاون الخليجي كان سبب نجاح التوصل إلى الاتفاق"، وهذا التصريح بدل أن يكون لمصلحة السياسة الأمريكية هو دليل على كذبها، فقد جاء في التصريحات الإيرانية والأمريكية مئات المرات التي كانت تنفي أن المباحثات النووية بين إيران وأمريكا، أو دول خمسة زائد واحد، كانت تتناول قضايا المنطقة السياسية والأمنية، وأنها كانت حصراً بالملف النووي الإيراني فقط، ولكن أوباما ربما نسي تلك التصريحات، أو أراد أن يكشف تفاهمه مع إيران على أوضاع المنطقة، وقال أوباما إن الاتفاق مع إيران كان يتطلب منها:

1 ـ عدم زعزعة الاستقرار بالمنطقة.

2 ـ التوقف عن تسليح الحوثيين.

وحيث إن المباحثات النووية الإيرانية الأمريكية قد استغرقت أكثر من عشر سنوات، وإن إيران زادت من جهودها في زعزعة الاستقرار بالمنطقة في تلك الفترة الزمنية، وإنها قد قامت بتحريض الحوثيين على انقلاب 12/9/2014، فإن أوباما إما أنه كان يتحدث في حين غفلة، أو عن قصد، لكشف فاتورة تعاون إيران معه، لأن ما حصل هو عكس المتفق عليه مع إيران، وكأن البنتاغون كان يخبره شيئاً ويعمل عكسه، أو أن أوباما لم يكن دقيقاً في تصريحه هذا، أو غير مدرك لما يقوله، بل قال ما هو غريب أيضاً وهو أن دول مجلس التعاون الخليجي قد ساعدت أمريكا في نجاح التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، ولكنه لم يكشف عن الطريقة التي ساعدت فيها دول الخليج العربي على التوصل إلى ذلك الاتفاق النووي.

وفيما يتعلق بسوريا فقد كان كلام أوباما متناقضاً مع السياسة العملية لأمريكا في سوريا والمنطقة، فقد شدد أوباما كلامياً على ضرورة رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، وقال: "إن الحل السياسي هو الأمثل، وعلى جميع الأطراف المشارَكة فيه"، وذكر أنه "طالب روسيا بالضغط على النظام لاستمرار الهدنة"، وهذا الموقف ناقضه أوباما في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يوم 24/4/2016 حيث ذكر أنه "يستطيع ممارسة ضغط دولي على كل الأطراف، من بينهم روسيا وإيران، للمساعدة بالتوسط في تحول سياسي في سوريا"، وفي نفس اللقاء قال أوباما: "إن إرسال قوات برية أمريكية أو غربية إلى سوريا للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد سيكون خطأ".

فأوباما يعترف بأنه له وسائل ضغط على إيران، فإذا كان ذلك كذلك فلماذا بقيت الحرب لخمس سنوات؟ أي إن أمريكا وهي تعلق الحل السياسي على قبول إيران وروسيا للضغوط الأمريكية، بينما لن يوافق أوباما على حل عسكري يطيح بالأسد، وهذا يثبت أن أمريكا أصبحت في ضيق أكبر في التعبير عن تناقضاتها في سوريا، ولا يفسر هذه التناقضات إلا وجود استراتيجية أمريكية غير معلنة، وهي سعي أمريكا لإدامة الصراع العسكري في سوريا لسنوات وعقود قادمة، بدليل أن أوباما يريد إبعاد أمريكا والغرب عن الصراع العسكري في سوريا، في حين أنه لا مانع لديه أن يتورط الروس فيها، ومن باب أولى أن يتورط العرب، والخليجيون في مقدمتهم، بهذه الحرب المدمرة، وبالأخص بعد أن فقدت أمريكا آمالها بتوريط تركيا فيها، رغم ضغط أمريكا على تركيا للدخول في هذه الحرب من خلال دعم أمريكا للأحزاب الإرهابية في سوريا، مثل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب الكردية التابعين لحزب العمال الكردستاني، وقيام هذه التنظيمات الإرهابية بأعمال استفزازية داخل تركيا، وقتل المئات من المواطنين الأتراك في تفجيرات إرهابية عديدة، حتى تضطر تركيا إلى محاربتهم في سوريا.

هذه المواقف للرئيس الأمريكي أوباما، وبعد "إعلان إسطنبول" الصادر عن البيان الختامي لقمة منظمة التعاون الإسلامي بتاريخ 15/4/2016، وفيه التنديد الكامل والصريح بالسياسة الإيرانية بسبب زعزعتها للاستقرار في المنطقة، ومطالبتها بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، بل والتنديد بدور الأحزاب والمليشيات الإرهابية التي تدعمها إيران في المنطقة، كل ذلك يؤكد أن أوباما أراد أن يوصل رسالة إلى الحكومة الإيرانية وهو في العاصمة السعودية الرياض بأن السياسة الأمريكية التي فتحت الباب لإيران منذ سنوات لإشعال المنطقة بالحروب الطائفية والعنصرية والإرهابية هي على حالها، وأن أمريكا لن تسمح بتحويل تحالف الدول الإسلامية إلى قوة عسكرية لإسقاط الأسد، وإن كانت ستسمح لكل الجيوش العربية والإسلامية والعالمية بالتورط في الحرب في سوريا، فلمزيد من الاقتتال والقتل، وليس لحسم الصراع في سوريا لمصلحة الموقف الذي دعمته اثنتان وخمسون دولة إسلامية، وهي الدول التي وقعت على البيان الختامي لقمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، وكأن أوباما أراد أن يعلن رفضه لإعلان إسطنبول، ويمنح إيران نفساً جديداً من الحرب الطائفية في سوريا، وقد تزامن ذلك مع تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني من أن بلاده "منعت سقوط سوريا والعراق بأيدي تنظيم الدولة الإسلامية.

إن أوباما إن لم يكن مدركاً لدوره في الوقوف إلى جانب الإرهاب الذي تمارسه إيران وحلفها الطائفي في سوريا، وأنه يمدهم بالزمن الذي يحتاجونه لقتل مزيد من الشعب السوري وتشريد الباقي، فإنه لا بد أنه يدرك أن مواقفه هذه هي شذوذ ومخالفة لإعلان قمة ثلاث وخمسين دولة إسلامية اجتمعت في إسطنبول الأسبوع الماضي، وأقرت إعلان إسطنبول، الذي إن لم يكن أوباما ملزماً به، بوصف أمريكا دولة غير إسلامية، ولكن السبب ذلك إنما هو قرب أوباما لمشروع محور إيران، فالرئيس الأمريكي أوباما محام بارع يحاول بكل ما أوتي من حيلة أن يدافع عن الاستراتيجية الأمريكية بإشعال الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بمزيد من الحروب في السنوات القادمة، ومن مصلحته استغلال إيران ومشروعها التوسعي في تحقيق الأهداف الأمريكية، ولو خالف إجماع الدول الإسلامية.